مقدمة
الفكر السني ـ الشيعي/ مصدره ومنهجه

حسن جرادات في الأحد ٢٦ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الفكر السني ـ الشيعي

مـقـدمـة

أقدم في هذا الكتاب موضوعا له من الأهمية والحساسية، بحيث ينبغي على قارئه أن ينعم النظر فيه بتجرد، وبعدم الانحياز سلفاً لما هو مألوف لديه وما هو متفق عليه بين عامة الناس، فليس بالضرورة ان يكون كل مألوف صحيحاً، فهذا البحث يتناول فكر أهل السنة والشيعة الإمامية من خلال دراسة كل من " صحيح البخاري " و " أصول الكافي " للكُليني تحديداً، ذلك لأن هذين الكتابين يشكلان مثالاً للأساس الفكري الذي يرتكز عليه الفرعان الرئيسيان لما يعرف " بال&UaUacute;الم الإسلامي "، اعني السنة والشيعة، اضافة الى انه لا يمكن تغطية مئات آلاف الصفحات من مراجع السنة والشيعة في بحث واحد.
فمن المعروف ان " صحيح البخاري " يمثل أعلى درجات الصحة والثقة لدى اهل السنة، وبما ان " السنة " لدى اهل السنة تعتبر مفسراً للقرآن الكريم، ومصدراً اساسياً للتشريع، فإن " صحيح البخاري " يتربع على قمة المفسرين للقرآن لديهم، وبالتالي هو من أهم المصادر ان لم يكن المصدر الأهم للفكر السني.
أما " أصول الكافي " للكُليني فإنه يشبه في مكانته لدى الشيعة الامامية مكانة " صحيح البخاري " لدى اهل السنة، لذلك فإن الفكر المستخلص من هذه الكتب يمثل " الفكر الاسلامي " الذي يقدَّم للناس في كافة ارجاء الدنيا منذ قرون، من هنا كان لا بد من الوقوف عند هذه المؤلفات وقفة دراسة وتفحص، فهي كتب كتبها ناس يجوز عليهم الخطأ كونهم بشر ممن خلق الله، فلا يصح وضع ما كتبوه وما أُنزل من عند الله على قدم المساواة، بحيث يتم تبني ما في هذه الكتب دون تردد كما نفعل اذا قرأنا القرآن الكريم، فليس هناك كتاب ـ باستثناء القرآن الكريم ـ منزه عن الخطأ والانحراف، والله تعالى يقول عن القرآن: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)، وهدفنا هنا هو بيان هذا الاختلاف في هذين الكتابين ـ كمثالين على الفكر المُتبنى لدى الاغلبية الساحقة من الناس ـ ليتبين بذلك مدى انفراج الزاوية بين الفكر الاسلامي المبني على كتاب الله، وبين الفكر الذي يستند الى كتب كتبها ناس بأيديهم وقالوا انها من عند الله، لكي تتم بالتالي تنقية المنهج الرباني من كل ما علق به من إسرائيليات وخرافات وأحكام تناقض روح الإسلام ونصوصه وبديهياته.
فالاحاديث التي صنفت في " الصحيح " كانت متداولة بين الناس في عهد سلطة لم يكن شرع الله وسلطانه هما السائدان في الأرض في ظلها، حيث الغي مبدأ الشورى في تولي السلطة كما مارست السلطات في تلك الحقب القتل لمعارضيها ونهب اموالهم وتخريب بيوتهم . فالذي يقتل صحابياً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أهون عليه ان يختلق حديثاً ينسبه للرسول (ص) يوصف فيه بأنه صاحب حق ومستقيم وعدل وخيّر.. فقد خرج معاوية على الخليفة المبايع وقاتله ثم استولى على السلطة بالكذب والتآمر الذي حصل في التحكيم بعد معركة صفين ـ التحكيم الذي لم يكن شرعياً من حيث المبدأ حتى لو لم يحصل فيه ما حصل من غش وكذب وخيانة وتآمر ـ، وما تلى ذلك من اغتصاب لحقوق العامة وارهابهم وقتلهم بلا قضاء ولا محاكمات، ثم تولية يزيد الحكم بدون التفات الى رأي الأمة التي اصبحت تُحكم بسيوف الحجاج وزياد بن ابيه وامثالهما، وما تلى ذلك من استمرار انتقال السلطة من الحاكم الى ابنه او اخيه، بحيث اصبح الهدف هو تولي السلطة اشباعاً لشهوة الحكم وما يرافقه من مكاسب دنوية تمثلت في نهب المال العام وتوظيفه في شراء الذمم لتوطيد الحكم وقمع وقتل أي صاحب رأي مخالف، ثم الغرق في الترف الذي كانت احدى صوره القصور التي تعج بالجواري والخصيان . وقد حاول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه ثني هذه الجاهلية عن التيه الذي اوغلت فيه وقد بدأ بالتصحيح؛ فأعاد المال المنهوب الى بيت المال وأوقف جريمة سبّ علي (ر) على منابر الجمعة واستبدل بها قوله تعالى: " ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي " ، إلا ان الفاسدين المفسدين من بني عمومته عاجلوه بالسم لتستمر مسيرة التحلل من ضوابط الاسلام واحكامه.
في هذه البيئة كانت الأحاديث تُصنع وتُتداول بين الناس، بيئةٍ السلطة والقوة فيها بأيدي أناس هدموا نظام الاسلام وأقاموا على انقاضة دولة بوليسية، دم المسلم وماله وعرضه فيها لا يساوي شيئاً، وإن قصة اعدام معاوية للصحابي حُجر بن عدي وأصحابه ـ وهي مفصّلة في تاريخ الطبري، احداث سنة 51 هـ ـ لهي مثال واحد على بوليسية الدولة الأموية التي اسست لجمع الحديث وتدوينه.
هذا، وقد تم تصحيح هذه الأحاديث ووضعها في كتب الحديث خلافا لمعايير الجرح والتعديل التي وضعها العاملون في تصنيف الحديث انفسهم فيما يتعلق بسند الحديث (كما سيجيء تفصيلاً في فصل خاص بذلك). اما الاحاديث التي تم تصحيحها وفي متنها ما يخالف نصوص القرآن ـ عقيدة وشريعة ـ وما يخالف كذلك العقل والتاريخ، فان كل حديث منها يتحدث عن نفسه في المكان الذي تم تناوله فيه في هذا البحث.
فبعد الحديث في الباب الاول عن اسس الجرح والتعديل التي يرتكز عليها سند الحديث، تم في الباب الثاني عرض بعض الروايات التي تبين الطريقة التي ينقل الناس فيها الحديث، والإمكانية الكبيرة في الخطأ في النقل والحفظ، بعد ذلك تم افراد باب يتعلق بالاحاديث المخالفة للعقيدة، ثم باب يتعلق بالأحاديث المنسوبة للرسول (ص) والتي وضعت كتفسير لنصوص قرآنية، وباب آخرلأحاديث مخالفة للتشريع الاسلامي ولنصوص قرآنية صريحة، بعد ذلك تم تناول احاديث نسبت للرسول (ص) تدعم الموقف السياسي للذين استولوا على السلطة، تلى ذلك تناول احاديث تخالف العقل بحيث يصل بعضها الى مستوى الخرافة، كما افرد باب عرضت فيه أحاديث تناقض بعضها بعضاً وتناقض المتواتر من التاريخ.
اما الاحاديث التي صنفها الكُليني في كتابه " أصول الكافي " فانها منسوبة في اغلبيتها الساحقة الى " الائمة من اهل البيت " حيث نعرض لما يخالف منها اصول العقيدة والشريعة والتاريخ والعقل في ابواب تم تصنيفها بناء على الموضوع، فقد افردت بابا خاصا " باهل البيت والامامة "، وباباً في الانحراف في العقيدة وباباً في الانحراف في التشريع وباباً في تحريف النصوص القرآنية وباباً في الخرافات وباباً في علم " الأئمة " للغيب وباباً في تناقض اقوالهم، وأخيراً باباً لم اجد له عنواناً لغرابة ما فيه من كلام منسوب للإسلام!
فعندما يتحدث اهل السنة عن لطم موسى ملكَ الموت، وعن خيانة حواء زوجها، وفي الوقت ذاته يزعم الشيعة أن علياً يحيي الموتى، وأنه هو وفاطمة والنبي (ص) خُلقوا قبل ان يخلق الله شيئاً بآلاف السنين. وعندما يزعم اهل السنة أن النار لا تمتلئ حتى يضع الله قدمه فيها، وان لله ساق عليها علامة يعرفه الناس بها، وفي الوقت ذاته يزعم الشيعة ان الرسول (ص) يتكلم ويصلي ويجلس الى ازواجه بعد موته، وأن الذي حمى ابراهيم (ع) من النار قميص كان يلبسه أتاه به جبريل من الجنة.. عندما يرى اهل السنة ان الناس يتعبد بعضهم نيابة عن بعض، ويزعمون ان الله سبحانه يُخرج من النار ناساً لم يفعلوا خيراً قط، وفي الوقت ذاته يزعم الشيعة أن عندهم " الجفر " و " الصحيفة الجامعة " و " مصحف فاطمة " فيها علم النبيين وشرائع الحلال والحرام وعلم ما سيكون. عندما يصنف اهل السنة من قتلوا الصحابة وألغوا مبدأ الشورى من النظام الاسلامي في مصاف الثقات العدول من الرواة، وفي الوقت ذاته يكفّر الشيعةُ الصدّيقَ والفاروق… عندما نتحدث عن هذه الأمور على انها أسسُ ومرتكزات دين، فان هذا الدين الذي نتحدث عنه ليس هو الإسلام، انما هو دين آخر تم وضعه بديلاً عن الإسلام لتحييد هذا الأخير وإلغاء دوره في قيادة البشرية.
فالمطلوب اذاً هو العودة الى القرآن والأخذ به بقوة كمصدر للفكر الاسلامي النقي ـ مع ما صح من سنة عملية وصلتنا بالتواتر ـ، ونبذ ما نسب الى رسول الله (ص) والى " الأئمة " من اقوال تناقض الفكر الذي جاء به القرآن وتشكل بديلاً عنه.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان هذا الموقف لا يعني انكارنا لأي حديث مروي عن النبي (ص) ما دام لا يصطدم هذا الحديث مع نص قرآني، وفي الوقت ذاته فإننا لا نجزم بنسبته للرسول (ص) بسبب وصوله لنا عن طريق مَن يوثقون غير الثقاة وغير العدول من الرواة.




اجمالي القراءات 10826