ماذا لو حقن العقيدُ الشعبَ الليبي بالإيدز؟

محمد عبد المجيد في الأحد ٢٨ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أوسلو في 10 أكتوبر 2007
أيّ طاغية في العالم يعرف سلفا حدّه الأقصى في الاستبداد واستخدام الوسائل القمعية لقهر الشعب وجعل أفراده رُكّعاً سُجَّدَاً أمامه ولو كانوا في بيوتهم.
ليبيا حالة خاصة لم يشهد العصرُ الحديث لها مثيلا في كل دول العالم.
جاء حين من الدهر ظننا أن عيد أمين دادا رئيس أوغندا هو الأكثر حماقة وتهريجا حتى أنه اشترط على الرئيس الراحل أنور السادات أن ينتظره في احدى ضفتي قناة السويس وهو سيأتي سابحا!
وجاء وقت كنا على يقين من أن الامبراطور جان بيدل بوكاسا الذي جعل من جمهورية أفريقيا الوسطى وهي أفقر بلاد الدنيا امبراطورية، ثم أنفق خزينة الدولة على احتفال تنصيب نفسه إمبراطورا، وعندما غضب تلاميذ مدارس وتظاهروا لم يأمر فقط بقتلهم، ولكن قيل بأنه شارك في أكل لحومهم، هو الأكثر حماقة. أما العقيد الليبي فتحتاج الحيوانات المنوية إلى قرن او اثنين ليفوز منها الأسرع والأقدرعلى استنساخ القذافي في مكان ما من كرتنا الأرضية البائسة.
لذا فلم يكن غريبا أن يصل الاهمال في المستشفيات الليبية إلى درجة العفن، وأن تصبح غرف العمليات أكثر قذارة من تجمعات القمامة.
في دولة بوليسية همجية ونظام أقرب إلى التخلف بأحط صوره يمكن أن تتوقع أي شيء، وأن يظل تعذيب الممرضات البلغاريات وزميلهن الفلسطيني قائما لأكثر من سبع سنوات شهدت على ظلم الانسان لأخيه الانسان، وعلى أن نظام العقيد خطر على البشرية وليس على الشعب الليبي فقط.
صفقة بيع وشراء خسيسة، يستحمر فيها الديكتاتور الليبي شعبه، ويبصق على حقوق الانسان، ويستخدم أعفن واٌقسى الوسائل لانتزاع اعترافات الممرضات حتى أن المتخصصين من الأطباء العسكريين حقنوا البلغاريات والفلسطيني بمواد مخدرة لاستنطاقهم في اعترافات مزورة ليس لها أي أصل من الصحة.
أحكام الاعدام التي صدرت ثلاث مرات كان الهدف منها احتقار السلطة القضائية، واعتبارها ذيلا لسلطة الخيمة، وأن أرواح ونفوس وأجساد وأموال وممتلكات الليبيين تحت حذاء العقيد يدهسها متى شاء وكيفما أراد.

عار بكل المقاييس أن يظل هذا المستبد ثمانية وثلاثين عاما يهين شعبا من أعرق شعوب شمال أفريقيا، ويعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، ويمارس وأولاده وطغمته وزبانية اللجان الشعبية الأمنية أوسع عملية سجن لشعب بأكمله.
تاريخ هذا الرجل إدانة في المستقبل لكل الذين يقفون معه، والذين يصمتون على ظلمه، والذين يعرفون ويمارسون مهنة الخرس الجماعي، ويقطعون ألسنة أنفسهم لئلا يغضب عليهم، أو يتوقف على الأقل رضاه عنهم.
عادت البلغاريات إلى وطنهن واصطحبن زميلهن بعدما حصل على الجنسية البلغارية، وظل الليبيون في مأزق لا يستطيعون الخروج منه، فمئات الأطفال انتهى بهم الاهمال إلى مرض الايدز ومات منهم أكثر من ستين طفلا، ولكن الكارثة لم تقع بعد ، وقد يصيب مرض وبائي ليبيا من جراء هذا الاهمال، وليس بعيدا أو غريبا أن يتم حقن الليبيين بالايدز، وحينئذ سنلطم وجوهنا لأننا كنا أكثر صمتا من الجماد،وجبنا من الفئران، وفزعا من الأرانب.
صفقة البيع الخسيسة والظالمة كانت صفعا على أقفية كل الليبيين، فالرجل في حماية الغرب وأمريكا، ونفط شعبنا الليبي قد لا نبالغ إن قلنا بأنه ربما يتم رهنه لتسعين عاما قادمة، وأن استقلال ليبيا الذي انتزعه الشعب الحر العظيم تم دفنه في صحرائها الواسعة أو تحت خيمة العقيد.
محاكمة القذافي ليست مهمة الشعب الليبي فقط، لكنها أمانة في عنق كل حر مهما كان موقعه ومكانه ومركزه وجنسيته ودينه، وإذا لم تحدث هذه المحاكمة في غضون عامين من الآن فترقبوا كارثة أشد هولا ورعبا من الطاعون.
كلنا، وفي مقدمتنا من يضحك، ويمزح، ويلقي النكات، مشتركون في جريمة ابادة الشعب الليبي، وعندما تعُمّ الكارثة هذا البلد الرائع الجميل الذي كان من الممكن أن يصبح جنة شمال أفريقيا فلن يستطيع أي منا أن يتبرأ من الاشتراك في أم الجرائم.
زلزلت الأرض بعضَ زلزالها عندما تقدم أحد المحامين عن ضابط متهم بتعذيب الطبيب الفلسطيني، وأحضر معه ( مكنسة ) ليثبت لهيئة القضاء أن طرفها لا يمكن أن يدخل في فتحة شرج الطبيب المتهم، وهو دليل في عُرف القضاء الليبي الجماهيري على براءة الضابط!
أشعر بقرف واشمزاز وغثيان من صمت عالمنا العربي على جرائم العقيد، بل أكاد أصل إلى يقين بأن كل صلوات العرب من زعماء وشعوب في المساجد والكنائس مرفوضة من السماء أو معلقة بينها وبين الأرض حتى نقطع هذا الصمت المخيف، ونقف مع شعبنا الليبي قبل أن يحقنه العقيد بفيروس مرض الايدز أو بأي وباء آخر.

الأفارقة الذين أصيب ثلث سكان قارتهم السمراء بمرض نقص المناعة اكتسحوا ليبيا بحثا عن عمل، ونقلوا معهم المرض، ولم تبخل العاهرات السمراوات على أحفاد عمر المختار بالمرض المصنوع في الولايات المتحدة الأمريكية والمستوطن في الولايات المتحدة الأفريقية.
جرائم قائد الفاتح من سبتمبر تحتاج لمئات الجلسات في محاكمة عادلة يكون الشهود فيها ملايين من المظلومين والمساكين والضعفاء.
لكن أخطر من مرض نقص المناعة هو مرض نقص الشجاعة فهو الذي جعل التهريجَ نظاما للحكم، والكتابَ الأخضر رسالةً سماوية، وأموالَ النفط لضحايا الارهاب القذافي، وحقوقَ الانسان لا تساوي بصقةً من مدير السيرك الجماهيري.

أيها العرب والليبيون،
كلنا مجرمون بدرجات متفاوتة، وكلنا نستحق حُقنةً بدلا من الأطفال المساكين،فقد مارسنا الصمتَ كأننا من نسل الشياطين، وخشينا على أرواحنا كأن الله لا يحمي عباده، ولن يمر وقت طويل قبل أن نخجل من النظر في عيون أولادنا فنحن جبناء في زمن الجماهير العبيــطــة.
عندما نخجل مرة واحدة ونحن نقف أمام الله، عز وجل، في مساجدنا وكنائسنا، فإن تحرير ليبيا يبدأ من تلك اللحظة.

اجمالي القراءات 12913