الإطارات المطاطية التالفة ثروة أهل ميت الحارون في مصر
-
التدوير هي عملية إعادة تصنيع واستخدام المخلّفات، سواء المنزلية أم الصناعية أم الزراعية، وذلك لتقليل تأثير هذه المخلّفات وتراكمها على البيئة، وقد جعلت قرية كفر ميت الحارون في مصر واقعها مختلفا تماما عن الواقع الذي تعيشه مصر حيث لا يوجد بالقرية أي نسبة بطالة لأنهم امتهنوا جمع الإطارات المطاطية وإعادة تدويرها.
الطريقة التقليدية في فك الإطار تحتاج الى جهد عضلي
القاهرة - بعد أن تنتهي مدة صلاحيه إطارات السيارات، وبدلا من أن يتم التخلص منها استطاعت قرية كفر ميت الحارون، التابعة لمحافظة الغربية شمال مصر، أن تقيم تنميتها على استخراج منتجات نافعة من الإطارات المستعملة.
وقد أصبح لهذه القرية “ماركة مسجلة” في صناعة المطاط “الكاوتش”، وتحوّلت من مجرد قرية لفلاحين يشكون كلفة الزراعة وقلة عائدها إلى قرية منتجة يرتفع فيها مستوى الدخل مقارنة بالقرى المجاورة لها.
والقرية التي لا يتعدى سكانها الـ50 ألفا، ومعظم المنازل من الطوب الأحمر وبعضها مكسوة بالرخام، كما تتجاور الأراضي الزراعية مع العشرات من ورش الكاوتش جنبا إلى جنب، حيث اقتطع أغلب الفلاحين من القرية القليل من أرضه لإقامة هذه الورش، لكن ذلك لم يدفعهم إلى ترك الزراعة، فامتلاك الأرض لا يزال يحدد مكانة الفلاح في السلم الاجتماعي في ميت الحارون، رغم أن غالبية أهل القرية متعلمون يتركز معظمهم في شريحة المؤهل المتوسط.
ويجمع أهالي القرية بين الصناعة والزراعة عن طريق استقدام عمال من القرى المجاورة ليعملوا بالأراضي الزراعية، بينما يركّزون ومعهم أبناؤهم على صناعة تدوير الكاوتش.
وقد بدأت تجربة الاستفادة من إطارات الكاوتش المستعمل منذ الخمسينات من القرن الماضي، حيث سافر البعض من أبناء القرية إلى شارع محمد علي في القاهرة ليبدأوا أول عملية إعادة تدوير للكاوتش المستعمل، لكن اقتصر نطاقه على أعمال بسيطة كاستخدام قطع من الإطارات المستعملة لإصلاح الأحذية وتركيب نعال لها.
ثم عاد البعض من أهل الحارون بعد سنوات من الغربة إلى قريتهم، حيث طوّروا الاستفادة من الإطارات المستعملة لكي يستخرجوا منها شرائح مطاطية وليصنعوا “المقاطف” أو “القفف”، وانشئت العديد من الورش التي تقوم بهذا العمل.
وتطوّرت هذه الصناعة في القرية بعد ابتكار آلة يدوية تدار بتروس تسمّى “الونش” تستخدم لاستخراج شرائح الكاوتش من الإطار المستعمل بدلا من استخدام المجهود العضلي.
الإطارات التالفة التي يعتقد البعض أنها صارت بلا قيمة، تمرّ بثلاث مراحل، تنقلها من الموت إلى الحياة، وهي الجمع، والسلخ، وأخيرا التقطيع والتشكيل، كما يقول محمد ناصر، مالك إحدى الورش.
المكننة طورت تدوير العجلات
وأولى المراحل، جمع الخام، عبر مناقصات تجريها الحكومة لبيع الإطارات غير الصالحة للاستخدام، أو شرائها من السريحة (أشخاص يجمعون الإطارات من الشوارع والمحلات) بأسعار مخفضة، بجانب مزادات يجريها تجار بالقرية.
والمرحلة الثانية، هي السلخ أو الفصل بعد فرز الإطارات التالفة، حيث يتم بأدوات حادة أو ماكينات مختصة، تفصل الجزء العلوي من الإطار، المعروف أنه منتج مركّب من المطاط، وأسلاك من الصلب.
أما المرحلة الثالثة والأخيرة، تكون بتقطيع الإطارات، لتصبح صالحة لاستخدامات صناعية عديدة. فالجزء المطاطي، كما يقول الشاب عاطف مصطفى، الذي يدير إحدى الورش، يستخدم كوقود، عبر إلقاء القطع المطاطية في نيران مصانع الإسمنت، على سبيل المثال.
وتصنع من هذا الجزء أيضا، المقاطف، تلك الأوعية التي يستخدمها الفلاحون، بجانب السيور. أما الإطار الذي تقل نسبة تلفه، يُعاد تشكيله إلى صورته الأصلية، باستخدام آلة حادة، ليباع بسعر أقلّ من أسعار المنتجات الجديدة.
بينما تستخدم الكابلات والأسلاك، المستخلصة من التالف، في صناعات، مثل تجميع الأقفاص الخشية، وربط الحديد المستخدم في الإنشاءات وخراطيم مياه الري.
ويشير مصطفى، البالغ 35 عاما، إلى أن أغلبية أبناء القرية، يمتهنون هذا العمل لـ”سهولته وعائداته المادية الجيّدة”، ما أسهم في خفض نسبة البطالة.
وهناك منتجات أخرى مختلفة مثل “الطاقية السلك”، والتي تستخدم لـ”تجبير” الإطارات، لسدّ أي ثقوب في الإطارات حتى يتم استخدامها مرة أخرى، والتي ابتكرها عبده عبدالرحمن صاحب إحدى الورش بالقرية.
ويرى عبدالرحمن أن المجال مفتوح لصناعة الكثير من الإطارات مثل صنع سيور عريضة من الإطارات القديمة للطائرات، والتي تستخدم لقوتها ومتانتها في حمل الحقائب بالمطارات، كما تستخرج من هذه الإطارات، أيضا سيور للجرارات التي تستخدم لحرث الأرض، ويضيف عبدالرحمن أن آخر ما تم إنتاجه كان عمل ماسورة كاوتش لماكينات ري الأراضي، وأسلاك الصلب المستخدمة في الخرسانة. وهناك ما يسمّى بـ”بودرة الكاوتش” الناتجة عن عمليات الفرم، والتي يتم تصديرها إلى تركيا وبلجيكا لإعادة تصنيعها.
الإطارات تحتوي على الكبريت الذي يعطيها التماسك ويجعلها لا تتحلل إلا بعد مئات السنين
تتفاوت أجور العمال في هذه الحرفة، حسب مهامهم، إذ يتقاضى الشاب مرعي عبدالله، الذي يعمل فيها منذ 6 أعوام، نحو 100 جنيه (5.5 دولارا أميركي) يوميا، فيما يتقاضى آخر نحو 150 جنيها (8 دولارات).
ويقول عبدالله (32 عاما) إن الماكينات المستوردة، سهّلت مهمة العمال كثيرا، حيث كانوا في السابق يقطعون الإطارات ويستخرجون ما فيها بالسكاكين.
وأفاد عبدالعليم الصيفي، مالك إحدى ورش التقطيع، بأن سعر الماكينة المستعملة يبلغ نحو 40 ألف جنيه (ألفين و200 دولار)، فيما يبلغ سعر الماكينة الجديدة حوالي 140 ألف جنيه (7 آلاف و700 دولار). وعن أسعار منتجاته، أوضح أن “المقطف” الواحد يباع بنحو 20 جنيها (1.12 دولار)، ومتوسط الواحد من السيور، مختلفة الأحجام، 300 جنيه (16.8 دولارا).
بينما يباع طن المطاط بألف و100 جنيه، والإطار الداخلي بـ7 آلاف جنيه للطن الواحد.
وتستهلك مصر سنويًا، نحو 16 مليون إطار جديد للسيارات، يتم استيرادها بمبالغ تتراوح من 4 إلى 6 مليارات دولار، وفق تصريحات صحافية لأيمن خميس رئيس مجلس إدارة شركة النقل والهندسة التابعة لوزارة قطاع الأعمال.
ويشيد أشرف المغربي، أستاذ علوم البيئة بجامعة القاهرة بتجربة القرية، “الفائدة كانت مزدوجة في هذه التجربة، حيث استفاد أهالي القرية ماديا من هذه التجربة وكذلك استفادت الدولة كلها من تدوير هذه الإطارات”.
ويؤكد المغربي على أن استفادة الدولة اكبر حيث تمثّل الإطارات المستخدمة والتالفة أكبر خطر على الإنسان، وهو ما يفسّره بأن الإطارات مكوّنة من نحو 20 مادة كيميائية، منها المطاط الطبيعي والصناعي والكربون وأصباغ البوليستر والنايلون والكبريت والأسلاك وغيرها، وهنا تكمن المشكلة في وجود الكبريت الذي يعطي التماسك للسائل قبل الصبّ، وتصعب معه أعادة تفكيك أو تحلل الإطارات، وبالتالي لا تتحلل إلا بعد المئات من السنين.