الميراث بين الماضي و الحاضر
تأمل في ( للذكر مثل حظ الأنثيين )

محمد البرقاوي في الأحد ١٢ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

و للذكر مثل حظ الأنثيين.
بسم الله الرّحمان الرّحيم.
السّلام عليكم.

على إثر عرض الفيلم التونسي ( شطر محبة ) الذي تعرض لمسألة المساواة في الميراث بين الذكر و الأنثى، تباينت ردود فعل التونسيين و المسلمين بين مؤيد للفكرة و بين طرف آخر يستهجن الفكرة من أساسها و يعتبرها محاولة للعبث بقدسية النص القرآني. و قد تم طرح موضوع نقاش هذه الفكرة على موقع Facebook بعنوان مقالتي هذه و هو متاح لكل من يريد الإطلاع على أراء الفريقين. لا أخفيكم سرا أنني كنت واحدا من بين الّذين أيدوا فكر&Ea;ة المساواة بين الطرفين بالإعتماد على ما فهمته من القرآن الكريم ثم أراني أضيف شرطا هاما في مقالتي، و سيكون في آخرها بإذن الله تعالى. في إطار التعقيب على مقالة الدكتور حسن أحمد عمر بخصوص شهادة المرأة في الإسلام اقتنعت بأن وجهة نظر الدكتور حسن أحمد عمر كانت في محلها لأنه ميز بين الشهادة التي تخص الحياة عامة و الشهادة التي تخص التجارة خاصة، كما أحسن الدكتور أحمد صبحي منصور في تفسير الغاية من الآية الكريمة الخاصة بالديون في سورة البقرة حيث قال أن المرأة قديما كانت رهينة الإلتزام بأمور البيت و رعاية أفراده أي أنه من النادر أن ترى إمرأة عليمة برجال التجارة لقلة مخالطتها لهم، كما ذهب الدكتور أحمد إلى أن الغاية المرادة من الشريعة هي أولى بالإتفاق من أسباب تحقيق الغاية. و بناء على كلام الدكتور أحمد صبحي منصور فقد حللت مبادئ الآية الكريمة من سورة النساء ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) ) كما يلي. أولا إن المجتمع العربي قبل الإسلام كان يعتمد على التجارة كقطاع هام لحفاظ المكانة الإقتصادية لشبه الجزيرة العربية، و كلنا يعلم من القرآن الكريم أن العرب كانوا يقومون بتجاريتين أساسيتين و هما بالمفهوم القرآني رحلة الشتاء و الصيف كما وردا في سورة قريش ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) ). و من هذه السورة الكريمة يذكّر الله تعالى القرشيين بنعمة حفظ تجارتهم التي كانت سببا في حمايتهم من الجوع لأن الله تعالى آمنهم من أسباب كساد تجارتهم أو فسادها مثل قطع الطريق. ثانيا نتساءل عن أهم عنصر هام يضمن نجاح تجارة عظيمة كالتي شهدتها العرب قبل الإسلام، و تكون الإجابة واضحة و مختصرة و هي أن المال هو أهم عنصر لنجاح الإقتصاد العربي و لضمان المال قام العرب بأكل الربا أضعافا مضاعفة و ظلموا أنفسهم بالجور على الضعفاء المحتاجين و لما حرم الله تعالى الربا الفاحش نوّه إلى عنصر هام في التحريم و هو حفظ رؤوس الأموال أي أن المقصد من تحريم ليس خسارة رأس المال كله و لكن لإقامة العدالة الإجتماعية بين الأفراد و لإيجاد أصحاب رؤوس أموال متعددين بدل إحتكار رأس المال من طرف فئة معينة كما ورد في سورة البقرة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) ). و العنصر الثالث الذي سنتساءل عنه في مقالتي هذه هو كم كان نصيب المرأة في الميراث من قبل الإسلام؟ و الإجابة هي لا شيء، لأن شريعة إحتقار المرأة آنذاك كانت تحرم المرأة من مال والديها كما كما كانت تحرم الصبي الذي لا يقدر على حمل السلاح من الميراث أيضا. و من أهم مبادئ الإسلام هي المساواة بين الذكر و الأنثى كما قال ربي الكريم في سورة الإسراء ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) )، و التكريم يشمل الذكر و الأنثى بلا استثناء. و بالعودة لمسألة الميراث نقول أن الله تعالى جاء بحل وسط يضمن للمرأة حقها في مال والديها كما يضمن للمجتمع حقه في القوة الإقتصادية و ضمان سير نهضته من دون أي خلل أو أذية، فأذن الله تعالى أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه في ذلك الوقت لم تكن المرأة تعمل أو تتاجر فكان من العدل أن تأخذ المال الذي يكفيها في بيتها و يذهب النصيب الأوفر للذكر الذي كان مكلفا بالعمل و الإنفاق على من يعول و كل الأعمال تحتاج للمال حتى تحافظ على ذاتها و استمراريتها. و بما أن المرأة التي لا تعمل و لا تفقه قوانين السوق تعتبر سفيهة في الفكر القرآني لأن السفيه هو الشخص الذي لا يحسن تسيير و تخطيط أموره بمفرده فإن باب الأولويات يبقى مفتوحا للرجل ليمارس أعماله بلا قيود و هو ما قال عنه الله تعالى في سورة النساء ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) )، و بحسب فهمي للآية الكريمة فإن إعطاء المال بلا وجه حق يعتبر عبثا و حاشا لله تعالى أن ينهى عباده عن العبث و يأمرهم به في نفس الوقت. و كاستنتاج مما ذهبت إليه فإن الميراث موضوع إقتصادي شامل أكثر من كونه موضوعا عائلي أو إجتماعي محدود و بالتالي فليس من المنطق أن يتساوى الرجل و المرأة في ميراث سيشل العجلة الإقتصادية للمجتمع لأن نصف المال مكدس و لا أحد يتصرف فيه. أما الآن في العصر الحضاري الذي خرجت فيه المرأة للعمل و المشاركة الإقتصادية فإن مسألة الميراث قابلة لإعادة التفكير فيها من جديد لحفاظ الغايته الأساسية و هي تحقيق العدل بين الذكر و الأنثى، و بالتالي إذا كانت المرأة سيدة أعمال ناجحة أو مشاركة في الحياة الإقتصادية و اقتضى الأمر أن تحصل على مال يفوق الثلث فلا بأس بذبك حسب رأيي الشخصي. أما بخصوص شرط تحقيق المساواة بين الذكر و الأنثى في الميراث فأنا أرى أن يكون بيد أهل العلم الثقاة الذين يدرسون الحالة جيدا و بالتالي يستطيعون أن يميزوا بين المرأة العاملة التي تحتاج للمال لتدعم مشاريعها و بين المرأة القاعدة في البيت و التي لا تحتاج إلا لليسير الذي يكفيها و الذي يبقى أولا و آخرا حقا من حقوقها التي وهبها الله تعالى لها و ليست مزية من مزايا الذكر عليها. أقول قولي هذا و أنا كلي إيمان أن العلم لله تعالى وحده فقط و أن هنالك من هو أكثر علما مني ليصحح مواطن خطئي في المقالة و الله هو الهادي للصراط المستقيم.

اجمالي القراءات 48920