كيف ترى سلطنة عمان نفسها في عالم متغير وكيف يراها الإقليم

في الإثنين ٠٥ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

كيف ترى سلطنة عمان نفسها في عالم متغير وكيف يراها الإقليم

  • تتمسك سلطنة عمان بتوخي سياسة الحياد في التعامل مع قضايا رئيسية في المنطقة استوجبت تغيير الكثير من العقليات الدفاعية والسياسات الخارجية والاستراتيجية. وتبدو مسقط من خلال هذه السياسة تغرد خارج سرب الجماعة، وتتبع حيادا سيتطور إلى واقع سلبي له تداعيات على الداخل بعد أن تأكدت بالحجة الأدوار التي تلعبها الدوحة وطهران لإثارة الفوضى في المنطقة وتهديد استقرار دول مجلس التعاون الخليجي، كما كشفت التطورات أن مسقط تستظل بمزاعم الحياد للاستفادة من الأزمة الحالية وأيضا لترسيخ سياستها التي عارضت من قبل المرور من فكرة التعاون الخليجي إلى فكرة الاتحاد، وبالتالي فإن الدور الملتبس لمسقط بات غير مقبول خليجيا وقد يعرض أدوارها الإقليمية للتآكل مستقبلا.

مشهد ضبابي

مسقط - تسعى سلطنة عمان للتمسك بسياسة الحياد عامة لكن تصطدم هذه الاستراتيجية بتحولات جيواستراتيجية وأحداث قد تظهر بشكل أكثر حدة مستقبلا بحيث يصبح من غير المقبول خليجيا استظلال مسقط بمزاعم الحياد.

وتأتي الأزمة بين قطر ودول المقاطعة الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) كمثال يوضح هذه الرؤية وكيف أن هذه السياسة لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح السلطنة على المدى الطويل ولئن بدا في الظاهر أن مسقط مستفيدة من الأزمة مع الدوحة عبر رفع مستوى تبادلاتها التجارية معها. ويرتبط الموقف العماني أيضا بسوء قراءة للسياسة الأميركية الخارجية، حيث تسعى مسقط للحفاظ على أمنها الاستراتيجي داخل مشهد ضبابي شديد التعقيد لا تساعد السياسة الخارجية الأميركي في تبديده.

وترى مسقط في الموقف الأميركي الذي يقوده الرئيس دونالد ترامب ضد إيران وضعا قد يعود بتداعيات سلبية على سلطنة عمان كما على كافة دول مجلس التعاون الخليجي، كما ترى أن أي تبدل في الخيارات الاستراتيجية في واشنطن، سواء لصالح الانفتاح على طهران، في حال استجابتها للضغوط الدولية بشأن ملفي البرنامجين النووي والصاروخي كما السلوك والنفوذ الإيرانين في المنطقة، أو مواجهة الجمهورية الإسلامية في حال عكس ذلك، يتداعى مباشرة على الوضع الاستراتيجي الخليجي، وبالتالي فإن مسقط تدعو في السر إلى عدم ربط الموقف الخليجي بموقف واشنطن القابل للتغير والتعديل مستقبلا.

ووضعت سلطنة عمان نفسها مجددا في موقف محرج في محاولتها النأي بنفسها عن قرار السعودية ومصر والإمارات والبحرين فرض مقاطعة كاملة على الدوحة منذ يونيو 2017. لكن هذه السياسة لن تفيد على المدى الطويل مسقط التي يعاني اقتصادها من ضعف بنيوي على نحو لا يسمح للسلطنة بتحمل ضغوط اقتصادية خليجية، لا سيما من قبل السعودية، في ما لو أصبحت دول خليجية تعتبر الموقف العماني، الذي يزعم الحياد، معاديا لمصالح الخليجيين.

وتقول مصادر خليجية إن العواصم التي تقاطع قطر لم تعد ترى في موقف سلطنة عمان حيادا، وإن ما تقدمه مسقط من تسهيلات لوجيستية واقتصادية وتجارية لقطر لا يختلف عن الدعم المعلن الذي تقدمه إيران وتركيا. وتحذر هذه المصادر من أن ما هو حياد عماني في الحقيقة ما هو إلا انحياز مستتر لقطر، وهو أمر لم تعد السعودية والإمارات والبحرين تتقبله وتتعايش معه كما تعايشت مع مواقف عمانية سابقة بحجة خصوصية السلطنة ومراعاة ظروفها الجيواستراتيجية داخل مجلس التعاون.

ويخلص هؤلاء إلى أن العالم أسقط بعد مقاطعة الرباعية العربية لقطر دور ووظيفة الدوحة في التنقل بين التناقضات، وبات رافضا لكل ما تتبرع به الدوحة من أدوار ووظائف في العالم، وأن العالم تغير بحيث لم يعد يستطيع القبول بأنشطة قطر في دعم الإرهاب المتواكبة مع مهمات تقوم بها الدوحة لصالح أجندات الأجهزة والعواصم الدولية.

التغريد خارج السرب فوائده قصيرة المدى

 

 

سياسة الحياد

 

يتفاقم الحرج العماني مع مواصلة مسقط سياسة الانفتاح التقليدية مع إيران على الرغم من الموقف الخليجي الرسمي الذي أعلنته قمم مجلس التعاون الخليجي السابقة حول إدانة السلوك الإيراني في العالم العربي عامة وفي منطقة الخليج خاصة.

وتكشف بعض التقارير أن سلطنة عمان تسلك سياسة نفعية من خلال الادعاء بالالتزام الكامل بسياسة الحياد. وتورد التقارير أرقاما حول قيام مسقط برفع مستويات تعاونها الاقتصادي مع الدوحة، واستغلالها الأزمة الحالية لتحسين قطاع “البزنس” مع قطر، مستغلة الوفورات المالية التي تملكها قطر وجهوزية الدوحة لدفع الأموال بسخاء لمواجهة دول المقاطعة من جهة وشراء موقف سياسي لهذه الدولة أو تلك، بما في ذلك عمان، لتحسين موقف قطر داخل المشهدين الإقليمي والدولي.

وتقول التقارير إن اتفاقا على مستوى وزاري قد وقع بين قطر وعمان في 28 من يناير الماضي يرتبط برفع مستوى التعاون والمبادلات في قطاع المواد الغذائية والتسويق والتصدير والاستثمار، لا سيما في مجال رفع حجم تصدير المنتجات العمانية إلى قطر. وتكشف التقارير المتخصصة حول الأزمة الخليجية الحالية عن ارتفاع مستوى التعاون المصرفي بين البلدين على نحو يشي بتواطؤ حميم للمؤسسات المالية والمصرفية بين البلدين.

كما تكشف أن التبادلات التجارية بين عمان وقطر قد تضاعفت بشكل هائل، وأن التقديرات المنشورة أوائل ديسمبر الماضي أظهرت أن حجم التجارة بين البلدين قد ارتفع خلال أشهر ثلاثة بمئات الملايين من الدولارات. وتحدثت التقارير عن أن عمان رفعت من مستويات التصدير صوب قطر للسلع الغذائية والاستهلاكية ومواد البناء. كما أن عمان أضحت بالنسبة لقطر محطة دولية لاستقبال الشحنات البحرية القطرية التي منعت من عبور المياه الإقليمية السعودية والإماراتية.

وتضيف التقارير أنه بعد اندلاع الأزمة تم فتح ممرات مائية جديدة لنقل المئات من مستودعات الشحن التي تنقل السلع العمانية أو الأجنبية التي تمر عبر الموانئ العمانية نحو الموانئ القطرية.

وفيما كانت التجارة بين البلدين تميل في السابق لصالح قطر يعتبر المراقبون الاقتصاديون أن عمان تعيش مرحلة ازدهار اقتصادي بسبب الأزمة مع قطر، وأن السلطنة مستفيدة من استمرار الأزمة الحالية، على النحو الذي يفسر عدم اندفاعها للقيام بجهود جدية لإيجاد تسوية ما، واكتفائها بإعلان دعم مسقط وتأييدها للوساطة الكويتية، وهو موقف اتخذته كافة العواصم الدولية التي أدركت جسارة الأزمة وعجز تلك العواصم عن التأثير على المنطقة لفك المقاطعة عن قطر.

ويتحدث دبلوماسيون غربيون عن أن أمر النزاع الخليجي مع قطر قد لا يتوقف عند حدود توتر العلاقة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، بل إن الأخطار المصاحبة لهذه الأزمة والتي ظهرت من خلال إحياء القاعدة العسكرية التركية في قطر والدعم الإيراني المطلق للدوحة، قد تستوجب مراجعة المشهد الخليجي وخرائطه بما يتناسب مع المستجدات التي باتت تمثل تحديا للأمن الاستراتيجي للدول الخليجية.

جهود مسقط لتوسيع خياراتها باتجاه الولايات المتحدة وباكستان والهند وإيران تفضح قلقا يبرر الحاجة المرتبكة إلى توفير أوسع بدائل إقليمية ودولية

ورغم أن ما نقل عن هؤلاء الدبلوماسيين لا يفصح عما إذا كان موقع سلطنة عمان سيتأثر بالمستجدات القادمة في المنطقة، إلا أن المتخصصين الدوليين بالشؤون الجيواستراتيجية يلفتون إلى أن حل النزاعات الكبرى تاريخيا غالبا ما يتصاحب مع تحولات تطال دولا مجاورة للنزاعات، وأن أي تسوية للحرب في اليمن كما أي تحولات تتعلق بإيران استنادا على الظرف الداخلي الذي كشفته المظاهرات التي اجتاحت أكثر من مئة مدينة مؤخرا، أو استنادا على الظرف الخارجي المرتبط بالضغوط الأميركية والتي قد تنسحب نحو الاتحاد الأوروبي لتبديل السلوك الإيراني في العالم، سيؤثر على دور ووظيفة دول بعينها، وأن عمان ستدفع ثمن حيادها وقد ترى نفسها دون مرجعية خليجية أو حتى إيرانية تحمي كينونتها الراهنة.

ومازالت الدول الخليجية المقاطعة لقطر تسعى إلى عدم معاداة عمان على الرغم من أن موقف مسقط “الحيادي” أضحى يعتبر داخل المحافل الخليجية غير الرسمية معاديا، شأنه في ذلك شأن الموقفين التركي والإيراني. وتذكّر هذه المراجع بأن وزير الداخلية السعودي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف قد زار عمان في 14 يناير الماضي وأجرى محادثات مع نظيره العماني.

ووفق ما أعلن فإن محادثات الوزير السعودي في عمان تناولت ملف الدور العماني في ملف النزاع الخليجي كما في ملفات اليمن وإيران.

ويعتبر مراقبون أن مناقشة هذه الملفات مع عمان تمثل إدراكا من قبل الرياض للدور الذي ما زال ممكنا لمسقط أن تعلبه لحل الأزمات التي يتعرض لها مجلس التعاون وأن الرياض كما أبوظبي ما زالتا تميزان رسميا بين موقف عمان من الأزمة القطرية وموقفي طهران وأنقرة، وأن السعودية والإمارات ما زالتا تعولان على البيت الخليجي الواحد كفضاء يحتضن كافة دول المجلس وكآلية فاعلة لحل النزاعات داخل المجلس كما لوضع استراتيجيات واحدة في مواجهة التحديات والأخطار الخارجية التي يتعرض لها، وأن عمان ما زالت ورغم الأزمة الحالية التي تهز أركان المجلس تعتبر ركنا أصيلا داخل البيت الخليجي الكبير.

وينقل عن متخصصين في الشؤون الخليجية أن المنطقة لم تعد تحتمل الأدوار الملتبسة التي تم لقطر لعبها في فترة سابقة، وأن هذا الواقع الجديد ينسحب على الأدوار التي كانت تلعبها عمان قبل اندلاع الأزمة الراهنة مع قطر منذ يونيو 2017.

ويضيف هؤلاء أن قطر تمكنت في ظروف سابقة من نسج علاقات مع تنظيم القاعدة والتيارات الجهادية وقدمت قناة الجزيرة منبرا لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري من جهة، ونسجت علاقات مع الولايات المتحدة وقدمت لها قاعدة العديد العسكرية من جهة أخرى. واستطاعت الدوحة تطوير علاقاتها مع إسرائيل واستقبلت قادتها في الدوحة في الوقت الذي طورت فيه في الوقت عينه علاقاتها مع إيران ومع حركة حماس في قطاع غزة.

مسقط المحرجة من تبدل المزاج الأميركي سلبا تجاه إيران تسعى لتوفير قنوات التواصل الأميركي الإيراني على النحو الذي أسس للتوصل إلى الاتفاق النووي

وعلى هذا يمكن القول إن دور مسقط قد يتعرض للتآكل في المرحلة المقبلة بحكم تبدل العقليات الدولية التي صارت تتعامل مع أزماتها وفق آليات أكثر شفافية لا تحتاج إلى استخدام الوسطاء. ويضيف هؤلاء أن هناك وعيا آخر داخل عمان نفسها يستند على خوف من المستقبل المتعلق بالحكم نفسه في السلطنة، على النحو الذي يتطلب التظلل بسقف خليجي جلي واضح يجنب السلطة تعدد الاستراتيجيات بين ما هو خليجي وما هو محايد وما هو قريب من إيران.

 

البحث عن بدائل

 

تنم جهود مسقط لتوسيع خياراتها باتجاه الولايات المتحدة وباكستان والهند وإيران عن قلق يبرر الحاجة المرتبكة إلى توفير أوسع بدائل إقليمية ودولية بسبب حالة الخوف التي تسكن الطبقة السياسية الحاكمة في عمان.

ومع ذلك ينقل عن دبلوماسيين بريطانيين أن عمان الخائفة ما زالت تعول على وظيفة إقليمية ودولية لها تعيد تأهيلها كرقم أساسي في أي تسويات متعلقة بالمنطقة. ويقول هؤلاء إن مسقط المحرجة من تبدل المزاج الأميركي سلبا تجاه إيران ما زالت تسعى لتوفير قنوات التواصل الأميركي الإيراني على النحو الذي أسس للتوصل إلى الاتفاق بشأن الاتفاق النووي عام 2015، وأن مسقط التي تقلقها التطورات في اليمن تشعر بأن علاقاتها المتقدمة مع طهران كما مع جماعة الحوثي قد تكون مفيدة لدعم الجهود التي سيقوم بها المبعوث الأممي الجديد، البريطاني مارتن عريفثت، لإنتاج تسوية جديدة في اليمن، وأن زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى سلطنة عمان في 25 يناير الماضي ولقائه السلطان قابوس بن سعيد والوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، ما زالت تعكس اعترافا بخصوصية الدور العماني في هذا الملف.

بيد أن مراجع خليجية تنصح مسقط بأن تستغل تلك الخصوصية من أجل إعادة تموضعها خليجيا على نحو يساعد على حل الأزمات. وتعتبر هذه المراجع أن مواقف مسقط بشأن إيران وقطر تعطي رسائل خاطئة لطهران والدوحة يستنتج منها أن سلطنة عمان تعكس مزاجا دوليا “متفهما” لإيران وقطر، وهو أمر ثبت بالدليل الملموس عدم صحته.

الموقف العماني الملتبس ستفهمه الدوحة وطهران بصفته تصدعا داخل مجلس التعاون، وهو أمر سيدعم الموقف المعاند لدى إيران وقطر، على نحو يتناقض مع الهدف الذي تريده سلطنة عمان من سلوكها المسمى حيادا. 

اجمالي القراءات 2463