في إطار عملية تحديد معاني ألفاظ القرآن الكريم كمحاولة لإثبات فرضية لم تأتي من فراغ تقول " أن اللفظ القرآني له معنى واحد محدد بدقة لا يختلف في أي سياق .
ولما كانت هذه الفرضية تتناقض مع الفكر القائم ، لذا فقد قوبلت بالرفض من كل من تعاملت معهم في الفكر الإسلامي ، فمثلا حينما ذهبت إلى مجمع البحوث الإسلامية عام 1986 بدراسة حول النور والليزر من عشرين صفة تم إثبات هذه الفرضية من خلالها ، تم الرد عليها بتقرير من ثلاثين صفحة مبني على أن للفظ الواحد أكثر من دلالة تعبر عن معنى مختلف لنفس اللفظ ، ولما طالبت بالمناقشة تصدي لي الشيخ مصطفى الحديدي الطير ، ولكي يقدم توافقا أشار إلى أن أتبع منهجهم حتى يمرر هذه الدراسة للنشر فأبيت ، ومن الغريب أنه يقول في نهاية التقرير " وهنا يمكن للباحث أن يصنع المشكاة على النحو الذي حكاه فيكون اظهر لدين الله .
وهذه الدراسة موجودة على الموقع .
والقليلين قابلو ذلك كمخرج من المأزق الحضاري الذي نعيشه " قشة " لذلك كانت بدون فاعلية حتى الآن .
والطريف ان كل يوم يمر على أزداد يقينا بصحة هذه الفرضية ، لذا فما زلت دائب العمل في هذه المحاولات والتي خرجت منها بنتائج غير مسبوقة في الفكر الإسلامي .
وفي هذا المسعي لم يكن الأمر سهلا صادفتني صعوبات جمة في محاولات معرفة العامل المشترك بين الدلالات المتعددة للفظ الواحد ، وأيضا في توجه المعني ونسبته .
وفي فترة الثمانينيات كتب الدكتور ذكي نجيب محمود نقلا عن أرسطو بوجوب تحديد معاني الألفاظ حتى لا يقع الناس في فوضي الفهم وبالتالي فوضى السلوك ، ولكنه أضاف أن هذا العمل من الصعوبة بمكان بحيث لم يكن سهلا تحقيقه ولذلك تخلى عنه .
ومن الألفاظ التي حيرتني كثيرا قبل أن أصل إلى المعنى المشترك في مواقعها المتعددة لفظتي " الضعف بفتح الضاد والضعف بكسرها .
وقد وردت بالفتح في 30 موضعا ، وبالكسر في 22 موضعا
وعن طريق التجريد توصلت إلى أن معنى ضعف بفتح الضاد تعني أستلاب قوة سواء كانت هذه القوة ذاتية للإنسان أو خارجه كما في الآيات : سيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا 75 مريم ، فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا 24 الجن .
أما ضعف بكسر الضاد فتعنى إضافة قوة سواء كانت بالإيجاب ( الثواب ) أو السلب ( العقاب ) .
ومن هنا يتلاقى كل من ضعف بالفتح ، وضعف بالكسر حول معنى واحد في اتجاهين متعاكسين فحواه أستلاب أو إضافة قوة .
لذا أود القول أن مسألة التجريد هذه ليست سهلة ولكنها تحتاج إلى جهد مخلص ، أرجوا أن يمتعنا به الله جميعا .
وقد اخترت مادة َضعف هذه ، ولم أختار أي لفظة أخرى يمكن التدليل على الرابط بين دلالاتها ، لأنها من الألفاظ التي كان من الصعب على إيجاد معنى مشترك فيما بينها ، ووجود معنى واحد لها أمر مستبعد لأول وهلة ويصعب إيجاد الرابط فيما بين توجهها .
فأردت أن أوضح أنه مهما ظهرت أمامنا من صعوبات حول هذا العمل فبالصبر والإخلاص يمكننا أن نصل إلى المعنى المشترك ، وفي بعض الأحيان يمكننا أن نصل إلى معنى مشترك وليس دقيقا وبالتمحيص وزيادة الخهد الفكري نصل إلى المعنى الدقيق لهذه اللفظة أو تلك ، وهذا حصل معي كثيرا وتغلبت بعون الله سبحانه وتعالى على تلك الصعوبات . ونستمر هكذا حتى نقيم القاموس القرآني بمعاني محددة ليس مختلف حولها .
وهذه هى الخطوة الأولى أو القاعدة الأولى التي يجب أن يبنى عليها المنهج القرآني .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .