سلسلة كتاب " لكل نبى عدوا "
كلمات من على المنبر فى أوخر الثمانينات وأوائل التسعينات

محمد صادق في الأحد ٠٥ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

                                           لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا

           وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا.
                                             الفرقان 31

مقدمة
دائما ما كان كل نبى يقول لقومه " إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " ويقولها كل مصلح محب لقومه يخاف عليهم عاقبة إعتقادهم فى الأكاذيب التى ما أنزل اللـ&Uu;ـه بها من سلطان. قالها مؤمن آل فرعون لقومه:
" وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَاد * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ *ِ" غافر 30-33
حب الإنسان لبنى قومه هو منبع خوفه عليهم، خوفه من غضب اللــه عليهم فى الدنيا والآخرة. والسبب هين هو إعتقادهم فى خرافات وأضاليل إكتسبت قداسة لمجرد ان الزمن مر عليها وتقادم دون أن تنال حظها من المناقشة والتحليل.
وغريب أمر الإنسان، انه يستوثق تمام الثقة اذا أراد أن يشترى أو يبيع شيئا من حطام الدنيا الفانى، أما إذا تعلق الأمر بالدين والآخرة نجده قد أهمل عقله وتناسى حيطته واخذ الدين وهو مغمض العينين غائب الوجدان لا يفرق بين الحق والكذب أو بين الصدق والخرافة. ثم إذا أيقظته من غفلته وأجبرته على ان يفتح عينيه وان يقرأ بعقله اصابه الذهول وبدلا من أن يشكرك على أنك أيقظته قد يثور عليك ربما لأنه يعز عليه ان يعترف بغفلته، ويستنكف ان يكون فيما مضى جاهلا أو أحمق فيزداد تماديا فى الباطل وإصرارا عليه. مع ان الحب وحده هو الدافع وراء محاولة إيقاظه وان الخوف عليه أكبر من مخافة إغضابه خصوصا والقضية ليست بالهينة إنها قضية دين وقضية تدين اختلط فيه الحق بالباطل وتقمص فيه الباطل شخصية الحق واصبح فيه الحق مكروها والباطل معروفا...
وفى النهاية... فإننا لا نطلب إلا مجرد فتح باب الحوار.. وهذا الكتاب يعرض للبخارى وكيف رسم بقلمه خلال أحاديثه شخصية للنبى تخالف ما كتبه رب العزة فى القرءآن الكريم. وللقارئ تمام الحرية فى ان يتثبت بنفسه بأن يراجع تلك الأحاديث فى " صحيح البخارى " وان يراجع الرد عليها فى القرءآن الكريم ثم يختار لنفسه أى طريق يريد...
ولكن عليه أن يتذكر انه لولا الحب ما كان هذا الكتاب...

أهدى هذا الكتاب بصفة خاصة إلى أخى وأستاذى د. احمد منصور وأطلب من اللــه العلى القدير ان يتم عليه نعمته ويدخله مدخل صدق ويخرجه مخرج صدق.

" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " يونس 38
الذى نزل على محمد هو كتاب واحد فقط هو القرءآن الكريم وليس هناك كتاب آخر.
والآيات كثيرة فى تأكيد ان ما نزل على الرسول هو كتاب واحد. نكتفى منها بقوله تعالى للرسول " وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلتحدا"
أى لا مبدل لكلمات اللــه فى القرءآن وليس للرسول كتاب آخر سواه " وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلتحدا".

قد يقول قائل اننا نسلم بأن ما نزل على الرسول هو كتاب القرءآن فقط ولكن للرسول أحاديث خارج القرءآن نؤمن بها ولا تتعارض مع القرءآن فما حكم القرءآن فى ذلك؟
القرءآن يؤكد ان من آمن بحديث آخر فقد كفر وهذه هى الآيات الصريحة فى ذلك:
" فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ " المرسلات 50 أى أن المؤمن لا يؤمن بحديث آخر غير القرءآن. ويقول تعالى يؤكد هذه الحقيقة بتفصيلات ومواعظ " أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ " الأعراف 158
ثم تأتى الآية التالية لتتحدث عن أولئك الذين يؤمنون بحديث آخر مع القرءآن فيقول تعالى :
" مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ " الأعراف 186

وفى موضع آخر يجعل رب العزة من حديثه فى القرءآن مرادفا لذاته القدسية وكما انه لا إلـــه إلا اللــه فلا حديث إلا حديث اللــه ويتوعد من يعرض عن حديثه ويتمسك بحديث آخر، يقول سبحانه " تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " الجاثية 6-8

وفى الموقت الذى يدعو فيه رب العزة للإيمان بحديث القرءآن وحده فإنه يصف أى حديث آخر فى الدين بأنه لهو ولعب ويصف أصحابه بأنهم مضلون وأنهم أصحاب النار " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " لقمان7

ومن لا يكتفى باللــه وحده وليا فقد ضل ومن لا يكتفى بالقرءآن وحده فقد ضل ايضا... واقرأ هذا المعنى فى قوله تعالى:
" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " الزمر 36
" أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" العنكبوت 51
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {52}العنكبوت
واحسن الحديث هو حديث القرءآن " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23}الزمر
والمؤمنون هم " الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {18}الزمر
إذا مهما كان القول حسنا ومقبولا فالمؤمن لا يبتغى بحديث اللـــه بديلا وإلا وقع فى الضلال وآمن بلهو الحديث.

وقد يقول قائل، إذا ليست للنبى سُنة ؟ إن سنة النبى هى القرءآن ومن القرءآن فقط. فالسنة تعنى الشرع والمنهاج وبهذا المعنى قال تعالى للنبى فى موضوع زواجه بزينب فى سورة الأحزاب "مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا "{38}
فهنا تشريع مباشر للنبى كان موصوفا بأنه " سُنة اللــه " ووصفت الآية هذه السنة بأنها " فرض اللــه " و " أمر اللـــه " الذى هو قدر مقدور لا بد من تنفيذه، ونقول فى اللغة " سن قانونا " أى فرض قانونا، فالسنة هى الفرض الشرعى الواجب تنفيذه وبذلك فالسُنة هى سنة اللــه لأن اللــه وحده هو المُشرع فى دينه " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ؟" الشورى 21
ولأنها سنة اللــه التى يُطبقها النبى كما نطبقها نحن فإنها منسوبة للــه وحده فى الآية. أما حظ النبى منها فإنه القدوة لنا بإعتباره أول المسلمين، يقول اللــه تعالى عن شجاعة النبى فى موقعة الأحزاب
" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " 21
لم يقل سنة حسنة بل قال أُسوة حسنة، " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " الممتحنة 4

لقد كان النبى مأمورا بإتباع الوحىوبأن يعلن ذلك للناس " قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ " الأحقاف9 وفى سورة الأنعام 50
" قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ"
ويقول سبحانه فى سورة يونس 15 " ...ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " وكان النبى يُنذر ويُبشر فى دعوته بالقرءآن فقط، يقول فى سورة ق 45 " نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ "
ويقول سبحانه فى سورة الأنعام 19 " ...وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ۚ..." وكانوا يأنفون من إستمراره على وعظهم بالقرءآن فقط فيقول سبحانه فى سورة الإسراء 46" وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا "

وكان النبى يحكم بالقرءآن فقط وبهذا أمره اللــه فى سورة المائدة 49" ..وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ... " وحين رفضوا الإحتكام للقرءآن الذى يحكم به النبى قال تعالى فى سورة المائدة 50 " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ "

والإيمان بالنبى ليس إيمانا بشخصه المادى وإنما بالقرءآن الذى نزل عليه، وحين ذكر القرءآن الإيمان بالنبى محمد ربط ذلك الإيمان بما أنزل اللــه عليه فقال فى سورة محمد 2 " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ... "
والإتباع لمحمد ليس إتباعا وطاعة لشخصه المادى وإنما إتباع القرءآن الذى ينطق به ويقول تعالى عن محمد وصحبه فى سورة الأعراف 157 " فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "
كان الصياغ اللغوى يقتضى ان يقول القرءآن ... آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوه... ولكن قال إتبعوا النور الذى انزل معه.. لأن تقرير الحق أهم من سهولة السياق ويقول تعالى فى سورة الأعراف 3 :
اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ"

إذن فالطاعة للــه وحده فى قرءآنه الذى نطق به رسوله، ويقول القائل: وما معنى تكرار الأمر بطاعة اللــه ورسوله إذن؟ من يتبدبر القرءآن يجد فارقا بين كلمتى النبى والرسول، فالنبى هو شخص محمد وسيرته الذاتية وعلاقانه بمن حوله لذا كانت الأوامر له بالتقوى تأت بوصفه النبى فيقول فى سورة ألأحزاب 1 " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا " وكان العتاب واللوم يأتى له بوصفه نبيا فيقول فى سورة التحريم 1 " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " وعلاقاته مع زوجاته وآخرين كانت بهذا المفهوم " يا نساء النبى ... يا نساء النبى ... " ، " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى ... " ، " ياأيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين ... " سورة الأحزاب

وحين ينطق النبى بالقرءآن تكون طاعته حينئذ للــه بإعتباره رسول اللــه الذى تنبغى طاعته " مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـه " النساء 80 ، ولم يرد فى القرءآن مطلقا كلمة أطيعوا اللــه وأطيعوا النبى وإنما وردت طاعة الرسول مرتبطة بطاعة اللــه. فالرسول ينطق بكلام اللــه وطاعته إنما هى طاعة للقرءآن الذى ينطق به والذى يكون فيه النبى أول الناس طاعة له. وعلى ذلك نفهم قول اللــه تعالى لنا فى سورة النساء 59 " َيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم ..." فالمطاع واحد هو اللــه ْ" وحين ينطق النبى أو أى شخص بالقرءآن فالطاعة واجبة وهى للــه فى الأساس.

ويقول تعالى فى سورة النور 48 ، 51 " وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ..." إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا"
والشاهد فى الآيتين قوله تعالى " ليحكم " فجعل الفعل " يحكم " مفردا لأن الحكم أو الحاكم واحد وهو اللــه فيما أنزله من قرءآن ينطق به الرسول، ولو قال ليحكما لقلنا أن الطاعة لإثنين.. ولكن لا إلــه إلا اللــه وقال فى سورة النحل 51 " وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ "

وربما يقول القائل ... ألم يكن النبى أحسن من يتدبر القرءآن وأفضل من يجتهد فى فهمه؟
القرءآن يجعل الإجتهاد فى تدبر القرءآن فرضا علينا نحن فقط، أما النبى فوظيفنه التبليغ فقط يقول تعالى للنبى فى سورة ص 29 " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ "
كان السياق يقتضى أن يقول كتاب انزلناه إليك لتتدبره ولتتذكره.. ولكن جاء الأمر بالتدبر والتذكر لنا نحن وتكررت الأوامر لنا نحن بالتدبر فى القرءآن وبعضها جاء بلهجة عنيفة كما فى سورة محمد 24 " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " وقوله تعالى فى سورة النساء 82 " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا "، وقد سُمى القرءآن " بصائر" وعلينا أن نتبصره ونتعقله " قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ "
الأنعام 104، أى علينا أن نتدبر وليس الرسول مسؤلا عنا.

وفى القرءآن أكثر من دليل على أن الإجتهاد لم يكن وظيفة النبى، فقد كانوا يستفتون النبى وينتظر النبى ان تأتيه الفتوى من السماء، يقول تعالى فى سورة النساء 127 " وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ... " ، وفى الآية 176 من نفس السورة " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ " فاللــه هو الذى يفتى للنبى .. والنبى ينتظر الفتوى من اللــه.
وكثيرا ما كانت الأسئلة تأتى للنبى وكان النبى ممنوعا من أن يقول فيها برأيه وعقله لأن الوحى لا يزال ينزل والدين وقتها لم يكتمل، وحين إكتمل الوحى وتم الدين مات النبى وإنتهت مهمته.

وبعض الأسئلة كانت إجابتها معروفة ولا يمكن للنبى ان يجهلها ومع ذلك لم يقل فيها برأيه وطالما انتظر حتى جاءت الإجابة وحيا من السماء، فقد سألوه عن الأهلة القمرية ومعلوم أنها مواقيت زمنية يعرف بها العرب الشهور ولم يبادر النبى بالإجابة على هذا السؤال السهل ولكن إنتظر جاء الوحى يقول له فى سورة البقرة 189 " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ... "

وبعض اسئلة اخرى كان منتظرا من النبى ان يعرف إجابتها بما لديه من ذوق حساس رفيع .. فقد سالوه عن الجماع فى الحيض ولا ريب أنه كان يعرف الإجابة ولكنه إنتظر حتى جائت الإجابة فى سورة البقرة 222 " ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ "

وبعض الأسئلة جائت إجابتها سلفا فى القرءآن مرارا وتكرارا وكان بإمكان النبى ان يقرأ لهم الإجابة من القرءآن، ولكنه لم يفعل وانتظر حتى جاء الوحى بنفس الإجابة التى ذكرها القرءآن مرارا من قبل والأمثلة كثيرة منها ما جاء فى رعاية اليتيم فى السور المكية " فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ" الضحى 9
وفى سورة الماعون 1،2 " أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ " وفى سورة الفجر 17 " كَلَّا ۖ بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ " .

ثم آيات اخرى فى المدينة فى إعطاء حق اليتيم فانتظر حتى جاء قوله تعالى فى سورة البقرة 220 :
" ...وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚوالإجابة الجديدة تؤكد ما سبق من أوامر برعاية اليتيم.
وحدث ان إمرأة جائت للنبى تسأله عن حكم الظهار وهو يرفض الإجابة انتظارا للوحى حتى يأست منه المرأة ورفعت يدها للسماء تطلب الإجابة وحيا فنزل قوله تعالى فى سورة المجادلة 1 " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " ولو كان النبى مسموحا له بالإجتهاد لما حدث له ذلك الموقف.

ولعل القائل يتهمنا، إذن لم يتكلم النبى بكلام قط؟ أليس له كلام على الإطلاق؟
كان النبى افصح الناس وأحسنهم بيانا، ولكن هناك فرق بين كلام النبى الانسان البشر وكلامه فى الدين. إذا تكلم النبى فى شئون دنياه مع زوجته فليس ذلك شرعا ولا دخل للدين أو لنا به. لا شأن لنا بكيفية إعداد الطعام فى بيت النبى أو بنوعية الأدوات التى يستخدمها فى حياته او حديثه فى مثل هذه الأمور ونحن أعلم بشئون دنينا التى تختلف جذريا عن ظروف بيئته وعصره.
أما إذا تكلم النبى فى الدين فالقرءآن يخبرنا بأن احاديثه واقاويله كانت من القرءآن فقط وليس له ان يخرج فى أقواله الدينية عن نصوص القرءآن... إذن، امامه نصوص يقولها ولا بد ان يقولها كما هى طبقا لأوامر ربه. ولا يتسع المجال للبحث التفصيلى فى كلمة " قل " فى القرءآن ولكن نضع خطوطا سريعة حولها:
1- فهناك " قل " للرسول فى الدعاء وفى العقائد وفى التشريع وفى أمور العبادات وكلها تؤكد ما سبق بيانه فى القرءآن. وهناك " قل " فى الإجابة عن الأسئلة والفتاوى وهناك تكرار لكلمة " قل " فى أمور سبق ان جاءت فيها " قل " وهناك " قل " فى إجراء الحوار مع اليهود والنصارى ومع المشركين والكفار ومع المنافقين بل ومع المؤمنين ومع كافة البشر. وكلها تضع للرسول الإجابات جاهزة أمامه نصوصا مكتوبة غطت كل شئ - وتستحق ان يُفرد لها بحث خاص - وكلها تؤكد ان كل ما يحتاجه النبى من أقوال وأكثر منها موجود عنده فى القرءآن، وكان إذا جاءه سؤال أو طارئ إنتظر الوحى فأتى يقول له " قل كذا وكذا... .
2- ولكن هل كانت له الحرية فى أن يتفوه فى الدين بكلمة واحدة خارج النصوص القرءانية التى تأمره " قل "؟
الجواب: لا... وإلا حاق به عذاب اللــه أمام جميع الناس فى عصره، ليس هذا من عندنا ولكنه من كتاب اللــه فيقول تعالى فى سورة الحاقة 44-47 " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ".
كان مأمورا ان يقول بما فى القرءآن " قل" وكان منهيا ان يتقول على اللــه شيئا فى دين اللــه خارج القرءآن " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ.." وقد أطاع النبى عليه السلام بدليل ان ذلك التهديد الرهيب فى الآيات السابقة لم يحدث له. وقد جائت تلك الآيات لتبرئ النبى مستقبلا مما سيحدث له بعد موته من تزييف أقوال لم يقلها لذا تقول الآيات من سورة الحاقة :
" وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ* وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ " أى إذا كنا متقين علينا ان نتذكر ذلك واللــه يعلم ان منا مكذبين.

ملحوظة: كل ما سبق آيات قرءآنية موجودة فى المصحف منذ اكثر من الف واربعمائة وخمسون عاما وليست من إختراعنا.

نختم هذا الجزء من سلسلة كتاب " لكل نبى عدو " بالسؤال الآتى:
ويصبح من حقنا نحن أن نسأل الآن: ما هو مصير من يكذب بالآيات السابقة؟ ما هو مصير من يتمسك بالأكاذيب التى تفترى على اللــه كذبا ؟
الإجابة تأتى فى الجزء القادم إن شــاء اللــه تعالى...



اجمالي القراءات 15443