التوريث وإسرائيل محظورات أمنية فى خطبة الجمعة
الجمعة، 28 نوفمبر 2008 - 21:34
كتب عمرو جاد ومحمود سعد الدين
"لا تتحدث أثناء الخطبة، لا تتخطى الصفوف، لا تكثر من الحركة"، تلك اللاءات الثلاث كانت أشهر المحاذير الواجب اتباعها أثناء خطبة الجمعة، إلا أن الأمن المصرى استحدث باقة جديدة من المحظورات أصبح الخروج عنها أكثر صعوبة من مخالفة المحاذير الدينية، لكن محظورات الأمن هذه المرة لم تستهدف المصلين وإنما استهدفت الخطباء.
الديمقراطية ومفهوم ولاية الأمر، الحرية فى الإسلام، الختان، تحديد النسل، الربا وتحريم فوائد البنوك، التوريث وكل ما يدخل فى نطاق علاقة الحاكم بالرعية، تصدرت قائمة الممنوعات فى خطبة الجمعة، "لأن المصريين يؤمنون بكل ما يقوله رجل الدين، وبالتالى قد يؤثر فيهم الحديث فى السياسة ويخلق لديهم تناقضا بين ما يسمعونه وبين الواقع"، كما ذكر (إبراهيم ش.) إمام مسجد بمصر القديمة، الذى أضاف أن منع الحديث عن السياسة امتد أيضا إلى تحريم التحدث فى القضايا الخارجية التى قد تؤثر بشكل غير مباشر على مصر وآخرها الانتخابات الأمريكية وأى الفائزين بمنصب الرئيس الأمريكى سيكون أكثر نفعا للعالم الإسلامى.
ذكر إسرائيل أيضا والآيات التى تذكر بنى إسرائيل دخلت ضمن القائمة، بالإضافة إلى آيات الترهيب والعذاب، وكما يذكر (إبراهيم ش.) فإن المديريات تقوم بالتنبيه على الأئمة بالإكثار من ذكر الجنة، "تعشيم" الناس بها إذا ما صبروا على البلاء، على حد قوله، والتعليمات لا تكون كتابة وإنما تكون من خلال الاجتماع الشهرى للمديريات.
وهو نفس الأمر الذى أكده الشيخ سيد عسكر النائب الإخوانى قائلا، "لا توجد تعليمات كتابية أو شفهية، من قبل وزارة الأوقاف إلى خطباء المساجد، لكنها تكون توجهات فى بعض الأوقات للتركيز على بعض الأمور". لغريب فى الأمر، كما يقول عسكر، إن التعليمات لا تأتى من الأوقاف فقط كما هو معتاد إلا أنها تعدت ذلك لتصل من جهات أخرى غير معنية بالأمر، وتمثل ذلك بقرار محافظ الجيزة الأخير بفصل أى خطيب يتكلم عن الختان فى خطبة الجمعة.
وزارة الأوقاف كان لها رأى آخر، فعندما سألنا الشيخ شوقى عبد اللطيف وكيل الوزارة لشئون الدعوة، نفى تماما أى دور للأمن فى مراقبة خطب الجمعة مؤكدا أن هذا الأمر اختصاص وزارة الأوقاف فقط، أما بالنسبة للتعليمات الشفوية، فنفاها أيضا قائلا "الوزارة وزعت كتاب (دليل الإمام) على الخطباء، ليكون دليلا إرشاديا لهم لكيفية تناول الموضوعات". سألناه إذا ما كان هذا دليلا على أن الوزارة تحدد للأئمة ما يقولونه، أجاب بالنفى أيضا مشددا على أن دور الوزارة يقف عند المتابعة الدورية للأئمة وتثقيفهم وتحسين أدائهم بالدورات، ولكنها لا تتدخل أبدا فى تحديد الموضوعات التى يتحدثون عنها، وفى نهاية حديثه قال "ليس معنى أن بعض الخطباء يواكبون بخطبهم أحداثا معينة، أننا نملى عليهم هذا".
ولكن بالعودة إلى السيد عسكر نجده يرفض رد الأوقاف قائلا "إن الرقيب الأول والأخير حاليا على أئمة المساجد لم يعد الأوقاف، إنما هو أمن الدولة"، مدللا على ذلك باستدعاء العديد من خطباء المساجد الذين يتجاوزون الخطوط الحمراء التى رسموها لهم من قبل أو من أزعجوا الأمن بخطبهم.
وخلافا لما ذكره عسكر، فإن أحد الأئمة قال إن التواجد الأمنى فى المساجد جعلهم يضطرون إلى تحديد موضوعات بعينها سواء مما ذكرناه سابقا أو موضوعات أخرى متعلقة بالمنطقة التى يكون بها المسجد، مثل معاملة الضباط للمواطنين أو الرشاوى التى يتلقاها بعض الموظفين، أحدهم برر ذلك قائلا "كل واحد فينا بيبقى عارف مين المخبر اللى تبع أمن الدولة بيكون قاعد فى أثناء الصلاة، ولذلك إحنا بنتعامل بمنطق الباب اللى يجيلك منه الريح..."، الأمر الطريف الذى ذكره هذا الإمام أنه فى بعض الأحيان سرت شائعة بين زملائه بأن ذكر عمر بن الخطاب وسيرة عدله فى الحكم صارت أيضا من المحظورات، وعلى الأخص مقولته الشهيرة "لو عثرت دابة فى العراق لسألنى الله عنها: لماذا لم تمهد لها الطريق ياعمر".
خوف الأئمة من عواقب خرق المحظورات لا يتوقف عند المساءلة الأمنية لهم، ولكن هناك أيضا عقاب وزارة الأوقاف لهؤلاء بتحويلهم إلى وظائف إدارية أو نقلهم إلى مديريات أخرى بعيدة عن محل إقامتهم مع "مصطفى حسب النبى" الذى تم نقله من أحد مساجد الدقهلية إلى القاهرة عقابا له على عدم التزامه ببعض المحاذير، على الجانب الآخر فإن قاعدة "الالتزام بالتعليمات مقابل عدم النقل أو التشريد" يستثنى منها المساجد الأهلية والتى يسيطر على أغلبها التيارات السلفية أو الإخوان، وذلك لعدم تبعيتها لوزارة الأوقاف، من أمثلة هذه المساجد (ابن تيمية بشرم الشيخ، مسجدى التوحيد، النجار بالمنصورة، مسجد المعتصم بالله فى القاهرة، والعزيز بالله فى جسر السويس، ومسجد المعتمدية بالجيزة، ومسجد الفتح بالإسكندرية).
فى الماضى كانت بعض الخطب تسبب حرجا لوزارة الأوقاف لأن الأئمة الذين تمتحنهم وينجحون وبعد إعلان النتيجة لا يتم تعيينهم إلا بعد تحريات الأمن، لذا فكل من يستبعده الأمن يلجأ للقضاء فيسترد حقه، وبالتالى فإن أغلبهم يحصل على الوظيفة "رغم أنف الأمن" كما وصفها أحدهم. الحرج هنا كان مصدره أن هؤلاء - أكثرهم ينتمى للإخوان- كانوا لا يقفون كثيرا أمام محظورات الأمن أثناء الخطبة، وبالتالى فيكون مصير كل خطيب منهم هو التحقيق فى أمن الدولة بعد كل خطبة.
وزارة الأوقاف لجأت إلى حيلة بسيطة لكى تتخلص من هذا المأزق فهى الآن لا تعلن عن نتيجة اختبارات الدعاة الجدد، إلا بعد عرض الأسماء الناجحة على الأمن، وبالتالى فكل من يستبعده الأمن يدخل ضمن قائمة الراسبين، فعلاقة الأمن بخطباء المساجد أمر واقع باعتراف وزير الاوقاف محمود حمدى زقزوق فى رده على سؤال برلمانى للنائب الإخوانى محسن راضى حول تدخل الأمن فى تعيينات الأئمة والدعاة.
لعلوماتك.. 100004 عدد المساجد التابعة لوزارة الأوقاف المصرية