تيارات إسلامية ناشطة تجعل بلجيكا على كف عفريت أصولي
-
التيارات الإسلامية في بلجيكا تستغل الحياة الديمقراطية وتتمدد داخل أوساط المسلمين فتتسلل عبر الانتخابات المحلية وتمرر خطابها عن طريق لوائح تبدو في ظاهرها مطلبية لكنها تضمر مشروعا سياسيا يهدف إلى أسلمة المجتمع. وهو أمر لم تتعامل معه الجهات الرسمية بالجدية المطلوبة مما يُنذر بعواقب وخيمة.
بلجيكا دفعت غاليا ثمن تساهلها مع التيار الإسلامي
أرسل رضوان أحروش، أحد قادة “حزب الإسلام” الناشط في بلجيكا رسالة مفتوحة إلى ملك البلجيكيين السابق ألبير الثاني في 07 يناير 2013 يدعوه فيها إلى ترك المسيحية واعتناق الإسلام الذي لا دين صحيحا غيره، يكتب هذا الأصولي المنتخب في مجلس أندرلخت البلدي رسالة حملت ضمنيا تحذير “أسلم تسلم”: “أدعوك لعبادة الله الأوحد والخضوع لإرادته… فإن فعلت وجدت السلم ورضاء الله عنك مرتين وإن رفضت ستحمل على أكتافك عبء خطايا رعيتك”.
لقد سخر حينذاك بعض المعلقين من فحوى هذه الرسالة التي لم تعرها وسائل الإعلام البلجيكية اهتماما كبيرا رغم خطورة ما جاء فيها واعتبروها نكتة سمجة. ولئن كان سلوك كاتب الرسالة عاديا في مجتمع ديمقراطي يؤمن بالتعدد والتسامح ويضمن حرية التعبير، فقد بيّن مدى جهل رجال الإعلام والسياسة بنوايا الحركات الإسلامية وما تحضّره من مشاريع قد تقوض أسس الديمقراطية في بلدهم.
هنا عرض لأفكار حزبين إسلاميين يستغلان الجو الديمقراطي في البلد لضرب الديمقراطية من الداخل والدعوة إلى أسلمة بلجيكا وتطبيق ما يسمى “شريعة” لإقامة الدولة الإسلامية، هدف الإسلام السياسي الأول والأخير في كل زمان ومكان.
رئيس الحزب رضوان أحروش، لا يخفي هدفه الذي هو تحويل بلجيكا إلى دولة إسلامية تعتمد على القرآن في كل شيء
حزب الإسلام
أسّس حزب “الإسلام” رضوان أحروش، صاحب رسالة “اسلم تسلم” السابقة الذكر، وهو من المؤسسين لأول مسجد شيعي في بروكسل سنة 1999. وكان قبل تأسيس هذا الحزب سنة 2012 قد نشّط حزبا آخر كان تحت مسمى ” نور” ولكن لم يجد الحزب سوى القبول المحتشم جدا بين المسلمين في بلجيكا، الأمر الذي أرغمه على تغيير اسم الحزب إلى “حزب الإسلام ” في محاولة لجلب الجالية المسلمة في بروكسل وضواحيها بمناسبة الانتخابات البلدية والجهوية لسنة 2012 التي شارك فيها بتقديم قوائم تحت مسمى “إسلام ” في بلديات بروكسل- المدينة وأندرلخت ومولنباك- سان جون.
وتحصّل على 5150 صوتا وفاز بمقعدين: رضوان أحروش في أندرلخت (13.4 بالمئة) والحسين أيت جديج في مولنباك- سان جون (12.4 بالمئة).
وفي سنة 2014 قدم الحزب قوائم في الانتخابات الفيدرالية والجهوية في بروكسل ولياج، تحصل على 13719 صوتا. بلغة المنطق الانتخابي، يبدو هذا الرقم ضعيفا جدا إذ لا يمثل سوى 0.2 بالمئة من أصوات الناخبين، ولكن من الناحية الأيديولوجية يمكن أن ننظر إلى الرقم على أنه معتبر جدا إذ ليس بالأمر الهيّن أن يؤمن حوالي 14000 ناخب بأفكار حزب أصولي في مدينتين كبروكسل ولياج..
حزب ينادي ويعمل على إقامة الدولة الإسلامية في بلجيكا وتطبيق الشريعة. وذهب في خداعه بعيدا حينما اصطنع لكل حرف من كلمة “إسلام” باللغة الفرنسية معنى ليقول بأن شعار حزبه هو: استقامة، تضامن، حرية، أصالة، أخلاق.
ركّز الحزب في البداية على أخلقة الحياة السياسة ومشددا على ثلاثة مطالب: توزيع الأكل الحلال في المطاعم المدرسية، السماح بارتداء التلميذات المسلمات للحجاب في المدارس، اعتبار الأعياد الدينية الإسلامية أعيادا وطنية. وشيئا فشيئا بدأ الحزب يميط اللثام عن توجّهاته الأيديولوجية الأخرى وبدأ يتحدث عن وجوب الانتقال إلى اقتصاد نقي وإعادة تثمين العمل وتحديدا بتقليص مدته الأسبوعية والعودة إلى دوام الأربعة أيام في المدرسة مع فرض يوم الجمعة كيوم عطلة.
ولا يخفي رئيس الحزب رضوان أحروش هدفه الذي هو تحويل بلجيكا إلى دولة إسلامية تعتمد على القرآن في كل شيء. وللوصول إلى مبتغاه يريد العودة إلى برنامج حزبه الأول “نور” المتكون من 40 نقطة من بينها: إعادة العمل بعقوبة الإعدام، تشجيع زواج المراهقين والمراهقات، وضع شروط صارمة أمام الطلاق، تجريم الإجهاض والموت الرحيم.
نظام الملالي في إيران، يحاول التأثير على المسلمين في بلجيكا والذين هم في معظمهم على المذهب السني
وبعد فوز رئيس الحزب رضوان أحروش والحسين آيت جديج بمقعديهما في انتخابات 2012 تلقيا رأسا برقيات تهان رسمية من منظمة أهل البيت العالمية الشيعية التي تتخذ من طهران مقرّا لها ووجهت لهما دعوة لزيارة إيران. ولا ينكر رئيس “حزب الإسلام ” هويته الدينية إذ يصرح قائلا “أنا شيعي، هذا صحيح، ولكن حزبنا حزب إسلامي ولا شيء آخر… أنا مع تطبيق الشريعة ولو أن الأمر يتطلب عملا طويل المدى ولكن بدأت الحركة وإن استمرت العشرات من السنين فقد تصل إلى الهدف لا محالة”.
والسؤال المطروح: هل يحاول نظام الملالي في إيران، عن طريق هذا الحزب، التأثير على المسلمين في بلجيكا والذين هم في معظمهم على المذهب السني؟
حزب الشباب المسلم
تكوّن حزب الشباب المسلم في سنة 2004 وهو منحدر من حركة الشبيبة الإسلامية المؤسسة سنة 2002. يعلن في برنامجه أنه يدافع عن القيم الإسلامية واندماج المسلمين في المجتمع البلجيكي في إطار احترام تقاليدهم الدينية، كما أنه يناضل ضد التمييز الذي ترتكبه الدولة البلجيكية تجاه المسلمين البلجيكيين. لا نسمع عن نشاطات يقوم بها الحزب منذ 2010 بسبب اعتزال رئيسه الحياة السياسية ومغادرته لمنطقة بروكسل منذ 2012.
أسس الحزب جان فرنسوا باستان، المكنّى عبدالله أبي عزيز باستان، وهو بلجيكي معتنق للإسلام. شارك الحزب في انتخابات 2004 الخاصة بمجلس دائرة بروكسل العاصمة ولم يتحصل سوى على نسبة 1.08 بالمئة، وفي 2006 شارك في الانتخابات البلدية في دائرتي أندرلخت ومولنباك-سان جون. وفي 2009 في الانتخابات الجهوية ببروكسل وكانت نتائجه هزيلة.
يتمحور برنامجه السياسي حول أريع قضايا يتوجه بها للمسلمين وحدهم: التعليم، العمل، السكن، الأعراف الإسلامية.
ومن بين مطالبه أيضا فصل البنات والذكور في دروس الرياضة في المدارس وإبعاد التقاليد المسيحية من المدارس العمومية، السماح بارتداء الحجاب في المدارس وتوزيع الأكل الحلال في المطاعم المدرسية.
ورغم الضربات القاسية التي تلقاها المجتمع البلجيكي من طرف الإرهاب التكفيري، وانتفاضة الكثير من المواطنين الذين بدؤوا يدركون العلاقة بين الخطاب المتطرّف والعنف، لا تزال السلطات الرسمية متساهلة مع الذين نشروا بذور العنف في البلد ولا تزال منطقة مولنباك المتأسلمة تقدّم صورة واضحة للزائر عمّا ستكون عليه بلجيكا في السنوات القادمة إذا بقيت دار الملك فيليب على حالها.