نيوزويك»: هل العنصرية مرض نفسي بحد ذاتها أم هي نتيجة اضطرابات نفسية أخرى؟

في الإثنين ١١ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في أغسطس (آب) الماضي، خرجت مسيرات لمنظمات يمينية متطرفة في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا للاحتجاج على خطة المدينة لإزالة تمثال الجنرال روبرت لي، الذي قاد القوات الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية. شهدت المدينة كذلك احتجاجات مناهضة للعنصرية واليمينيين، واندلعت اشتباكات مع المحتجين اليمينيين، وقامت سيارة بدهس المناهضين لليمنيين ما أدَّى لمقتل شخص وجرح آخرين.

على إثر تلك الأحداث، نشرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية تقريرًا للكاتبة جيسيكا فيرجر يناقش أسباب العنصرية، وما إذا كانت مرضًا نفسيًا. وأبرز التقرير آراء الأطباء النفسيين المختلفة فيما يتعلق بتصنيف العنصرية، والأسباب وراء رفض تصنيفها مرضًا نفسيًا.

مرض نفسي

في ستينيات القرن الماضي، عمل ألڤين بوسانت – أستاذ الطب النفسي بجامعة هارفارد حاليًا – على تقديم الرعاية الطبية والنفسية للناشطين الحقوقيين وضحايا العنصرية في مدينة جاكسون بولاية ميسيسيبي الأمريكية. ولكونه من ذوي البشرة السمراء، تعرض بوسانت للعنصرية هو الآخر. يقول بوسانت في حديثه لمجلة «نيوزويك» إنه رأى قُبح العنصرية بصورة أكثر وضوحًا، فقد كان القتل بناء على لون البشرة.

تساءل بوسانت عمّا إذا كانت هذه الكراهية مرضًا يمكن تشخيصه، وربما علاجه. تقدّم بوسانت – وكان وقتها في الثلاثينيات من عمره – هو ومجموعة من الأطباء النفسيين من ذوي البشرة السمراء إلى الجمعية الأمريكية للطب النفسي «APA» بفكرة تصنيف العنصرية المتطرفة مرضًا نفسيًا بدلًا من اعتبارها مجرّد مجرد مشكلة اجتماعية أو ثقافية. طلب بوسانت وزملاؤه من الجمعية أن تضيف العنصرية المتطرفة إلى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية «DSM» باعتبارها «اضطرابًا وهاميًا».

على الرغم من أن «DSM» هو المرجع الأول للأطباء النفسيين في تشخيص الأمراض النفسية، فإنه ليس معصومًا من الخطأ. يتم تحديث «DSM» باستمرار الآن، لكن في الماضي كان الأمر يستغرق أحيانًا أكثر من عشر سنوات، إذ إن تحديث الدليل يعني تحدّي الطبيعة الإنسانية، وإعادة تعريف ما هو طبيعي وغير طبيعي فيما يتعلق بسلوك الإنسان ومعتقداته.

يجب أن يقوم طبيب نفسي بمساعدة المريض على فهم أسباب عنصريته مثلما يحدث في أي علاج نفسي، كما أن بعض الأطباء النفسيين أقرّوا بأن العلاج قد يؤدي إلى تحسّن حالة هؤلاء الأشخاص العنصريين.

لم يقصد بوسانت المعتقدات المعتدلة نسبيًا، مثل تنميط فئات من الناس سلبيًا؛ وإنما كان يواجه العنصرية التي تؤدي إلى سلوك عنيف مثل قتل وإصابة الآخرين عن طريق قيادة سيارة لصدم حشد من الناس مثلما حدث في تشارلوتسفيل. يقول بوسانت إنه من المنطقي تصنيف هذا الشكل المتطرف من العنصرية اضطرابًا نفسيًا.

لم تستجب الجمعية الأمريكية للطب النفسي لهذه الفكرة. يقول بوسانت: «المشكلة هي أن المسئولين رأوا أن العنصرية واسعة الانتشار. لقد شعروا بأن العنصرية أمر راسخ في الثقافة، وأن علاجها يقتضي معالجة جميع العوامل الثقافية الأخرى المؤدية إليها».

وقد فسّر أعضاء الجمعية رفضهم لاقتراح إضافة العنصرية المتطرفة إلى قائمة الأمراض النفسية لكونه افتراضًا يفتقر إلى المنهج العلمي. يقول بوسانت إن هذا الاعتراض ساذج، لأن العديد من الأمراض الصحية المدرجة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية لا تستند إلى فرضية علمية قوية، بما في ذلك اضطرابات الشخصية.

وقد رأى بعض أعضاء الجمعية أن تصنيف العنصرية المتطرفة باعتبارها مرضًا من شأنه أن يعطي مبررًا للاعتقادات والسلوكيات المتطرفة. لكن بوسانت لم يكن مهتمًا بعُذر تلك السلوكيات أو وصمها، إنما أراد مساعدة أشخاص يعتقد أنهم مرضى، وأكّد على أن إدراج العنصرية المتطرفة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية يمكن أن يساعد الأفراد الذين يعانون منها عن طريق الوصول إلى خدمات مثل الإرشاد النفسي؛ وبالتالي سيستفيد المجتمع من إيقاف الخطر الذي قد يمثله هؤلاء.

لا يزال بوسانت مصرًا على اعتقاده بأن العنصرية المتطرفة هي شكل من أشكال جنون الارتياب (بارانويا)، ويجب علاجها من هذا المنطلق. يرى بوسانت أنه يجب أن يقوم طبيب نفسي بمساعدة المريض على فهم أسباب عنصريته مثلما يحدث في أي علاج نفسي، وذكر بأن بعض الأطباء النفسيين أقرّوا بأن العلاج قد يؤدي إلى تحسّن حالة هؤلاء الأشخاص (العنصريين) عندما يفهمون أسباب تلك المعتقدات وأسباب سلوكياتهم الناتجة عن تلك المعتقدات.

اقرأ أيضًا: مترجم: لماذا تبدو نظريات المؤامرة جذابة للبعض؟

العنصرية علامة لأمراض أخرى

قبل نحو 15 عامًا من الآن، سار كارل بيل – وهو طبيب نفسي في مستشفى جاكسون بارك وأستاذ الطب النفسي السريري في جامعة إلينوي – على نهج بوسانت، إذ حاول إقناع الجمعية الأمريكية للطب النفسي بتصنيف العنصرية اضطرابًا نفسيًا، إلا أن آراء بيل كانت مختلفة.

رأى بيل أن العنصرية المتطرفة هي دليل على اضطراب في الشخصية، وليست مرضًا في حد ذاتها. اقترح بيل إضافة التعصب العرقي والجنسي – والذي يشمل أيضًا الكراهية والعنف تجاه فئات أخرى مثل النساء أو المثليين – إلى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، واعتبار التعصب المفرط معيارًا رئيسيًا لتشخيص الأمراض النفسية. لكن الجمعية رفضت مجددًا، ولم يستطع بيل إقناع الجمعية بدراسة السبب وراء ظهور الأفكار والسلوكيات العنصرية على بعض الأشخاص أثناء مرورهم بنوبات الهوس.

في عام 2006، أصدرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي بيانًا أقرّت فيه بأن بعض العوامل النفسية تجعل الإنسان متطرفًا، على الرغم من ذكرها أننا بحاجة إلى مزيد من الأبحاث للتأكد من هذه الفرضية. أشارت الجمعية كذلك إلى أن المعتقدات والسلوكيات العنصرية غالبًا ما تتسبب في إصابة الأشخاص الذين يتبعونها بالاكتئاب والأمراض النفسية.

وصرّح شاول ليفين – الرئيس التنفيذي والمدير الطبي للجمعية الأمريكية للطب النفسي – بأن الجمعية تمتلك خطة طويلة الأجل لدراسة التأثير السلبي للعنصرية على الصحة النفسية، علمًا بأن الجمعية تدعم الجهود التعليمية والبحثية التي تتعلق بذلك.

يشير التقرير إلى أن بيل وبعض الخبراء في الصحة النفسية ما زالوا ينظرون إلى بعض حالات العنصرية باعتبارها أحد أعراض الاضطرابات النفسية المعروفة. على سبيل المثال، الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية – والذي يعتقد بعض الخبراء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصاب به – غالبًا ما يكون لديهم معتقدات عنصرية، بحسب ما ورد في تقرير «نيوزويك».

أيضًا كان ديلان روف – وهو شاب عنصري يؤمن بتفوق العرق الأبيض – والذي أُدين بقتل تسعة أمريكيين سود في كنيسة في مدينة تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية في 2015، قد تم تشخيصه باضطراب الشخصية الانعزالية. إضافة إلى ذلك، فإن المصابين بالفصام أو اضطراب ثنائي القطب غالبًا يعانون بشكل مفرط من جنون الارتياب المرتبط بالعرق، إلا أنه لا يرتبط دائمًا بالعنف.

تشير عدة أدلة إلى أن الغالبية العظمى من البشر يخفون أحكامًا مسبقة – ليست بالضرورة ضد من يختلف عنهم – لذلك يعتقد بعض الخبراء أننا مجبرون على التمييز بطريقة ما. قام متخصصون في علم النفس الاجتماعي بجامعة هارفارد وجامعة فرجينيا وجامعة واشنطن بإنشاء أداة تُسمّى «اختبار الارتباط الضمني»، وهي أداة تستخدم لقياس التحيز العنصري اللاواعي، أي أنها تحدد ما إذا كنا نحمل مشاعر سلبية أو إيجابية تجاه فئة معينة من الناس.

تم إنشاء هذا الاختبار منذ أكثر من 20 عامًا، وقد قام أكثر من 17 مليون شخص بإجرائه. تظهر نتائج الاختبار – على سبيل المثال – أن أكثر من 90% من الأمريكيين متحيزون بنسبة ما ضد الأشخاص المختلفين عنهم. لكن علماء النفس لا يزالون منقسمين، فمنهم من يرى أن التمييز لا يتطلب تشخيصًا إلا عندما تتحول هذه الأفكار إلى أفعال، بينما يعتقد آخرون أن تبنّي معتقدات عنصرية مشكلة بحد ذاته.

اقرأ أيضًا: مترجم: هل نحكم على الآخرين بدقة؟ دراسة تظهر كيف أن تلك الأحكام منحازة دائمًا

من الصعب التعرف عليهم

تقول الكاتبة إن الكثيرين ممن يتبنون معتقدات عنصرية متطرفة يتصرفون بشكل طبيعي في الحياة اليومية، مما يعني أن وصفهم بالمرضى النفسيين قد يكون غير صحيح. في ستينيات القرن الماضي، أثناء محاكمة النازي أدولف آيخمان، أقر ستة أطباء نفسيين بأن آيخمان طبيعي، على الرغم من تدبيره للقتل الجماعي لملايين اليهود. وقد وصف أحد الأطباء النفسيين علاقات آيخمان العائلية بأنها ليست طبيعية فحسب، بل إيجابية ومرغوب فيها.

أدرك علماء الاجتماع أن وضع تعريف سريري للعنصرية المتطرفة أمر بالغ الأهمية، فقد رأوا أن وصم العنصرية المتطرفة يمكن أن يساعد المجتمع على الانتباه لهذا المرض، وربما قد يحول دون ارتكاب أعمال إبادة جماعية أخرى. قام ثلاثة علماء نفس بإنشاء اختبار للشخصية الاستبدادية يسمّى «California F-scale»، إذ رأوا أنه إذا ما أدركنا كيفية انخداع الناس بخطاب المستبدين مثل هتلر، ربما يساعد ذلك في منع قيام حركات عنصرية في المستقبل. بالرغم من عدم انتشار الاختبار، فقد ساعد علماء النفس على تحديد السمات المشتركة للأشخاص الذين يتبعون أيديولوجيات خطيرة، مثل الولاء الشديد للسلطة والاستعداد لممارسة العنف.

يرى ساندر جيلمان – أستاذ الطب النفسي بجامعة إيموري في الولايات المتحدة – أنه من الصعب التعرف على الأشخاص العنصريين الخطرين الذين يعيشون حياة عادية. يرفض جيلمان التشخيص المستقل للعنصرية المتطرفة، إذ يعتقد أن المحاولة لتصنيف الأشخاص العنصريين كمرضى نفسيين سوف يدفعهم لارتكاب أعمال انتقامية. يقول جيلمان «هؤلاء الأشخاص هم الشر. لقد اختاروا خيارات سيئة، ومن الخطأ أن ننسب تلك الخيارات إلى مرض نفسي، فالقيام بذلك سيسمح لهم بالإفلات دون عقاب».

اجمالي القراءات 4215