الفساد
الفساد

زهير قوطرش في الجمعة ٢٦ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الفساد .
صديقي حماه الله من الذين قاموا الفساد الى فترة قريبة ،وكان همه الوحيد لسنوات عديدة ،كشف المفسدين في الارض ،وتعرية أعمالهم الفاسدة ،في بلده * بلده كل بلد عربي وأسلامي إلا ما رحم ربي" وقد عانى من ذلك ما عانى ،من زبانية السلطة السياسية الامنية ،والمؤسسة الدينة الرسمية التي تقوم على الفساد كونها تغطي على المفسدين ،لأنها تعتاش على موائدهم الكريمة . طرد من عمله عدة مرات .... قاسى الجوع والحرمان ومع ذلك لم تنحني راسه أمام الاغراءات .... فقد كان قلمه كالسيف ... يقول قولe;ة الحق كما يقال ولو على قطع راسه.وفعلاً استطاع وله السبق في كشف الكثير من العلاقات المشبوهة التي من خلالها كانت تتم الصفقات التجارية مابين الطفيلين ،والقطاع العام في الدولة ."على فكرة القطاع العام مع كل اسف ربى وما زال يربي سدنة الطفيلين ،وصغار المفسدين .هذا القطاع الذي كان يجب أن يكون مثال في التعامل التجاري المبني على الصدق والأخلاق ...أصبح مدرسة لتخريج المفسدين . زرت صديقي هذا قبل عدة أشهر .وتفاجئت مما سمعته منه ،ونزل كلامه على كالصاعقة .... سألته عن أحواله ...ونضاله ضد الفساد ،الذي فنى تلثي عمره من أجل اجتذاذ جذوره من المجتمع . أجابني ..عن أي نضال تتكلم يارجل . الآن أنا بنفسي شكلت حزباً للفساد . وأنا رئيس الحزب ...وقيادته من كبار الطفيلين في البلد ." القسم الأكبر منهم هم من كبار المسؤولين الرسمين" قاعدته فئة أو طبقة ... بالمعنى الطبقي ،لأننا نتحدث عن الاقتصاد ،تشكل ثمانية بالمائة من سكان بلدنا الحبيب.
البقية الباقية من سكان الجمهورية العربية -......-" تستطيع استبدال النقاط بأي أسم لأي دولة عربية يستقيم المعنى" . يقسمون الى نوعين من البشر. النوع الاول وهم القلة القليلة . فعلاً لايمكن إلا أن تنحني لهم لصدقهم وابتعادهم عن كل الممارسات الفاسدة .بغض النظر عن معتقداتهم . البقية الباقية ...أجُبرت على أن تكون نظيفة اليد ...لإنها بمعنى أدق ..لم تتح لها فرصة لكي تفسد ...هي على استعداد وهي مؤهلة لذلك، لكن حظها التعيس ،كونها تقع خارج دائرة الفساد. باستغراب سألته ...ماذا تقول يا أخي ..كيف حصل ذلك .
انها الحقيقة التي لايحب أحدا منا سماعها .....المجتمع يا أخي من اسفله الى قمة الهرم يعيش على الفساد .والبعض حتى النظيف من ابناء البلد ..صارو يطرحون شعاراً .." الله يخلينا الفساد ،بدونه لايمكن أن تستوي الامور" هذا الشعار صار فوق الشعارات القومية والوطنية واليسارية واليمينة والوسط .وهو الشعار الوطني الوحيد الذي أمكن تطبيقه وتفعليه على ارض الواقع .ولم تحدث مرة في التاريخ أن أجمعت الامة كما أجمعت على صحة هذا الشعار..... قلت له ..لم أفهم ماذا تقصد يا أخي. أجابني وفي صدره حرقة. البلد يا أخي اصبحت مزرعة للفساد . من الرأس الى أصغر موظف.وكأني بالمسؤولين هم دعاة الفساد ،رغم ان قوانين البلد تعاقب عليه ،ودستور البلد يحاسب الكبير والصغير بدون استثاء إذا ثبت أنهم من المفسدين والفاسدين. قلت له بسذاجة ...عظيم أين المشكلة إذن . هز راسه وقال لي بصوت مجروح ... يا أخي الناس مردوا على الفساد بشكل ، حتى صار القانون والدستور يحمي المفسدين ....لم افهم ماذا تريد أن تقول....اجابني ..أخي أنا لم اشكل حزب الفساد إلا بعد أن عايشت الفساد وقاومته ،وبعد ذلك استسلمت له ....لأنه كان أقوى مني. ياسيدي تسعين بالمئة من حالات الفساد لايمكن لأي شخص كان أن يثبتها .لأنها غير موثقة ،والفساد اصبحت وسائله متقدمة بشكل حتى اصبح عولميا بكل المقاييس. ..بفضول كبير ..سألته أن يعطني مثلاً واحدا ....علّيَ أقتنع بما قاله لي. وبهدوء مطلق أجابني سأعطيك مثلين . مثل للفساد الكبير ومثل للفساد الصغير.
الفساد الكبير.
الدولة قبل أن تعلن عن  أي مناقصة عالمية ،وقبل وضع شروط المناقصة . يتم الاتصال بالشركة الطفيلية ،والتي مركزها وعنوانها الدائم هو خارج البلد .وهي الوسيطة مابين القطاع العام والشركة المصنعة .قد يكون لها وجود فرعي في البلد المعني.يطلب من الشركة الطفيلية وضع شروط المناقصة .تُقدم من قبلها للجهة المعنية ،ومن ضمن بنودها بند خاص جداً ،لايمكن تحقيقه إلا من قبل الشركة المصنعة والتي هي ستفذ العقد لاحقاً.يتم وضع الاسعار بعد ذلك بالتعاون مع الشركة الطفيلية. الجهة الرسمية تعلن عن استدراج عروض رسمية بالظرف المختوم .والمفتوح بآن واحد .يكفي ثلاث عروض .وطبعا الشركات المشاركة تسقط عروضها لكون الشرط الخاص غير محقق.الاسعار المقدمة ،فيها خمسمائة بالمائة أو أكثر عمولات ."رشاوي" .هذه العمولات توزع بشكل عادل من راس الهرم حتى أصغر موظف .كل حسب أختصاصه.العمولات الكبيرة يتم تحويلها الى حسابات خارجية أو يتم صرفها بفواتير وهمية وتدفع كاش . قسم من هذه العمولات يذهب للمسؤولين في الشركة المصنعة..... بالله عليك هل يمكنك كشف ما حصل من عملية فساد كبيرة كهذه .وإن أصابك الشك والظن ،وأنت مقتنع بحدوث الفساد... أين الاثبات ....ولو حدث أنك تملك شيئاً ما من الادلة ....مع كل أسف الكل محمي وكما يقال ظهره مغطى
...لأن الذي يحكم هو الذي يحمي .اتدري لماذا ...لأن"حصته تصل الى حسابه الغير معلن"

الفساد الاصغر.
انتشر كما ينتشر الطاعون ،واصبح الموظف ،يعتاش على ما يحصل عليه من الرشاوي .حتى صار الموظفون يتقاتلون على الوظائف التي تدر عليهم رشاوي أكثر.صدقني في بعض الوزرات يدفع الموظف خلو رجل ،لكي يأخذ مكان زميله ،والذي يعتبرونه بقرة حلابة.الدولة في الحقيقة ،لا تستطيع الآن فعل أي شيء لأنها هي التي تحمي هذا الوضع.خذ على سبيل المثال .أيهما أفضل للمواطن الذي له حاجة عند الدولة .هل يدفع الرشوة وينجز معاملته خلال نصف ساعة أم أنه سيبقى يتردد على الدائرة لمدة اسبوعين حتى ينجز السيد الموظف معاملته.المنطق يقول عليه أن يدفع وينتهي.لهذا وقر في أذهان الناس أن الفساد والرشوة هي السبيل لحل المشاكل.تصور الموظف يجلس وراء الطاولة ، وعلى جنبه اليسار وضع كرسي لا ستقبال المواطنين. على الجانب اليساري يوجد درج الطاولة أيضاً .إذا حضر أحد المواطنين للمراجعة ،ولتسير معاملتة . يجري هذا الحوار.
الموظف : تفضل استاذ .. يجلس المسكين
الموظف طلباتك يا ستاذ.... لدي هذه المعاملة البسيطة .... كلمة بسيطة.... اوقعت المواطن في الشبك. يأخذ الموظف المعاملة ،وينظر إليها ،ويقول للمواطن ...والله معاملتك معقدة شيئاً ما ويلزمها وقت طويل ... في هذه الاثناء يفتح درج الطاولة ... وينظر الى المواطن الذي عليه أن يفهم القصد ....لأن الرشوة وطريقة دفعها صارت تراثية ،وانتقلت الى كل مواطن بالتواتر. يخرج المواطن المبلغ الذي صار معروفا ،ويضعه بالدرج . يعيد الموظف النظر في المعاملة ،ويبتسم ..ليقول بعد ذلك للمواطن ...لا شغلتك سهلة إن شاء الله. وينجز معاملته بعد دفع الرشوة بسرعة.
هذه يا أخي دوائر الدولة .وهذا هو الفساد الصغير ...سألت صديقي
ما الحل يا أخي .. وهل يوجد حل لهذه المأساة ....اجابني .
المشكلة ليست بيد الدولة.الدولة بالأساس أكثر فساداً من المواطن... المواطن يأخذ الرشوة ،ليستطيع تغطية مصاريفه ومصاريف من يعيل ...المواطن لا يضع ما يحصل عليه في البنوك في حسابه الخاص ...المواطن أستطيع ان اقول عن يقين أنه مضطر.. لهذا يأخذ الرشوة .لأنه لا أمل له من قبل الدولة أو الحكم في أصلاح حاله المعاشي .
وهذه المشكلة لايمكن حلها بواسطة القوة .على فكرة "كل المرتشين من راس الهرم حتى القاعدة ،يؤدون العبادات المفروضة باوقاتها" حتى لا تتوهم أن ابتعاد الناس عن الدين هو السبب. ... الحل يكمن ..أولاً بالاصلاح السياسي .ومن ثم الاصلاح الديني الذي لابد أن يترافق مع الاصلاح الاول .لكن الاصلاح السياسي بحاجة الى قوى سياسية مؤمنة بضرورة التغير .والاصلاح الديني بحاجة الى علماء يؤمنون بصدق وبضرورة تغير المفاهيم وخاصة التراثية التي بررت وما زالت تبرر للسلطة السياسية كل ممارستها الفاسدة . نحن بحاجة الى تغير جذري في تركيبة المؤسسات الدينية المنافقة.وهذا ياعزيزي من أطول المشاوير.... هذا الاصلاح حتى يتحقق ،نحن بحاجة الى أجيال ..أو معجزة ربانية تحدث فعل التغير.
صديقي طرح حل فيه إعجاز . فهل لدى الأخوة في هذا الموقع حل ،أو تصور لحل مشكلة الفساد ،وهل لديكم أمثلة حية عن الفساد في بلادنا العربية ،حتى نعري أصحابها ،ونبدأ حملة التوعية هذه ضد الفساد . أو ...ندخل في حزب الفساد ،ونستسلم له كما فعل صديقي....

اجمالي القراءات 11779