بعد تأسيس الدولة الإسلامية عقب الهجرة إلى المدينة تحول الدين إلى خدمة الدولة الإسلامية أو ما يسميه جمال البنا " ملك عضوض"، وجاء الإنقسام السنى الشيعى أساسا على قيادة هذه الدولة ومن له الحق فى هذا، الأميون أم على بن ابى طالب؟، ولهذا استخدم فى الإنقسام كل الاساليب التى استخدمت فى تأسيس الدولة من الغدر والخداع والقتال والكر والفر والغزو... وكما استخدم الدين فى تبرير الغزو، استخدم أيضا فى تعزيز وضع الاطراف المتناحرة، ولهذا انقسم الإسلام عمليا إلى دينين كل منهما يخدم على وضع الدولة التى يتبعها، ولهذا فهى ليست خلافات فرعية كما يدعى البعض بل هى خلافات على صلب العقيدة الدينية الخادمة للدولة وليست العقيدة الدينية المجردة، خلاف على الرسالة النبوية ومن هو الاحق بها، وعلى القرآن وسوره وتحريفه، وعلى أعمدة الإسلام ومؤسسيه ورموزه. فالصحابة المبجلون عند السنة هم ملعونون عند الشيعة لدرجة إنه مسموح بالتبول والبصق على قبر ابو بكر عند الإيرانيين، وعائشة التى اوصى نبى الإسلام المسلمين بان يأخذوا عنها نصف دينهم هى اسوأ امراة فى التاريخ البشرى عند الشيعة وسبها فى كتبهم يتسع لمجلدات، وعمر بن الخطاب رمز العدالة عند السنة هو رمز الظلم والحقد عند الشيعة، والمبشرون بالجنة من فم رسول الإسلام عند السنة هم انجاس وفى الدرك الأسفل من النار عند الشيعة.... الخلاف إذن ليس دينيا ولكنه سياسي والدين خادم لكلا الطرفين حتى ولو ظهر عكس ذلك، وتطويعه ممكنا، فهو سوبر ماركت كبير تجد فيه كل المتناقضات كما قال حسن حنفى فى مكتبة الاسكندرية.
وكما كان الخلاف الشيعى السنى قديما خلافا سياسيا استخدم فيه الدين، فأن الخلاف الحالى أيضا هو خلاف سياسى حتى ولو برره الشيخ القرضاوى بمبررات دينية كقوله فى المصرى اليوم بتاريخ 9 سبتمبر 2008 بالتبشير الشيعى فى بلاد السنة، وقوله أن الشيعة مبتدعون أى مهرطقون، وهو يعلم أن كل بدعة هى ضلالة وكل ضلالة فى النار... أى المعنى غير المباشر هم كفار رغم خشيته أن يقول المعنى مباشرة فى حين إنه فى نفس الحديث أُتهم القرآنيون بأنهم كفار لأنه يعلم إنهم مجموعة صغيرة مسالمة لا تقدر على مواجهته، وقوله ان الشيعة يعملون بمبدأ التقية وإظهار غير ما بطن وهو ما يجب أن نحذر منه على حد قوله، رغم أن مبدأ التقية استخدم بكثافة طوال التاريخ الإسلامى ولا يزال من قبل السنة والشيعة معا. وطالب القرضاوى كما جاء فى العربية نت بتاريخ 25 سبتمبر 2008 بمقاومة التشييع بقوله" إذا لم يقابل بالمقاومة، ستجد بعد مدة أن المذهب الشيعى تغلغل فى بلاد السنة"، وادعى القرضاوى أن تحذيره هذا يتماشى مع واجبه الدينى وتتممة للأمانة الدينية تجاه ربه كما قال " من واجبى أن أحذر الأمة من هذا المد، وأن أبصر الأمة، لأن الله سيسألنى عنها يوم القيامة"، ومعنى هذا أن ربه يكره أن ينتشر المذهب الشيعى فى البلاد السنية بما يعزز الاعتقاد بتكفيره للشيعة.
(2)
رغم كل هذا الكلام ذي الصبغة الدينية فأن الواقع يعكس شيئا آخر، القرضاوى لا يتحدث لوجه الله كما يدعى وإنما هو خادم للسياسة كما هو دور معظم الشيوخ فى التاريخ الإسلامى. ببساطة شديدة، القرضاوى إنحاز للسعودية وبعض دول الخليج فى الصراع الإيرانى السعودى الحالى على النفوذ فى المنطقة. والقرضاوى لا يعرف الإنحياز المجانى، فهو رجل يعرف جيدا طريقه وتحالفاته ودوره وينفذ الإشارات التى تصله بمهارة عبر تغليف ذلك بمعارفه الإسلامية الواسعة.ولهذا جاء الرد الإيرانى عليه سياسيا وعبر وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "مهر" التى وصفت كلامه بالسفه، وإنه يتحدث بلغة تتسم بالنفاق والجدل وهو ما افقده وزنه بعد أن تفوه بمثل هذه الكلمات البذيئة ضد شيعة رسول الله، وواصلت الوكالة وصف القرضاوى بأنه يتحدث نيابة عن زعماء الماسونية العالمية وحاخامات اليهود وكلامه يصب فى مصلحة الصهاينة.
ولأن ما يقوله القرضاوى سياسة وليس دينا، فقط اختلف معه من اقرب المقربين منه من لهم مصالح فى الجهة الاخرى مثل فهمى هويدى، رجل إيران الاول فى مصر، الذى وصف كلام القرضاوى بالخطأ وقال "اخطات يا مولانا" ووصف حديثه بالطائفية.ومثل جماعة الاخوان المسلمين التى ينتمى القرضاوى فكريا إليها ويعد من اعمتدتها الرئيسية وساعد فى تغلغلها فى قناة الجزيرة، ولكن إيران تمول منظمة حماس فرعها فى غزة، ومثل محمد سليم العوا، النجم الذى ساهم القرضاوى فى تلميعه ولكنه أصبح له مصالح متشابكة تتجاوز القرضاوى.
ولأن الكلام سياسة مغلف بالدين فقد عاد القرضاوى ليتكلم صراحة عن " أن إيران بلد مطامع واحلام الامبراطورية الفارسية الكسروية القديمة، والمسألة مخلوطة بنزعة شيعية مذهبية مع تعصب" وفى برنامج القاهرة اليوم 26 سبتمبر وصف ما تفعله إيران بالغزو وبأنه إستعمار جديد.
ولأن الكلام سياسة كان أول من تناوله الملك عبدالله ملك الاردن محذرا من الهلال الشيعى، وتحدث عنه كذلك الرئيس المصرى، والكثير من المسئولين السعوديين.
(3)
تقول إيران أن هناك إنجذابا سياسيا سنيا لروح المقاومة الشيعية ضد إسرائيل والإمبيريالية من قبل حزب الله وإيران..وهذا صحيح. وتدعى إيران أن هناك انجذابا دينيا فى أوساط السنة للشيعة نتيجة معجزات آل البيت.... وهذا غير صحيح، فلا يعرف أحد مثل هذه المعجزات التخيلية، فإذا كان نبى الإسلام نفسه يعتبر معجزته الوحيدة هى القرآن فكيف تكون هناك معجزات ممن هم أدنى منه فى التراتيبية الدينية الإسلامية.
والسؤال هل هناك تشيع فى العالم السنى حاليا؟.
كمحايد ارى أن التشيع الدينى موجود ولكنه حتى الآن محدود، أما التشيع السياسى فموجود بقوة وبنجاح مستمر فى السنوات الخمس الماضية.ولأن الموضوع كله سياسة فى سياسة فان غضبة القرضاوى هى تصب فى مواجهة هذا التشيع السياسى الإيرانى فى المنطقة على حساب النفوذ السعودى.
الخلاف السياسى الرئيسى هو بين السعودية وإيران، وفى حين عملت السعودية على وهبنة العالم دينيا عملت إيران داخل العالم السنى منذ عام 1979 وحتى الآن وتكثف نشاطها فى السنوات العشر الأخيرة، أى أن النشاط السعودى التبشيرى المغموس بدولارات النفط كان موجها للسنة لوهبنتهم وجذبهم نحو التشدد السعودى ولغير المسلمين لتحويلهم للإسلام، فى حين أن مجال عمل السياسة الإيرانية هو داخل الدول السنية أو لفتح خطوط مباشرة مع الأقليات الشيعية فى الدول السنية. ورغم أن هناك تحول بطئ فى بعض مناطق العالم السنى تجاه التشيع الدينى وتحول أسرع تجاه التشيع السياسى لم نسمع عن تحول حالة واحدة شيعية إلى الإسلام السنى... وهذا هو مصدر غضب السعودية وحلفاءها من السنة.
التشيع السياسى كان الأسرع لأنه اعتمد على المال وعلى الشعارات العدائية تجاه امريكا واسرائيل، والوهبنة بدورها كان المال عمادها الرئيسى وصبغت الكثير من مسلمى العالم بالتشدد والإرهاب.
فى هذا الصراع السعودى الإيرانى فشلت السعودية فى العراق وفى سوريا وعلى وشك الفشل فى لبنان، وهناك تململ شيعى فى البحرين والكويت والامارات...والخوف قد يصل إلى شرق السعودية.
المسألة واضحة،كل الجهد الإيرانى موجه للعالم السنى ولن تطلق إيران طلقة تجاه إسرائيل، والعداوة الكلامية من إيران تجاه إسرائيل هى أداة للتأثير على الجماهير السنية. ومن ناحية أخرى فأن السعودية تستدعى علماء التكفير تجاه الشيعة لأنها فشلت فى الاوراق السياسية، ولأن الورقة الدينية هى الأكثر فاعلية فى الجانب السعودى وقد تم إستخدامها بكثافة من قبل.
(4)
الإنقسام السنى الشيعى مثله مثل تأسيس الدولة الإسلامية تم تحت صليل السيوف وقعقعة المعارك، ومصر التى يستغرب الشيخ القرضاوى إنه لم يكن بها شيعى واحد من عشرين عاما والآن هناك من يجاهرون بشيعيتهم، مصر هذه كانت شيعية خالصة لمدة 209 عاما تحت حكم الفاطميين، وجاء صلاح الدين الايوبى وبالعنف وبالقوة حولها إلى سنية كاملة حتى إنه احرق حوالى 4 ملايين كتاب ليتخلص نهائيا من التراث الشيعى، وبالطبع أحرق وسط هذه الكتب مئات الآلاف من التراث المصرى والقبطى، فلم يكن يفرز كل كتاب ليعرف إنه شيعى أم لا من هذه الملايين الاربعة.
ومصر والدول العربية حتى الآن تقاوم التشيع بالعنف والقوة، الم يسمع الشيخ القرضاوى عن طلب الازهر منذ عدة شهور تدريب مجموعة من ضباط مباحث أمن الدولة على مقاومة التشيع فى مصر، الم يسمع عن منع بناء مساجد للشيعة رغم أن مساجد آل البيت الكثيرة فى مصر من المفروض إنها شيعية، الم يسمع عن التنكيل بالشيعة وحبسهم، الم يسمع عن تنظيمات قتل الشيعة فى باكستان،وعن قهر الشيعة فى السعودية، وعن ما فعله صدام بهم فى العراق، وعن التمييز ضدهم وتهميشهم فى كل الدول السنية المتواجدين بها.
مصر يا شيخ قرضاوى تحولت إلى الإسلام بإلاجبارثم تحولت إلى المذهب الشيعى بإلاجبار أيضا تحت الحكم الفاطمى، وعادت إلى المذهب السنى بإلاجبار أيضا تحت حكم الايوبيين... ويجبر المصرى المعاصر على البقاء على إسلامه وعلى مذهبه السنى.
إذن هى معركة سياسية ينتصر فيها من يملك القوة، وإيران تقود الآن هلالا شيعيا قادرا على الصمود فى أى معركة فى مواجهة التكتل السنى التقليدى. ولهذا احترمت حديث الملك عبد الله عن الهلال الشيعى لانه حديث سياسى وحقيقى، أما كلام الشيخ القرضاوى فيذكرنى بفتاوى بن باز ورفاقه بتكفير الشيعة ابان الحرب العراقية الإيرانية... وهو حديث فقهاء السلطان المأموريين.