منع الكتب.. العنوان الأبرز في معرض الكويت للكتاب
-
في كل سنة من انعقاد معرض الكويت الدولي للكتاب، تبدأ مسألة منع الكتب الذي غالبا ما تكون دون تبرير، فرغم تنصل محمد صالح العسعوسي الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة من مسألة المنع والرقابة، معتبرا أنها من مسؤولية وزارة الإعلام، وتشمل كتبا طائفية ومتشددة، فإن المعرض يشهد كل عام قائمة منع تنال من الكتب الأدبية والشعرية، بحجج تنافيها مع الأخلاق، رغم أن الكتب نفسها تكون مسموحا بها في كل المعارض المجاورة.
منع الكتب عقبة حقيقية في الواقع الثقافي العربي
ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بعناوين مختلفة تشير إلى معرض الكويت للكتاب في دورته الحالية التي حمَلت الرقم 42 في سنوات التنظيم، نتحدث هنا عن 42 عاما من الاحتكاك المباشر بين المنظِّمين والناشرين والقرَّاء، ما حدَث أنَّ إدارة المعرض في هذا العام الذي أوشك على نهايته، قامت وتحت عنوان عريض اسمه “الرقابة” بمصادرة عدد كبير من الكُتب الصادرة عن دور النشر المشاركة في المعرض لأسباب عديدة أبرزها كما ورد: الطائفية والجنس والخروج على العادات والتقاليد.
عادةً يُرسِل الناشرون –كما كل المعارض العربية- مجموعة من العناوين التي سيشاركون بها قبل التوجه إلى البلد المُضيف، وقطعا هذا حدَثَ في العاصمة الكويتية، لكن ما هو غير متوقع قيام المفتشين أثناء تحضير الناشرين الكتب لعرضها أمام الجمهور بمصادرة كميات كبيرة من الإصدارات وحجزها ومنعها من التداول.
لا يمكن تبرير هذا الفعل تحت أي مسمَّى أو ذريعة، فنحن نعيش اليوم في القرن الحادي والعشرين وهناك طرق عديدة للحصول على المعلومة، فكيف تتحكم عقلية المنع ومصادرة الكلمة بفعاليات معرض الكتاب، هذه الظاهرة عصية على الفهم، فكيفَ يتم تداول كُتُب في معرض الشارقة وأبوظبي والرياض وجدة والمنامة وغيرها، وفي الوقت ذاته يتم منع هذه الإصدارات في الكويت؟
اتصلت بأكثر من ناشر مشارك في المعرض، وكل منهم فضَّل عدم الإشارة إلى اسمه خوفا من منعه من المشاركة العام القادم أو وضع العراقيل والعقبات أمام مشاركاته المقبلة، أحد الناشرين قال “أسباب المنع غير مفهومة بالمطلق، المعلَن منها أنه تحريض على الإرهاب أو الطائفية أو الجنس، يتم الاستدلال عليها من خلال العناوين أو كلمات مفتاحية ترد في المتن مثل ‘قُبلة، عِناق‘ بدعوى أنها تسيء إلى الأخلاق العامة”.
ناشر آخر يقول خلال اتصال هاتفي “ما يثير السخرية أنهم منعوا كتباً تحتوي على رسومات للأطفال ‘الكوميكس‘ بدعوى ظهور مفاتن امرأة من الشخصيات الكرتونية المشاركة بالقصة المرسومة”.
كيف يتم تداول كتب في معارض الشارقة وأبوظبي والرياض وجدة والمنامة وغيرها، وفي الوقت ذاته تمنع في الكويت
ناشر ثالث يشير إلى قيام المفتشين بمصادرة روايات مترجمة من لغات أخرى إلى العربية، هذه الروايات تعتمد في مجملها على المخيال الثقافي النابع من بيئة الكاتب الأصلي، ناشر رابع يؤكَّد قيام المراقبين بمنع كتب ومؤلفات أجازوها العام الماضي، وتساءل الناشر هنا عن شعور القارئ الذي يعود للحصول على كتاب اقتناه قبل عام، حين يعرف أنه تم منعه هذا العام!
نتحدث هنا عن رقابة طالت أكثر من ستين بالمئة من عدد الكتب المشاركة بالمعرض هذا العام، نسبة كبيرة من هذه الإصدارات تختص بالشعر أو الرواية، وبعضها الآخر يناقش نظريات فكرية أو تاريخية عقائدية.
عملية المنع من خلال مصادرة الكتب من الناشرين بعد تكبُّد عناء شحنها إلى المعرض تضع فكرة المعرض كلها على المِحَك، فهذه التظاهرة الثقافية التي يشارك بها هذا العام في أرض المعارض الدولية بمنطقة مشرف في العاصمة الكويت، أكثر من 482 دار نشر من 30 دولة، تنهض بشكل أو بآخر بالواقع الثقافي في الكويت خاصة والمنطقة عموماً.
ظاهرة المنع أو “الفَسح” عصية على الفهم، في ظل اعتبار أرض معرض الكتاب منطقة حرة يُسمَح خلالها ببيع الكتب داخل أروقة دور النشر ويمنع تداولها خارج هذه الأماكن، قطعاً لا أنحاز للناشرين في هذا الحديث، إنني أنحاز للقارئ أولاً، هذا القارئ القادر على الوصول إلى أي كتاب ومعلومة وصورة في ظل الانفتاح التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، وبالرغم من هذا تبقى ثقافة المنع عقبةً حقيقية في الواقع الثقافي العربي الذي يسير أساساً على ساقَين مُتعَبَتَين.
ومازال تساؤل الكاتب إبراهيم فرغلي صالحا للتعبير عن واقع مفارق يشهده هذا المعرض رغم بلوغه عمر الـ42، إذ سبق وأن كتب أنه قد “غدا منع الكتب في الكويت ظاهرة عصية على الفهم. فمع كل دورة يتسابق أعضاء لجنة الرقابة على زيادة عدد العناوين الممنوعة، ولا تبدو معايير هذا المنع واضحة أو مبررة”، ناعتا المعرض بأنه “معرض متمرّس في الرقابة”.
كما كتبت الصحافية ليلاس سويدان “يبدو أن معرض الكويت للكتاب الـ42، مصمم أن ‘يتميز‘ عن معارض المنطقة، ليس بالكتب الجديدة، بل الممنوعة. فما إن بدأ الناشرون الاستعداد لافتتاح المعرض، حتى باغتهم المفتشون بمصادرة أعداد كبيرة من كتبهم. وصودر لبعض دور النشر 17 و18 كرتونا، والحجة أن هذه الكتب لم يصدر بها قرار فسح لصدورها في الأشهر الأخيرة، مع العلم أن بعض الكتب المسموح بها احتجزت أيضا وبدون سبب معلوم، والطريف أنه تم احتجاز كتب من الأدب الروسي، بحجة أنها تروج للطائفية، علما أن دار نشر احتُجزت كتبها كُرمت كأفضل دار نشر في معارض مجاورة”.