خطة نمساوية لمحاصرة نشطاء الإسلام السياسي على أراضيها
-
أثار برنامج الائتلاف اليميني الحاكم في النمسا، موجة واسعة من الجدل بعد تضمّنه لتشريعات جديدة في علاقة بالهجرة وحرية المعتقد، رأى فيها المسلمون استهدافا لدينهم وعقيدتهم، فيما اعتبرها سياسيون نمساويون استهدافا لنشطاء الإسلام السياسي لا الدين الإسلامي بعينه.
احتجاجات ضد الحكومة اليمينية
فيينا - خصّصت أحزاب الحكومة النمساوية المرتقبة، ممثلة في حزبي الشعب (يمين وسط) والحرية (يمين متطرف)، حيزا كبيرا من برنامج حكمها للتصدي لنشطاء الإسلام السياسي ومنتسبيه، مع ضمان حرية المعتقد، إلى جانب العمل على سن تشريعات صارمة معادية للأجانب واللاجئين، ما أثار مخاوف الجالية المسلمة.
وجاء في برنامج الحكومة المرتقبة، المكون من 180 صفحة، خطة أمنية لمكافحة الإرهاب والتشدد، وذلك عن طريق محاصرة وتتبع نشطاء الإسلام السياسي في البلاد، الذين تعتبرهم الأحزاب اليمينية الفائزة في الانتخابات خطرا محتملا.
وتسعى الحكومة النمساوية الجديدة إلى تشديد الرقابة على المساجد والمنظمات الخيرية، ومدارس رياض الأطفال والثانويات، وحظر التمويل الخارجي للمنظمات والمراكز الإسلامية العاملة في النمسا، إضافة إلى إغلاق كافة الكيانات التي تتعارض مع القوانين.
ولم يخل البرنامج الحكومي من تصعيد التضييق على الأجانب وخاصة المسلمين في علاقة بالحريات العامة وممارسة الشعائر الدينية، حيث يؤكد خبراء أن الحكومة اليمينية الجديدة تتخذ من محاربة الإرهاب يافطة من أجل المزيد من عزلة المسلمين وتهميشهم.
وقال إبراهيم أولغون، رئيس الجماعة الإسلامية في النمسا (حكومية تتبع رئاسة الوزراء)، إن إحداث ضجة من خلال مفاهيم مغلوطة عن الدين الإسلامي أدى إلى تشكيل مواقف سلبية داخل المجتمع تجاه المسلمين.
وأضاف “منذ مدة ونحن نلاحظ سعيهم من خلال اللعب بالمفاهيم والألفاظ، إلى تزييف الوعي ومعاداة الإسلام، فضلا عن زعزعة صورة المسلمين في المجتمع”.
سباستيان كورتس: يجب علينا التفرقة بين الإسلام كدين وظاهرة الإسلام السياسي
وفسّر إصرار السلطات على الإشارة إلى المسلمين في صورة “مسألة أمنية” في برنامجها، بـ”محاولة تهميشهم عن المجتمع، واعتبارهم شريحة لا تنتمي إليه، ويجب الحذر منها دائما”.
وأكد رئيس الجماعة الإسلامية أن اضطهاد المسلمين في النمسا ليس أمرا جديدا، رغم كفالة الدستور النمساوي لحرية المعتقد، واعترافه بالإسلام كأحد أديان المواطنين.
وأضاف “نلاحظ زيادة القيود على الحريات الدينية للمسلمين في البلاد، مع دخول ‘قانون الإسلام الجديد’ حيز التنفيذ عام 2015”.
ويتضمن “قانون الإسلام الجديد” نقاطا مثيرة للجدل منها ترجمة ألمانية موحدة للقرآن الكريم.
وقال فريد حافظ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون الأميركية، إن سياسة الحكومة النمساوية الجديدة تفرض رقابة على الطبقة الغنية، وتتجاهل وضع الطبقة الفقيرة وتعادي المسلمين والمهاجرين والأجانب
وأضاف حافظ “قضية الإسلام والمسلمين سيطرت على حيّز كبير من برنامج الحكومة، لكن رغم ذلك بقي مفهوم الإسلام السياسي مغلقا ومطاطا وقابلا للتفسير بعدة أشكال حسب رغبة المسؤولين، لكن السلطات نجحت عن طريق هذا المفهوم في وضع كافة المسلمين تقريبا تحت الشبهات”.
ودلّل على موقفه بدعوة هاينز فسمان، وزير التعليم في الحكومة الجديدة، إلى ضرورة حظر الحجاب على معلمات المدارس المسلمات، رغم عدم ورود قضية الحجاب في برنامج الحكومة. وتابع “هذه الممارسات تدفعنا إلى توخي الحذر تجاه قرارات الحكومة خلال المرحلة المقبلة، من أجل تنفيذ المزيد من التضييق على حقوق المواطنين المسلمين”.
وكان هاينز، الذي ينتمي إلى حزب الشعب قد صرح في وقت سابق، بأنه يقف إلى جانب مفهوم الدولة العلمانية وينبغي على المدرّسات عدم ارتداء الحجاب، ما أثار حالة استياء وسط المسلمين.
وأكد وزير خارجية النمسا والفائز بالمستشارية حاليا سباستيان كورتس، على وجود ضرورة ملحة للتفرقة بين الإسلام كدين وظاهرة الإسلام السياسي، لافتا إلى أن الإسلام كدين معترف به في النمسا رسميا منذ العام 1912. وشدد كورتس رئيس الحكومة المقبلة، على أن الإسلام السياسي ليس له مكان في النمسا، مشيرا إلى أنه يؤدي في نهاية المطاف إلى الإرهاب وتهديد المجتمع.
وأوضح أن زيادة عدد المسلمين في أوروبا والنمسا، تفرض ضرورة فهم كيفية تطور المسلمين في المجتمع النمساوي والأوروبي، لا سيما موقف المسلمين من المعايير والقوانين، في المجتمع، مؤكدا أن فيينا أولت اهتماما كبيرا لهذا الملف وتعاملت معه بجدية كاملة.
وأشار إلى أن النمسا، بناء على نصائح الخبراء في الهيئة الإسلامية الرسمية، قامت بتأسيس منتدى للحوار في عام 2012، لافتا إلى أن مخرجات الحوار ساعدت الجانبين على تحديد وتعريف المسائل، التي يعتبرها الطرفان مشاكل في حاجة إلى حل. واعتبر أن تحديث قانون الإسلام في العام 2015، كان من أهم القوانين على الرغم من الخلافات ووجهات النظر المتباينة، التي تبنتها الأطراف المعنية، حيث منح القانون الجديد المسلمين الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها في المجتمع، من توفير الرعاية الدينية في المستشفيات إلى بناء مقابر خاصة بالمسلمين.
ولفت إلى أن القانون الجديد قلّص من تأثير الجهات الخارجية على أبناء الجالية الإسلامية في النمسا، مرجعا السبب إلى اهتمام النمسا بتوفير البيئة الملائمة لتطور أبناء الجالية الإسلامية دون وصاية عليها من الخارج، في إشارة إلى منع التمويل الخارجي للجمعيات.