ماذا يشعر سكان السلوم أن الدولة المصرية تضطهدهم؟

في الأربعاء ٢٦ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كشأن كل المناطق الحدودية في مصر تعاني هضبة السلوم من تهميش حاد في الاهتمام من قبل الحكومة المصرية، كما يُعاني سكانها من اتهامات واضحة بالتخوين والعمالة»، هكذا بدأ عبد الفتاح إسماعيل – باحث إجتماعي ومتخصص في شأن البدو المصريين – حديثه عن هضبة السلوم وسكانها لـ«ساسة بوست»، والسلوم هي مدينة حدودية صغيرة، تقع على الحدود المصرية الليبية، وهي مدينة ساحلية كذلك، تقع على ساحل البحر المتوسط.

بحسب إسماعيل فإن الدولة تعجز دومًا عن التعامل مع المناطق الحدودية، فهي لديها مشكلة في سيناء، وثانية في حلايب وشلاتين وثالثة في السلوم، وهي كذلك لا تستطيع دومًا كسب مودة وانتماء أبنائها المقيمين في المدن الحدودية، من وجهة نظره.

سطوة أمنية وخدمات معدومة

في الحافلة التي كانت تقلنا إلى السلوم، وقبيل مدخل المدينة بأمتار قليلة استوقفتنا لجنة أمن، صعد ضابط أمن تفحص وجوه كل ركاب الحافلة، ولم يستوقفه سوى وجهين كنت أحدهما، فأخذ بطاقات تحقيق شخصياتنا، واختفى لدقائق كنّا نعرف أنه خلالها كان يقوم بالكشف عن البطاقتين، بعدما عرف من ملامحنا أنه يرانا للمرة الأولى وأننا لسنا من سكان المدينة الصغيرة، بعدما صعد الضابط مرة أخرى بالبطاقة سألني عن سبب المجيء للسلوم، وحينما أخبرته أنها زيارة سأل عن اسم المضيف، فتركنا ننصرف، وحين وصولي أخبرني مضيفي أنه قد تلقى اتصالًا من الأمن بأنه إذا أدلى بأي معلومات لصحافيين فإنه سيعرض نفسه لكثير من المشكلات، لذا فضل عدم ذكر اسمه.

سكان السلوم
مصدر الصورة: ويكييبديا

خلال الموقف السابق تتبين ربما السطوة الأمنية الحادة على المدينة التي تصل إلى درجة المعرفة بكل فرد من سكانها، ورغم التواجد الأمني المكثف هذا، فإن التواجد الخدمي يكاد يكون معدومًا، إلى الدرجة التي جعلت سكان السلوم يظنون أن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان يرغب في جعلهم يخلون أماكنهم في بلدتهم لكي يفسحوا المجال للمشروعات الاستثمارية الكبرى، التي يحلم رجال الأعمال المقربين من النظام بإقامتها في البلدة الحدودية ذات المناظر الطبيعية الآسرة.

تواجد خدمي معدوم والتجارة محرمة إلا على رجال الأعمال

يتمثل التواجد الخدمي المعدوم في أنه لا فرص عمل، ولا مياه شرب صالحة للاستخدام الآدمي، فالمياه بحسب السكان تتسبب في إذابة المواسير التي تنقلها إليهم من شدة ملوحة المياه، مما يدفعهم لشراء الماء لهم ولأبنائهم.

تقول فتنة – وليس هذا اسمها الحقيقي – وهي إحدى سكان السلوم: «لا نشعر أننا مصريون، يتحدثون عن مصر من الإسكندرية إلى أسوان، يتحدثون دومًا عن الشمال والجنوب، لكن ماذا عنّا نحن؟! أغلبنا بدو، والبدو عائلات كبرى، قد تكون نصف العائلة في السلوم والنصف الآخر في ليبيا، فكثير منا لهم علاقات قرابة ومصاهرة في ليبيا، وهو ما جعل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يخوننا ويتهمنا بالعمالة طوال ثلاثين عامًا، وكأنهم لا يعرفون أبدًا طبيعة البدو ولا طبيعة المناطق الحدودية، لا يعرفون سوى رغبتهم في أن يصبح هذا المكان خاويًا منّا في أقرب فرصة».

«أنا ممن أطلقوا عليهم المهربين»، هكذا تبدأ سهيلة – وليس هذا اسمها الحقيقي – وهي امرأة في أواخر الأربعينيات من عمرها، وعاشت عمرها بأكمله في السلوم، كانت سهيلة تعبر الحدود الليبية، حينما كان هذا متاحًا، لتشتري بضائع من ليبيا، ثم تقوم بالسفر لتجار بمرسى مطروح، لتقوم ببيع بضائعها لهم لنقلها للأسواق المصرية، «كان دخول ليبيا في وقت من الأوقات متاحًا بالبطاقة الشخصية فقط لا غير، كنت أشتري البضائع من هناك وأبيعها هنا، لكن هذا لم يرق للنظام المصري، وأطلق على هذا الأمر تهريبًا وليس تجارة وتسبب في خراب بيوت التجار ذوي التجارات الصغيرة، ولم يغلق الباب في وجه شركاته الكبرى ورجال أعماله الكبار، الذين ظلوا يعبرون الحدود بأريحية بعدما أغلقت في وجوهنا نحن».

سكان السلوم

كنوز السلوم.. الأسماك على حافة الانقراض!

يضيف عبد الفتاح إسماعيل – الباحث الاجتماعي – في رصد وضع السلوم قائلًا: «فبالرغم من أن السلوم لديها من الإمكانيات الطبيعية بما يجعلها تملك موارد جيدة تساعدها على الارتقاء بساكنيها، وتمنع عنهم الفقر المدقع الذي يحيون فيه، إلا أن هذا لا يحدث أبدًا، وهو ما رآه السكان بأن الدولة ظلت لوقت طويل تبذل جهودًا عميقة لـ«تطفيشهم» من المكان، بدءًا من تضييق الرزق عليهم، مرورًا بالوضع الأمني المتأزم معهم طوال الوقت، منذ أن كان جهاز الأمن الوطني هو جهاز أمن الدولة، وكان يسأل كل سكان السلوم عن أسماء الضيوف الذين يزورونهم في بيوتهم، ودرجة قرابتهم منهم أو كونهم أغراب عنهم، وصولًا إلى ماء الشرب الذي يصل إلى صنابيرهم مملحًا فيشترون الماء الصالح للشرب».

«السلوم ورأس الحكمة من أكثر المناطق الغنية بالأسماك في الساحل الشمالي بمصر، نحن كنّا بأربع لانشات ويعمل عليها حوالي 24 صيادًا نصطاد حوالي 10 أطنان سمك في الأسبوع من السلوم فقط، وكانوا من أفضل أنواع الأسماك، اليوم بنفس المعدات وبنفس عدد الصيادين لا نستطيع اصطياد أكثر من طن واحد من السمك في السنة»، هكذا بدأ محمود العتريس – شيخ الصيادين بمدينة السلوم، ورئيس جمعية صيادي الأسماك بالسلوم – حديثه لنا.

ويضيف العتريس قائلًا: «هذا التدهور الحاد يرجع لعدة أسباب منها الصيد الجائر، والتلوث، والصيد بالديناميت، والصيد بالسم، وكان لهذه الأسباب أثر بالغ في تدهور الصيد وتناقص المخزون السمكي، حيث يفضي هذا إلى القضاء تمامًا على أنواع من الأسماك ويؤدي بأنواع أخرى إلى أن يصبح تناسلها ضعيفًا، حتى باتت معظم الأحياء المائية بخليج السلوم على حافة الانقراض إن لم يكن قد انقرض معظمها بالفعل، بدأت كل هذه الآثار السلبية في الظهور مع بداية التسعينيات لكن لم يلتفت لها أحد».

سكان السلوم

يؤكد العتريس أنهم فعلوا ما عليهم بصفتهم صيادين، للحفاظ على الثروة السمكية في مدينتهم الصغيرة، والتي يعتبر الصيد هو المهنة الرئيسية بها إلى جانب التجارة التي أُغلقت أبوابها بعد أن أصبح اسمها تهريبًا، فقد خاطب الصيادون باسم جمعيتهم جميع الجهات والمسؤولين لكن لم يستجب لهم أحد.

عروض رجال الأعمال تجاه السلوم

تمكن العتريس من الحصول على إحدى العروض التفصيلية التي تقدمت بها شركة الرتيم للتنمية والتعمير السياحي، وهي تعتبر إحدى الشركات الاستثمارية الكبرى لمحافظ مرسى مطروح، اللواء سعد محمد خليل، في عهد الرئيس المخلوع مبارك، بمشروع مفصل لتحويل هضبة السلوم لمزار سياحي، وهو ما أكد لدى العتريس صحة شك باقي السكان بأن ما يتعرضون له من خدمات حكومية منعدمة هو رغبة في جعلهم يخلون أماكنهم لصالح مشروعات استثمارية ورجال أعمال.

تقدمت شركة الرتيم للتنمية والتعمير السياحي، شركة مساهمة مصرية ممثلة في المهندس مجدي الظاهر – رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة – بطلب للواء سعد محمد خليل محافظ مطروح الأسبق في عام 2009، وقالت إن «من أهداف الشركة: تنمية وتعمير المناطق النائية الواعدة، فمحافظة مطروح من المحافظات الجاذبة وذات رؤية مستقبلية واعدة للاستثمار، لذا نتشرف باسم كافة شركاء الشركة ومجلس إدارتها بطلب تخصيص بهدف الشراء لقطعة الأرض الجبلية الواقعة غرب مدينة السلوم بمسطح 8350 فدان مقسمة كالتالي 5780 فدان للتنمية الاستثمارية العامة، و2000 فدان للاستثمار الزراعي، و570 فدان للاستثمار الصناعي وذلك بهدف تنميتها ثم تعميرها».

كان هذا نص الطلب الذي جاء في الصفحة التالية له نبذة عن الشركة التي تأسست بالاتفاق بين مجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين على الاتحاد لتكوين شركة الرتيم للتنمية والتعمير السياحي لاستثمار رؤوس أموالهم وخبراتهم في مجالات استثمارية متنوعة بمصر وعلى رأسها تنمية وتعمير المناطق النائية، كما جاء أن رأس مال الشركة 100 مليون جنيهًا وعدد المساهمين والمؤسسين في المشروع 25 فردًا مصريًا ينضم إليهم شركاء أوروبيون وكنديون وعرب لاحقًا.

أما عن رؤية شركة الرتيم للمشروع السياحي والاستثماري الإنمائي المزمع إنشاؤه بهضبة السلوم الحدودية فهو – حسب المشروع المُقدم – «إقامة مدينة ذات عناصر جذب استيطانية تعتمد على أن يستوطنها روادها من المصريين والأجانب طوال السنة وليس زيارتها في المواسم فقط، وإنشاء مدينة جامعية من خلال افتتاح جامعة دولية مثل أوكسفورد الإنجليزية أو السوربون الفرنسية لتستقطب طلابها ومريديها من منطقة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية بسعة طلابية تبدأ من 6000 طالب بهدف خلق منطقة جذب سكاني، وإنشاء منتجع للسياحة العلاجية من خلال افتتاح فرع لمنتجع عالمي، وإنشاء مركز للتجارة الدولية للاستفادة من الموقع الاستراتيجي لمصر، وإنشاء مارينا يخوت دولية بسعة لا تقل عن 500 يخت، وإنشاء مجمع سياحي متكامل (فنادق، مستشفي، كافيتريا، مطاعم، وسوق تجاري)، استثمار ورعاية المحميات الطبيعية، واستصلاح أراضي الظهير الخلفية وتطهيرها من مخلفات الحروب لاستغلالها زراعيًا بالمزروعات التي تتناسب مع مناخ المنطقة، وأخيرًا توفير فرص عمل جديدة لأبناء المحافظة والمساهمة في تنمية ورعاية المجتمع المحلي بالمحافظة».

وتعهدت الشركة بأنها فور إتمام الموافقة الأمنية على المشروع سيتم استكمال رأس مال المشروع والذي سيصل إلى 100 مليون جنيه خلال السنة الأولى من تاريخ استلام الموافقة الأمنية، كما تعهدت بالبدء في تنفيذ المشروع فورًا على أن يتم إنهاؤه كمدينة متكاملة خلال خمسة عشر عامًا من التراخيص النهائية للمشروع.

سكان السلوم

تنافس رجال الأعمال على هضبة السلوم

وهو العرض الذي حظي بدراسة اللواء أحمد حسين، محافظ مطروح حينها، وبعد نحو ثمانية أشهر من تقديم الطلب تداولت الصحف أنه في عام 2010 جرى التنسيق مع إحدى الشركات الكبرى لتنفيذ مشروعات استثمارية متنوعة بمدينة السلوم بتكلفة إجمالية 22 مليون جنيه – وهو ما يتعارض مع ورق المشروع الذي تعهد بتوفير 100 مليون خلال العام الأول – وقد عقد المحافظ اجتماعًا مع ممثلي شركة (الرتيم) التي من المرجح حصولها على امتياز المشروع الاستثماري المتكامل بالسلوم.

وبعد نحو عشرين يومًا من إعلان هذا الخبر اجتمع اللواء أحمد حسين مع أربعة من رجال الأعمال «الوطنيين» – والذين ثبت فيما بعد تورط بعضهم في قضايا فساد كبرى واستيلاء على الأراضي – هم محمود الجمال وإبراهيم كامل ومنصور عامر وشهاب مظهر، وكان الاجتماع بعيدًا عن وسائل الإعلام، بهدف دراسة المشروعات السياحية التي يمكن أن تُقام بهضبة السلوم الحدودية، وشهد الاجتماع وجود رغبة واستعداد لدى رجال الأعمال للمشاركة في المشروع العملاق، وعلى ما يبدو أنه قد تم إلغاء الاتفاق وقتها مع شركة الرتيم، حيث ذكرت بعض وسائل الإعلام حينها أن جهات سيادية رفضت مشاركة شركات كبرى تعمل برؤوس أموال أجنبية رغم إمكانياتها الضخمة، وذكر أيضًا أن المحافظ قد عقد لقاءات مع ممثلي تلك الشركة لإجراء مناقشات بدء العمل.

وعلى مدار نحو سبعة أعوام، جدّت خلالها ثورة 2011، التي ربما تكون قد ألغت بدورها حركة تسليم السلوم لرجال أعمال نظام مبارك وإخلائها من سكانها.

أوقات الترف ثم تسول للمرة الأولى!

مشهد لن ينساه سليم – وليس هذا اسمه الحقيقي – أحد سكان السلوم حينما رأى إحدى السيدات تقترب منه لتتسول للمرة الأولى في حياته بالمدينة، لم يكن هذا معتادًا بالنسبة لهم أبدًا، ولم يكن التسول أمرًا سهلًا عليهم، ناهيك أن تفعله السيدات، الآن أصبح هذا أمرًا طبيعيًا، ومطروقًا، «لقد اعتدنا هذا، ولم يعد يشكل بالنسبة لنا أي صدمة تُذكر، لقد تلاشت صدمة المرة الأولى تمامًا»، يقول سليم.

ويضيف قائلًا: «الناس من مصر كلها كانت بتيجي تشتغل هنا في التجارة، أيام ما كان المعبر مع ليبيا مفتوح بلا تحفظات، كان التجار يشترون سلع وبضائع من ليبيا ويبيعوها في مصر، أو يشتروا سلع وبضائع من مصر ويبيعوها في ليبيا، وكانوا بيدفعوا جمارك ورسوم وهما بيتنقلوا بين المعابر، كانت السلوم مش مكفيه الناس اللي فيها، كل الشقق مليانة وكل الفنادق محجوزة، والناس مش لاقية مكان تبات فيه فبتنام في الشارع».

قصّ سليم بأسى الجزء التاريخي للمعبر وإغلاقه تمامًا أيام الرئيس الراحل السادات، ثم فتحه بلا تحفظات حيث كان الفرد يمكن أن يعبر بين البلدين ببطاقته الشخصية فقط في جزء من عهد الرئيس المخلوع مبارك، ثم فتحه مرة أخرى لكن بتحفظات تجعل حركة الأفراد بين البلدين من خلال المعبر مستحيلة: «هنا بدأت السلوم أيام القحط والجدب المستمرة إلى الآن.. حيث بدأ الناس يهجرونها»، بأسى يختتم الرجل حديثه قائلًا: «لو لم تكن بلدنا ولم يكن لدينا مكان آخر نذهب إليه لكنّا قد تركناها مثل من تركوها».

اجمالي القراءات 2641