الفكرة الاساسية في الاسلام

محمود دويكات في الخميس ٠٢ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

إن كثيرا من التعقيدات التي تحيق بالدين الاسلامي مردها أهله أنفسهم . فهم لا يقبلون بالعقيدة الاسلامية البسيطة بل تراهم يعشقون البحث خلف مختلف الامور فيها و الاتيان بتفسيرات أكثر تعقيدا للنصوص التي تخاطبنا بتلك العقيدة. هذا العشق لتعقيد النصوص البسيطة إنما هو لإشباع اسئلتهم التي لا تنتهي.
العقيدة الاساسية لهذا الدين هي الاستسلام لله فقط - توحيده و تنزيهه - و من ثم الاستعداد للقائه (عن طريق فعل الخير ) في اليوم الاخر حيث سيحاسبنا – كبشر – على ما صدر منا من أفعال متعمدة بحق غيرنا. هذه هي الفكرة الاساسية في الاسلام .. و مادون ذلك هي تفاصيل ، و التفاصيل تتغاير حسب تغاير الفهم عند البشر.
دعني أعطي مثال - أكثر علميّة - : في الهندسة الانشائية الفكرة الأساسية هي تصميم المبني لكي يخدم الفترة الزمنية المحددة له و التي تسمي بعمر المنشأ .. المعادلة الاساسية لذلك جدا بسيطة ، إذ يجب أن تبقى مقاومة المبني أكبر أو تساوي الاحمال أو الاثار التي يتعرض لها طوال فترة حياته ..هذا مبدأ بسيط جدا!! لكن عند تطبيق ذلك المبدأ البسيط في الهندسة نجد أن كل أمة لها طريقة في عمل ذلك ، و تلك الطرق تدعي كودات تصميمية ، فهناك الكود الامريكي و الكود الاوروبي و الكود الهندي و الصيني و الياباني و المصري .. الخ ... و الفروق الاساسية بين تلك الكودات إنما هي في معايرة الكثير من التفاصيل لتناسب معطيات البيئة "الانسانية" التي يتم التصميم فيها... فمثلا في اوروبا نجد معاملات الامان في المعادلات التصميمية منخفضة في حين في سوريا أو مصر نجد معاملات الامان مرتفعة و من الاسباب وراء ذلك أن الغش وعدم الاكتراث في الاخيرتين أعلى من الاولى .. و هكذا دواليك تختلف التفاصيل باختلاف البيئات الانسانية.
و نفس الشيء يقال عن الدين ، فهناك فكرة اساسية و هناك تفاصيل. الاسلام حافظ على نقاء الفكرة الاساس فيه عن طريق إعادة تكرارها في كتابه على عدة وجوه و عدة تعابير في الكتاب المصدر (القرءان) . ورغم أن الاختلافات هي من طبيعة البشر!!! مع ذلك، فقد وقع المسلمون ضحايا الاختلافات المذهبية و السياسية فيما بينهم ، و ألصقوها بالفكرة الاساس لهذا الدين ـ و جعلوها تحمل أكثر أهمية من الفكرة الاساسية نفسها ، و أصبحوا يتقاتلون في سبيل تلك التفاصيل و الاختلافات ، و التي هي أصلا ناتجة عن اختلاف القدرات العقلية و الطبيعية فيما بين البشر أنفسهم. .. فالاختلافات بين البشر هي من طبيعة البشر أنفسهم ، و قد زرعها الله بينهم لأجل أن يتعارفوا و يتفاعلوا معا (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) حجرات/13، لا أن يتقاتلوا بسبب تلك الاختلافات كما يحدث الان في العراق و فلسطين و غيرها .
دعونا نرجع الى هذا الكتاب الذي يطلق على نفسه أنه قرءان ، و أنه لا ريب فيه و أنه كتاب مفصل .. الخ .. الحقيقة أن أكثر الامور وضوحا في هذا الكتاب أنه لا إله إلا الله و أنه – أي الله – الوحيد المستحق للعبادة والطاعة ، و أنه يجب فعل الخير و الصالحات من أجل الفوز يوم الاخرة .. نجد هذه الفكرة الاساسية متكررة على عدة أوجه في القرءان ، مثل (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) نساء/ 124 و (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ)مائدة/48. و (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ)بقرة/148 و أيضا ( يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) أل عمران/ 114 و قوله (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) بقرة/82 و قوله (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) أل عمران/57 و قوله ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ )نساء/57 و 122 و قوله(وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)أعراف/42 وقوله (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) حج/77... الخ ...
نلاحظ على امتداد القرءان أن تلك الفكرة متكررة و بشكل واضح لا لبس فيه أن: من يؤمن بالله و يعمل الصالحات و يحتسب و يستعد للقاء الله يوم الاخرة فإنه لا خوف عليه و لا هو يحزن أنذاك. فرغم أن هذا المعنى البسيط تكرر في القرءن مئات المرات إلا أن أتباع هذا الدين مافتإوا يعقّدون المسائل فيه. و المصيبة الادهى أن البعض منهم يضع نفسه مكان الله جل و علا و يحاول الحكم على الكثير من الناس إما الى جنة أو الى نار بناء على مدى اختلافهم مع أو ضد وجهات نظرهم الشخصية!
مبدأ الخطاب الالهي في القرءان بسيط جدا: الله لا يطالبك بالتفاصيل التي لم يعطيك إياها. فلا ترهق نفسك بالسعي ورائها ، لأنك إن فعلت فإن النتيجة قد تكون وبالا عليك!! إقرأ قوله تعالى الذي يوضح هذا المبدأ البسيط و السلس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) مائدة/5.

 و كمزيد من الايضاح دعنا نقرأ هذه الايات عن موسى عليه السلام حين أوحى الله له الالواح ، يقول الله (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)أعراف/175 . أعد قراءة الاية تجد أن الله قال أنه قد كتب في الالواح تفصيلا لكل شيء ، لكنه بعد ذلك يقول لموسى أن يأمر قومه أن يأخذوا بأحسنها !! كيف يفهم هذا؟ ألم تحتوى تلك الالواح كافة التفاصيل ؟ لماذا يترك الناس تختار "الاحسن" في تلك الالواح؟ إن الفكرة الاساس هي أن لا تحاول تعقيد المسائل ، بل خذ أحسن ما أمر الله به مما يلائم الواقع. و هذه النقطة تعكس مقدار المرونة و التسامح عند الله جل و علا في تقبل ما يحاول الانسان فعله في هذه الدنيا في سبيل الله. نفس الفكرة يكررها الله سبحانه أيضا بخصوص القرءان ، إذ يقول (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم)زمر/39. فكما أمر الله بني اسرائيل أن يأخذوا بأحسن ما أنزل إليهم ـ أيضا أمرنا كمسلمين له بأن نتبع أحسن ما أنزل إلينا. و كلمة أحسن تعني أن عليك تقييم الموقف امامك و لا تنجرف وراء الاصوات التي تملي عليك ما يجب فعله ، بل تتمهل ، و تفكر ، و تنظر في العواقب ، و تقارن ، و تنظر مرة أخرى للموضوع من عدة زوايا ، لعل هناك عدة طرق للقيام بالموضوع فتختار ما هو أحسن و أقرب للفكرة الاساس لهذا الدين (و هي فعل الخير و الاستعداد للقاء الله جل و علا). و لا تكون من الذين ينساقون وراء افكار الاخرين ممن يدعون الى تحقيق مصالح ذاتية (لهم او لأحزابهم) على حساب ما يطلبه منك هذا الدين من فعل الخير و عدم الاضرار بالغير، فعندها تكون من الذين يتبعون الشيطان الذي سرعان ما سيتبرأ منك ، و قد حذرنا الله من هذا ، إقرأ قوله متمعنا (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/21 ... قل صدق الله.

اجمالي القراءات 20826