هذه المقالة تهدف إلى إيجاد مخرج من أزماتنا الراهنة بالحوار الهادئ الموضوعي ، لأننا حقيقة نعيش أزمة في كل المجالات ناهيك عما استجد من أحداث ستؤثر علينا بالسلب لأمد طويل ، وما زلنا تائهين ولم نجد احدا يقدم لنا رؤية تشير إلى طريق الإصلاح لتتضافر جهودنا بها ، لقد سئمنا المسكنات في ظل التدهور المستمر ، والذي لابد وأن يوقف وإلا سيكون مصيرنا كالهنود الحمر لا محالة لأنه يراد بنا فرض الوصاية وإستغلالنا وإبادة الضار منا بالنسبة لصاحب الإرادة ، لأننا أمة متخلفة ضعبفة ضارة بسبب قرقتنا وإختلافنا الناشيء عن تديننا ، فإن أصلحنا هذا التدين سوف نأتلف ونتوحد وبذلك نصبح متقدمين وأقوياء ونافعين لنا وللعالم .
وحين كتابتي لهذه المقالة حاولت قدر إمكاني البعد عن التعقيد ، حيث كنت أحاول ربط الأفكار التي وردت بها بما هو متفق عليه من معظمنا .
وتتمثل الخطوة الأولى في وجوب تحديد هدفنا المشترك كجماعة إسلامية ، ومدى ارتباط تحقيق هذ الهدف بقدراتنا .
سأجد من يقول نحن نعمل على فهم القرآن فهما صحيا ونقدمه للمسلمين ونحن منهم وللعالم كإضافة لنعمل به جميعا ، وأقول هذا لم نحققه حتى الآن في ظل الاختلافات العالقة بنا والتي لم نرى لها مخرج ، وعليه لابد أولا من إزالة الاختلاف بيننا والفرقة بين المسلمين وإلا سيظل عملنا ليس بذات جدوى .
وسنتناول الموضوع من خلال تقديم مسح نجري عليه الحوار .
لكل أمة ثقافتها والتي تكونت من نمطها الفكري ، لذلك يتم المحافظة على كل الأنماط الفكريه بالحفاظ على اللغات واللهجات المختلفة للبشر ، بهدف معرفة دروب الفكر الإنساني المتنوع والاستفادة منه لتحقيق أكبر قدر من الإمكانيات البشرية نحو التقدم .
فمثلا الفكر الغربي ينظر إلى الأشياء " فئويا " بمعزل عن السياق ، ولأن ثقافته علمية ( يعتمد على العلم ) في حياته فنادرا ما يجد تناقضا إلا في الأفكار العلمية العليا ( فلسفة العلوم ) .
وكمثال قوانين نيوتن للحركة والتي هى صالحة على المستوى المعتدل فقط ، وليست صالحة للتعامل مع المستويات المنحية كما في حالة الصعود إلى الفضاء ، وجاءت النظرية النسبية لأنشتين لتحل المشكلة وتتعامل مع كل المستويات ، والآن يأملون في ستيفن هوجنج لكي يضع لهم نظرية الأبعاد الأربعة لكى يفهموا حقيقة الكون والذي لم يستطيعوا فهمه حتى الآن .
اما دول شرق أسيا فنمطهم الفكري النظر للجزء في إطار السياق العام الوارد فيه ، لذا نجد فكرهم يسطع ويتسابق مع الفكر الغربي
وهذا ليس كلاما نظريا بل تم إثباته عمليا من خلال إختبارات نفسية فمثلا حين عرض صورة لشيء ما مع وجود خلفية للصورة على مجموعة من الطلبة شرق اسيويين وغربيين وحين سؤال أي منهم على حدة إتضح أن الشرق أسيويين غالبا يتذكرون خلفية الصورة بكاملها اما الغربي فوجد أنه لا يتذكر الخلفية إلا نادرا ، وإن تذكر شيء فيها يتذكر هذا الجزء من الخلفية بدقة ، وقد تم إجراء مثل هذه التجارب على أكثر من مجموعة وكانت نفس النتيجة ، وهذه السمة تتجلى في النظام السياسي حرية الفرد ( غرب ) ، مصلحة الجماعة ( شرق أسيا ) الفرد يعمل لخدمة نفسه ( الغرب ) الفرد يعمل لخدمة أسرته ( شرق أسيا ) .
ويلاحظ أن الألفاظ العلمية ورموزها لا توجد بينها إختلافات مهما كان التنوع البشري الذي يتعامل معها ، ولكن توجد الاختلافات والتنوعات في موضوعات العلوم الإنسانية ، ولأننا نتعامل مع الإنسان ككل ولم نستطع التعرف على حقيقته كما يجب نفسيا حتى الآن وبالتالي سلوكا ، لذا لم نستطع أن نضع القوانين الدقيقة للتعامل معه ، فكانت العلوم الإنسانية غير دقيقة ومختلف حولها
والسؤال الواجب هنا " ما هو نمطنا الفكري ؟ ؟ " في حين لدينا كتاب لم يضعه عالم ولكن وضعه خالق كل شيء . ألم يكن عبر لنا عما فيه بدقة علمية على الأقل إن لم تكن الدقة أعلى كثيرا من ذلك .
" ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون "
علم الله وفهم إنساني استطاع التقدم بالعلم .
وعلميا الشيء الواحد تجد سماته ( خواصه ) دائما واحدة في نفس الظروف ، وإذا ما تغيرت الظروف فالتغير يأتي في الشكل بتأثير الظروف ( ثلج ، ماء ، بخار ) ويبقى التركيب واحدا، أو حينما يدخل في تراكيب مع أشياء أخرى فيظل العنصر ثابتا بخواصه يؤثر ويتأثر بباقي المركب ، ويتم التعبير عن الأشياء علميا بألفاظ ورموز محددة .
ألا يمكن أن نتعامل مع الألفاظ والروف بنفس هذا المنطق العلمي ؟
وهذا ما جعاني أضع فرضية أن اللفظ القرآني له معنى واحد محدد بدقة والتغير يأتي في الشكل أو القالب ( الدلالات ) أو التوجه او النسبة ، وهذا ما تناولته على مدى ثلاثين عاما ، وكل يوم يمر تتأكد صحته لدي ، ووجدت أن هذا الطريق هو الذي سوف يقضي على مشكلة الاختلاف فيما بيننا ،
فالحاكم لإطارنا الفكري هو " القرآن الكريم " تنزل على مدى 23 عاما ، فكان التفكير فيه فئويا حسب ما يتنزل من الآيات وما تأتي به الأحداث ، بهدف أساسي هو حماية النفس وإقامة أمة إسلامية في ظل المعوقات الشديدة التي صادفتها ، ثم امتدت المرحلة بالإعتياد وخاصة في وجود الفتنة الكبرى وبعدها والتي كان سببها البغي " فنشأ الاجتهاد المخلص بجانب الإجتهاد الموجه سياسيا مما انشأ لنا كما كبيرا من التراث المتناقض .
ولأننا نعمل بمبدأ الخيرية في الأولين وليس الآخرين إعتدنا نقديس الأموات ( سيدي فلان ، مولانا فلان ، العارف بالله ، القطب ، وغير ذلك كثير ) ، ويتمسك كل فريق بجزء من التراث الذي يتمشى مع قناعاته بما فيها مصاله ولم نجد لدينا القدرة على المخالفة وأعتمدنا على النقل وأهملنا الجانب الفكري ألتجديدي في الكثير من الأحيان .
وحين جاءت وتوالت حركات التجديد للإصلاح قدمت فكرا من المنبع " القرآن الكريم " وتم رفضهم للتراث ، ولكن بإتباع نفس النمط الفكري الذي كان حين يتنزل القرآن " الفئوي " النمط الفكري التراثي والذي تم استخدامه للبغي ، فأصبح إنتاجنا على نفس النمط التراثي في حين رفضنا للتراث ، لذا ما زلنا متفرقين ومختلفين ، وما زلنا نأخذ بكلا التراثين فريق يعتمد التراث المدون وآخر يعتمد التراث الفكري المجرد والذي هو " التفكير فئويا وموجها حسب الهوى " كل يأخذ منه ما يريد ممن يريد " .
حتى من ءأتتهم الفرصة للإطلاع على العلم والمعرفة يحاولون بشتى الطرق التنصل من الدين في مجال العلم والمناهج العلمية حتى ترسخ هذه التنصل ، وكان الأوجب أن نأخذ بالعلم والمناهج العلمية في مجال الدين .
وكأن هذا الكتاب لم ينزل من عالم السر وأخفى ، عالم الغيب والشهادة ..
والنتيجة التي لا تخفى على أحد " أننا متفرقون ومختلفون " وهذا يساوي الكفر ( أنظر الآيات 105 ، 106 آل عمران) .
ومن هنا علينا أهل القرآن أن نزيل الاختلاف فيما بيننا والذي إن استمر فسوف يؤدي إلى الفرقة ، ولن أتجاوز حدودي حين أقول : أن القرآن الكريم لم ينزل إلا لقضية الاختلاف "64 النحل" فإن لم نعمل على حل هذه القضية فكأنما هجرنا القرآن لأننا لم نعمل على توصيل رسالته
وللخروج من هذا المأزق .
نحن أمة وسطا وشهداء على الناس .
فالوسطية الفكرية - وهذا ما يعنينا هنا - تقتضي أن نتعامل مع المتوسط العام من الأنماط الفكرية ( أن نأخذ بالنظر فئويا ، في في نفس الوقت الذي نأخذ فيه بالنظر إلى السياق العام .
ومن جانب شهداء على الناس فالوسطية توجب علينا أن نتعرف على سمات الأنماط الفكرية المحيطة بنا ، بل ونأخذ من بعض منها أحسن ما فيه .
مع الأخذ في الاعتبار الإلتزام بالمناهج العلمية وفي إطار الرؤية النقدية .
لقد دفعت للكتابة في هذا الموضوع حين كنت أنظر مادة " جن " في القرآن الكريم فوجدت أن لها دلالات وتوجهات ونسب متعددة داخل الآيات ، وأنا أعمل للوصول ليس بين كل ما يربط بين هذه الدلالات وتوجهاتها ونسبها بمعنى واحد فحسب ، ولكني كنت أبحث عن معنى كل من حرفي الجيم ، والنون ، في حين ورد لدى سؤال في مداخلة حول تغير المعنى لكلمة الجنة في الدنيا والجنة في الآخرة " نفس الكلمة ونفس التشكيل".
وهذا ذكرني بموضوع العلاقة بين لفظ الجلالة الله والأسماء الحسنى وهو القول بان رحمة الله مغايرة للرحمة التي نعرفها في الدنيا " ويقصود تغير الكيف مع ان التغير جاء في الكم ( النسبة ) مع ثبات الكيف لثبات اللفظ .
كما ذكرني ايضا حينما كنت أبحث عن معنى كلمة شجرة حيث أن لها معنى واحد وأكثر من دلالة .
فقلت كيف يمكننا تحقيق هذه الخطوات التي أشرت إليها في وقت لم نستطع فيه أن نتخطي الخطوة الأولى تحديد معنى اللفظ القرآني ، وأمامنا بعد ذلك تحديد معنى الجذر ، ثم الحرف لنتعرف على تفاعلات حروف ألفاظ القرآن الكريم مثلما نتعرف على العناصر الكيماوية حين تفاعلاتها ، ناهيك عن معرفة الموضوعات وظروف الأحداث في الماضي والمستقبل
ولنعقد مقارنة بين التفكير التراثي والذي يوجب إختلافا بين كل كلمة وذلك للكلمات التي يقال عنها ظنية الدلالة - رغم وحدة مادة الكلمة والتشكيل وأيضا الزعم بإختلافات المعني حين تصريف ذات الكلمة ، وكان يجب ربط مادة الكلمة بجميع تصريفاتها بمعنى واحد في كل الكلمات .
فمثلا مادة
جن
جاءت على النحو التالي :
أجنُبني ، سيُُُُُِِِِِِِِِِِِجنبها ، يتَجنبها ، اجتَنبوا ، تجتنبوا ، يجتنبون، فأجتنبوه ، جَنْب ، لجَنبه ، جُنوبكم ، جنوبها ، جنوبهم ، ، جانب ، بجانبه .
في الفكر التراثي هذه المجموعة لها معنيان هما : الابتعاد " اجتنبوه " ، الجانب " لجنبه " .
وحين التفكير بروية حول العامل المشترك بين هذين المعنيين ، نجد معنى الابتعاد لم يكن له منطق ، ولكن من الصعوبة قبول غير هذا المعنى في بعض الآيات الوارد فيها لفظ إجتناب مثل الخمر مثلا ، لذلك يتم التوظيف حسب ما يراه المفسر من فهم بعيدا عما ترمي إليه الآية ، وكان يفترض أن يكون متجردا مهما كان المعنى المنطقي الذي يراه ، والذي قد يعدل لنا الفهم لبعض الموضوعات .
وبسبب هذا التوظيف السيء الذي يوجد التناقض بين بعض الآيات .
أما المعني الثاني ( الجانب ) فهو المعنى الصحيح والواضح للعيان .
مع العلم أن ما أضعه جانبي يكون خافيا عني بنسبة ما ، وهذا ما أراه منطقيا
من هنا يمكن القول بأن الاجتناب تعني تخفي شيء بتواجده جانبا .
جنحوا ، فأجنح ، جَناح ، جناحك ، بجناحيه ، أجنحة
في الفكر التراثي تأخذ بمعنى الميل ، الجناح .
وإذا تمعنا في ذلك فسوف نجد معنى عام مشترك هو التخفي إلى الجانب أيضا ( خفاء نسبي )
جند ، جندا ، جندا ، جنود ، جنودا ، جنوده ، جنودهما .
في هذه المجموعة زادت الدال على مادة جن ولهذا حديث آخر، وفي العموم هنا معنى واحد ( الجند ) والذي يظل جانبنا لحين الضرورة ، وغالبا ما يكون متخفيا عن الأعداء .
جَنفا ، متَجانف .
في الفكر التراثي نجد أن المعنى هو الخطأ الغير المقصود ، الميل
ولكني أرى أن الجنف هو الإخفاء سواء كان عن طريق الخطأ أو التعمد ، والمتجانف هو المتخفي وراء شيء ليرتكب إثما .
جِن ، جان ، الجن ، جِنَة .
المتواجد بخفاء ، والخفاء هنا يكاد يكون تاما .
مجنون .
المخالف لما هو معروف منطقيا لذا فهو المتجنب منا ( المُتَخَفًي ) .
جَنة ، جنتك ، جنته ، جنتي ، جنتان ، جنتين ، جنات .
الجنة حديقة ، ويقال جنة لأنها متخفية داخل أغصانها ،
جُنَه
تخفي وراء الإيمان كوقاية وارتكب ذنبا .
أَجِنة
كيانات خفية داخل الأرام
وجَنَى
دان منهم ما خفي عنهم
جُنَباً ، جُنُب
الجُنُب من يتجنب الناس لأنه ليس على طهارة فلا يكون في وجوههم يتخفى عنهم ولا يصلي معهم حتى يغتسل ولم يأمر بالإبتعاد عنهم أو قطيعتهم
جُناح .
عدم وجود شيء خاف مانع
والخلاصة
جنب = ج ، ن ، ب الجيم خفاء ، والنون تصفيف ( مركب ) ، الباء تبعية ، وهذا له حديث آخر أيضا .
والمعنى : شيء أخفيه بوضعه بجانبي جنب
والخفاء نسبي ، وهذا ما أود التأكيد عليه ، فخفاء الجٍِِِِِِن ليس كخفاء الجَنة أو الجانب .
ولا أدعي الدقة في التفصيلات والتي تحتاج إلى تقويم وهو من أهم سمات هذا العمل والذي يأتي من التفكير الجماعي الذي يزيده دقة بإستمرار ، حتى نقف على أرضية ثابتة .
فهل من خلال هذا الطرح يمكن أن نشكل إتفاق على هدف محدد ننطلق منه " تحديد معاني ألفاظ القرآن الكريم بدقة قدر إمكاننا " .
وهذا الموقع وضع له أساس انطلاقه وهو " القرآن الكريم " ولكن من الواضح أننا مختلفون به كأمة ، ولا أمل على المدى المنظور في إمكانية تحقيق توحدنا ما بقينا فكريا على هذا الحال من الفرقة والاختلاف .
هل يصلح ما قدمته إن صح في أن يجعلنا منطلقين فكريا كأمة صوب أهدافنا ، وتذكرني هنا مقولة لأرسطو " إذا وقع الناس في فوضى الفهم وقعوا في فوضى السلوك " فماذا إذا ما نظمنا فهمنا على أسس محددة ألا يكون هذا كفيلا بتنظيم سلوكنا .
وأتمنى من كل قلبي أن يكون بيننا طرح ثاني وثالث لهذا الهدف لكي نتخير منهم ما هو محقق لحياة كريمة لنا .
قد يكون هذا عرضا ساذجا لما أراه منطقي وأؤكد على أننا في مسيس الحاجة إليه
والطريف في هذا الموضوع انه يتناول أحد الاتجاهات المذكورة في القرآن الكريم " أمام ، خلف ، أعلى ، اسفل ، جانب " .
ولكن هذا الإتجاه " الجانب " يحتاج إلى تخصيص " يمين ، شمال " .
والقرآن الكريم زاخر بهذه الاتجاهات ، والتي لم نتوقف عندها كما يجب .
وهذا يفتح أمامنا آفاق واسعة لمعرفة كل ما هو بجانبنا أي خافي علينا بنسبة ما .