قبل أكثر من 10 أعوام، أطلق ثلاثة رجال دين هم إمام وقس وحاخام مبادرة تسعى إلى جمع الديانات الإبراهيمية الثلاث وأداء طقوس كل واحدة منها في مركز مشترك في مدينة أوماها بولاية نبراسكا الواقعة وسط الولايات المتحدة.
انطلقت فكرة مشروع Tri-Faith الذي تقدر كلفته الإجمالية بـ60 مليون دولار 99 في المئة منها من أموال متبرعين بين أفراد ومؤسسات خيرية، في عام 2006 وقد تكون الأولى من نوعها في العالم إذ تقوم على تشييد دور عبادة خاصة باليهود والمسيحيين والمسلمين جنبا إلى جنب بشكل مقصود بهدف العمل معا.
وأبرز مصممي المبادرة والقائمين عليها هم الحاخام في كنس تامبل إسرائيل إميريتوس أرييه أزرييل، والقس في كنيسة كانتري سايد كاميونيتي إريك إلنيس ورئيس معهد المسلم الأميركي سيد محيي الدين وإمام المسجد محمد جمال داودي.
"لن نأتي بدين جديد"
ويقول رجال الدين هؤلاء الذين أصبحوا خلال مشوار مبادرتهم أصدقاء، إنهم لا يسعون إلى القدوم بدين جديد بل يرغبون في بناء جسور تساعد في قبول أتباع دياناتهم بعضهم البعض وتحدي الصور النمطية من خلال التعلم والاحترام والصداقة ومواجهة الخوف من الآخر وسوء التفاهم.
ويوضح الحاخام أزرييل في تصريح لشبكة CNN أن هذا المشروع لا يهدف فقط للتسامح، "فقد أنجزنا ذلك من قبل"، بل يهدف إلى ما يمكن أن "ننجزه معا".
ويقول محيي الدين، وهو أخصائي في أمراض القلب وأستاذ في كلية الطب بجامعة كريتنفي، في مقابلة مع موقع ناشونال كاثوليك ريبورتر "ليس هناك مبادرة مماثلة في العالم"، مضيفا أنها "ستقدم رسالة مفادها أن بإمكاننا العيش معا، وأن نكون جيرانا ونتشاطر المسار ذاته والأحلام والأماني ذاتها وليس الخوف من بعضنا البعض".
ويوضح أزرييل للـإذاعة الوطنية العامة (NPR) أن اليهود والمسيحيين والمسلمين لديهم تاريخ من التعاون المشترك في منطقته، ويقول إن "الوضع في الشرق الأوسط ليس جيدا لكن أوماها مكان فريد حيث يمكن لتلك العلاقات أن توجد".
من جانبه، يقول القس إريك إلنيس كبير المسؤولين في كنيسة كانتري سايد كاميونيتي إن كنيسته قررت بعد 60 عاما الانتقال إلى مجمع Tri-Faith رغم أن موقعها الحالي مثالي، لإيمانها بفكرة المشروع. وقال لـCNN "سننتقل لأننا ببساطة وقعنا في حب مع روية Tri-faith".
"الجميع مرحب بهم"
والموقع الذي تم فيه تشييد مركز Tri-Faith، هو نادي هايلاند للغولف القديم الذي يعود تاريخ تطويره إلى عشرينيات القرن الماضي. وعرف بـ"نادي اليهود" عندما كان اليهود حينها مستبعدين من نوادي أخرى في المدينة وحول البلاد، بحسب CNN.
واشترى كل من كنس تامبل إسرائيل ومعهد المسلم الأميركي وكنيسة Episcopal Diocese في نبراسكا نادي الغولف السابق الذي تبلغ مساحته 141640 مترا مربعا في عام 2011. وفي 2013، طلبت كنيسة Episcopal Diocese في نبراسكا من كنيسة كانتري سايد كاميونيتي أن تمثل الشريك المسيحي في Tri-Faith.
واكتملت أعمال بناء الكنيس اليهودي الجديد في 2013، فيما أطلق مشروع إقامة المسجد الجديد في أواخر 2015 وافتتحت أبوابه في شهر رمضان 2017.
وانطلقت أعمال البناء في الكنيسة الجديدة في صيف 2017، ومن المقرر افتتاحها أواخر 2018.
وسيكون مركز Tri-Faith المشترك بين الأطراف الثلاثة، آخر مبنى للمبادرة، على أن يفتتح في 2019.
ورغم استمرار أعمال البناء، إلا أن أنشطة Tri-Faith انطلقت وتشمل حوارات وندوات وبرنامج للأطفال واحتفالات مشتركة بالأعياد وغيرها.
ويؤكد القائمون على المبادرة أن أي شخص مرحب به لزيارة المجمع والمشاركة في أي من الأنشطة حتى وإن لم يكن من أتباع أحد الأديان الثلاثة شريطة التزامه بمذكرة التفاهم الخاصة بـTri-Faith والابتعاد عن الترويج لأي دين.
شكوك ومخاوف
لكن Tri-Faithوإن لقي ترحيبا الكثيرين من جهة، ينظر إليه البعض بعين الريبة من جهة أخرى.
ويقول الإمام داودي إن الصراع بين اليهود والمسلمين في الشرق الأوسط لا ينبغي أن يكون عقبة أمام السلام في الغرب الأوسط الأميركي، لكنه أقر في تصريح لـCNN بأن هناك من لا يشاركه الحماس الذي يشعر به إزاء المشروع.
وأشار إلى خشية البعض من الخلط بين الديانات الثلاث وشعورهم بالشك والتردد. إلا أنه أكد أنهم سيكتشفون في وقت قريب أن المبادرة فكرة جيدة، حسب تعبيره.
وأعرب مواطنون لوسائل إعلام محلية عن خشيتهم من أن يستهدف المتشددون مواقع Tri-Faith.
ويسكن في منطقة أوماها ما بين 6000 و7000 مسلم يتحدرون من 20 بلدا وفق ما أفادت به ليسي ستادنيكا من منظمة خدمات أسرة لوثرن التي تقدم مساعدات للاجئين من مختلف الديانات، مشيرة إلى أن عدد المسلمين أصبح ضعف ما كان عليه قبل عقدين.