جبال النوبة: السودان لا يحتمل نشوء دولة فاشلة أخرى

في الأربعاء ١٨ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

جبال النوبة: السودان لا يحتمل نشوء دولة فاشلة أخرى

  • بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية انقسم السودان إلى قسمين ونال جنوب السودان استقلاله. لكنّ منطقتين قاتلتا إلى جانب الجيش الشعبي لتحرير السودان أسقطتا من اتفاق السلام وهما النيل الأزرق وجنوب كردفان حيث تقع مرتفعات النوبة. في هذه المنطقة المنسية بين السودان وجنوب السودان تحتدم الحرب منذ عام 2011. ولم يقنع فشل جنوب السودان في إقناع الساعين إلى انفصال جديد في تلك المنطقة بالعدول عن رأيهم. وعادت من جديد طلبات الحركة الشعبية في قطاع الشمال مطالبة بمنح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان السودانيتين حق تقرير المصير.

مطلب يلامس المستحيل

الخرطوم – لم يكن انفصال جنوب السودان نهاية لحرب دموية وفوضى مسلحة وعدم استقرار بل بداية تاريخ جديدة من الصراعات حيث نشبت حرب دامية وجهت ضربة لآمال شعب جنوب السودان في تحقيق وعود الانفصاليين. بدوره لم ينعم السودان بالاستقرار وإلى جانب حرب إقليم دارفور (غرب) اندلعت حرب أخرى في ولايتي النيل الأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب)، والأخيرة هي التي خرجت منها المطالبات بحق تقرير المصير التي قادت إلى انفصال الجنوب عبر استفتاء شعبي.

ومن جديد، يعود “حق تقرير المصير” إلى الواجهة بإقرار الحركة الشعبية/قطاع الشمال المتمردة، جناح عبدالعزيز الحلو، له في أجندتها لجنوب كردفان تحت مسمى “تقرير المصير لجبال النوبة”، وهي متاخمة لدولة جنوب السودان. وخلال مؤتمر للحركة بمنطقة هبيان في جنوب كردفان يوم الـ10 من أكتوبر الجاري أقر المؤتمرون بتقرير المصير لجنوب كردفان (جبال النوبة) حيث تقاتل الحركة القوات الحكومية منذ انفصال الجنوب عام 2011.

وتضم جنوب كردفان قبائل النوبة وقبائل عربية وأفريقية، ويتحدث السكان لهجات محلية أفريقية، لكن العربية هي السائدة. وتقع منطقة جبال النوبة في الجزء الأوسط من جنوب غربي السودان وتبلغ مساحتها 79 ألفا و470 كيلومترا مربعا، وتنتشر فيها جبال ومرتفعات. وتمتاز بهطول أمطار صيفية غزيرة تكفى لنمو المحاصيل الزراعية خلال الموسم الزراعي في الخريف.

جبال النوبة.. منطقة حائرة بين السودان وجنوب السودان

◄ منطقة جبال النوبة تقع بولاية جنوب كردفان على الحدود مع دولة جنوب السودان

◄ منطقة جبال النوبة تتبع إداريا ولاية جنوب كردفان الحدودية مع دولة جنوب السودان

◄ ظلت المنطقة المقدرة مساحتها بحوالي 79 ألفا و470 كيلومترا مربعا لعقود خارج قبضة السلطة المركزية

◄ تتميز المنطقة بطبيعتها الجبلية التي تعطي مسلحي النوبة ميزة قتالية استراتيجية في مواجهة الجيش السوداني

◄ يضم جنوب كردفان قبائل النوبة وقبائل عربية وأفريقية ويتحدث السكان لهجات محلية أفريقية، لكن العربية هي السائدة

◄ اتفاقية نيفاشا التي منحت جنوب السودان حق تقرير المصير لم تنص عليه لجنوب كردفان ولا النيل الأزرق، اللتين قاتلتا إلى جانب الجيش الشعبي لتحرير السودان

حركة متمردة منقسمة

كان حق تقرير المصير السبب في إقالة الأمين العام للحركة الشعبية، ياسر عرمان رئيس وفد التفاوض مع الخرطوم بعد رفضه إدراج تقرير المصير في ورقة الحركة التفاوضية للسلام مع الحكومة. وتلك كانت بذرة لحدوث انقسام في الحركة الشعبية وإصدار مجلس التحرير الثوري للحركة في يونيو الماضي قرارا بعزل رئيسها مالك عقار، لتنقسم إلى جناحين الأول بقيادة عبدالعزيز الحلو والثاني بقيادة عقار. ووفق توازنات الحركة يمثل الحلو ولاية جنوب كردفان بينما يمثل عقار ولاية النيل الأزرق، في حين يُنظر إلى عرمان كممثل للمؤيدين للحركة من خارج الولايتين. وحدت تلك التطورات بالمجتمع الدولي ورئيس آلية الوساطة الأفريقية رفعية المستوي ثابو إمبيكي إلى القول إن الخلافات داخل الحركة الشعبية تعطل انطلاق المفاوضات.

وبالأساس تتشكل الحركة الشعبية من مقاتلين انحازوا إلى الجنوب في حربه ضد الشمال قبل أن تُطوى الحرب في عام 2005، باتفاق نفاشا للسلام الذي مهّد لانفصال الجنوب. لكن رغم انفصال الجنوب عاد أبناء الولايتين الواقعتين على حدود الشمال إلى التمرد بدعوى تنصّل الحكومة من امتيازات وفّرتها اتفاقية السلام لمناطقهم.

رفض جناح عقار

توقفت المفاوضات بين الحكومة والحركة منذ انهيار آخر جولة في أغسطس 2016. ولم يشكل انقسام الحركة هاجسا لدى الخرطوم ووفدها المفاوض، حيث اعتبرت أن التفاوض ممكن وأيسر، لا سيما مع قيادة عبدالعزيز الحلو الذي تراه أكثر مرونة في التفاوض من عقار وعرمان، وفق أكثر من مسؤول حكومي.

ولم يرق طرح تقرير المصير لأخوة الأمس في الحركة فكتب مبارك أردول المتحدث باسم الحركة الشعبية بقيادة عقار يوم الـ10 من أكتوبر 2017 قائلا إن “موقفنا سيظل ثابتا دون تغيير.. تقرير المصير والانفصال وتأسيس دولة جديدة ليس هو الغاية والجنة التي يجب أن تهفو قلوبنا نحو تحقيقها، وليس هو الحل الوحيد العادل لتلبية طموحات وتطلعات شعبنا في جبال النوبة أو جنوب كردفان”.

وأضاف “إذا تركنا كل التعقيدات الإثنية والإجرائية حول تقرير المصير وتجاوزنا واقع المنطقة وذهبنا لمناقشته كآلية يعتقد البعض عدالتها لحسم الصراع نجد أنها تحمل مشاكل كبيرة يتغاضى عن مناقشتها من يروّجون لها حاليا”. وشدد أردول على أن شعب جنوب كردفان ليس “فئرانا للتجارب”، وأن “دولة الخرطوم لا تروقنا.. وتقرير المصير ليس خيارنا”.

ونقل المركز السوداني للخدمات الصحافي عن بشير فلين القيادي بجبال النوبة تأكيده أنه ليس هناك أحد من منطقة جبال النوبة سيقبل بدعوة تقرير المصير، مشيراً إلى أنهم يعتبرون جزء أصيل من ثقافة وأهل أرض السودان ولا يمكن لأحد أن يقصيهم عن أرضهم. وأضاف “نحن أبناء النوبة مع وحدة البلاد ومن غير الممكن الدعوة لحق تقرير المصير”.

وتبدو الخرطوم غير متفاجئة بطرح الانفصال إذ لا تجد فيه ما يستحق أن يُدرج في قائمة تفاوضها مع المتمردين في النيل الأزرق وجنوب كردفان، أو أيّ منطقة منهما على حدة. وترى أنه لا مرجعية للانفصال فمرجعية التفاوض مع المتمردين بالنسبة إليها هي اتفاقية نيفاشا التي منحت جنوب السودان حق تقرير المصير، بينما لم تنصّ عليه لجنوب كردفان ولا للنيل الأزرق.

لذلك بادرت الخرطوم، يوم الـ10 من أكتوبر الحالي، بإعلان رفضها لإدراج حق تقرير المصير للولايتين في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية المتمردة بحسب المتحدث باسم الحكومة، أحمد بلال. وقال بلال في تصريحات صحافية “لن تُقبل أيّ شروط مسبقة أو مزيدات حول التفاوض بشأن المنطقتين. جاهزون للتفاوض، ولن نقبل برفع أيّ شروط حول المنطقتين”.

دائرة الرفض في الخرطوم تتسع لإدراج حق تقرير المصير لشعب جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان من قبل الحكومة وأطراف في الحركات المسلحة وبعض أطراف المعارضة، وحتى بين المتمردين

مصير غامض

تتسع دائرة الرفض في الخرطوم لإدراج حق تقرير المصير لشعب جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان من قبل الحكومة وأطراف في الحركات المسلحة وبعض أطراف المعارضة، وحتى بين المتمردين، ما يجعل من الصعب الإقرار بإمكانية حدوث انفصال آخر بعد أن جرب السودان الانفصال وحصد منه الأسوأ.

ويدلل مراقبون على هذا الاستبعاد بالأصوات التي طالبت بعودة وحدة السودان في طرفي البلاد (شمالها وجنوبها)، استنادا إلى أن الحرب لم تنته في دولتيه، ولم يعم الاستقرار فيهما، بل وتدهورت الأوضاع اقتصاديا وسياسيا.

ونتجت عن الانفصال، عام 2011، معاناة للدولة الأصلية (السودان الشمالي) بفقدان أهم مواردها، وهو النفط، عصب الاقتصاد السوداني، إذ ذهب 75 بالمئة منه إلى الجنوب الذي فشل في تحقيق أدني مقومات استقراره واندلعت به حرب عام 2013.

احتمال نشوء دولة فاشلة أخرى في الدولة المنقسمة أصلا هو سبب رئيس يرجّح عدم تكرار المصير نفسه. وقال الكاتب الصحافي السوداني عبدالحميد عوض “لا أرى أن طرح هذا الحق مرة أخرى في جنوب كردفان أو النيل الأزرق قد يكون مقبولا أو يجد من يؤيده”.

وأردف قائلا إن “حق تقرير المصير لجبال النوبة (جنوب كردفان) يكاد يكون مرفوضا على كل المستويات (شعبيا وإعلاميا وسياسيا)، حتى أنه لا يشكل أغلبية داخل الحركة الشعبية، بل إنه أحد عوامل الصراع داخلها”.

واعتبر أن “هناك عوامل أخرى تضعف من طرح خيار تقرير المصير، مثل عدم اختلاف المكونات الإثنية بين المنطقتين وبقية السودان. لن يجد تقرير المصير دعما إقليميا كالذي حظي به تقرير المصير للجنوب”.

وربط عوض بين انفصال الجنوب ورفع العقوبات الأميركية عن السودان في الـ6 من أكتوبر 2017، حيث اعتبر الخطوة الأميركية “جزءا من ندم الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي على دعم انفصال جنوب السودان عن شماله”. ورغم كل ذلك ليس مستبعدا أن تمضي الأمور في تعقيدات أكثر في حال استمر القتال ضد الحكومة من قبل مجموعة الحلو، واستطاع أن يكسب مؤيدين لقيام ما يسمونها “دولة جبال النوبة”.

اجمالي القراءات 3103