مترجم: أزمة الخليج.. معركة بين «مجانين العظمة»

في الثلاثاء ٢٥ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ لحظة الاستقلال نظر القطريون إلى السعودية، وقرروا أن دولتهم ستكون كل ما لم يُقدر للمملكة أن تكونه.

منذ بداية الأزمة القطرية بين قطر من جانبٍ ودول الخليج مدفوعة من الإمارات من جانبٍ آخر، تبنى الطرفان استراتيجياتٍ تتجاوز بكثير تلك المُتاحة للدول الصغرى على الساحة الدولية. يرجع هذا إلى «جنون العظمة» الذي تضخم على إثره طموح الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، وعلى رأسها قطر والإمارات، واستعدادها لتجاوز الكثير من الحدود في سبيل ضمان بقاء أنظمتها. أضِف إلى هذا قدرًا من السذاجة يمنعها من رؤية عواقب هذه الأفعال.

جيمس دورسي، الزميل الرفيع بمدرسة «راجاراتنام» للدراسات الدولية بسنغافورة، يتحدث عن جنون العظمة الذي يدفع الإمارات وقطر إلى استخدام طرق القوى الكبرى وأدواتها في السعي إلى أهدافهما على الساحة الدولية.

اقرأ أيضًا: ماذا سيحدث لاقتصادات الخليج لو تفكك مجلس التعاون؟

سنغافورة.. دولة صغيرة تعرف أنَّها صغيرة

يبيِّن جيمس الأمر من خلال مقارنة الإمارات وقطر بدولته الصغيرة؛ سنغافورة. تتسم النقاشات حول دور الدول الصغيرة على الساحة الدولية في سنغافورة بتقبل أن سنغافورة دولة صغيرة، بغض النظر عن الموقف السياسي. وهذا يشكل النقاش العام حول ما ينبغي لسنغافورة أن تفعل وألا تفعل. وهو نقاشٌ عام لن يدور بين مواطني قطر أو الإمارات.

تقدم قطر والإمارات نفسيهما للعالم باعتبارهما مركزين إقليميين وعالميين يشيدان مجتمعات معرفية في القرن الـ21 فوق أنظمة مستبدة قائمة على القبلية، يستهدف تعليمها إكساب المواطنين مهارات تسويقية تمكنهم من التفاعل مع العالم عوضًا عن تنمية مهارات التفكير النقدي. وهما تسعيان إلى بناء قوةٍ ناعمة إقليميًا وعالميًا وصناعة هوية وطنية بطرقٍ متشابهة، تتضمَّن القواعد العسكرية الأجنبية وشركات الطيران العالمية والاستثمارات الضخمة في الشركات الكبرى والعقارات والفنون والرياضة، بهدف أن تصبحا مراكز للتفوق في مجالات عدة.

مثل سنغافورة، قطر والإمارات لهما مخاوفهما المتعلقة بالأمن القومي. لكن تحقيق الأمن القومي في الدولتين الخليجيتين يُساوي بقاء الأسر الحاكمة الديكتاتورية على رأس السلطة، وليس الحفاظ على مؤسسات الدولة من التفكك بفعل تبعات التحولات السياسية التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأعوام الأخيرة. ورغم اختلاف موقفيهما من الإسلام السياسي، طورت قطر والإمارات مجتمعاتٍ لا يتمتع فيها العلماء والمشايخ بالكثير من السلطة، وتُفسَّر فيها أحكام الإسلام تفسيرًا ليبراليًا بدرجة ما.

مفترق طرق

 

لكن التشابه بين الإمارات وقطر ينتهي هنا، وتتفرع مواقفهما إلى تركة سياسية تجعل النزاع بين الطرفين محتومًا. ذلك لأن الإمارات ترى الأنظمة المستبدة عنصرًا أساسيًا من عناصر الأمن الإقليمي في المنطقة وبقاء نظامها الاستبدادي. نتيجة لذلك، دعمت الإمارات بقوة تغيير الأنظمة في عددٍ من الدول، على رأسها مصر وليبيا، ودعمت الثوار المناهضين للحكومة في ليبيا، وانضمت إلى حملة التدخل العسكري في اليمن بقيادة السعودية، وتقود الآن محاولات فرض الحصار على قطر ومقاطعتها.

سعت قطر، في المقابل، إلى دور الوساطة الإقليمية عبر الحفاظ على علاقاتها قائمة بالكثير من الدول والجماعات الإسلامية والمسلحة والثورية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واحتضنت انتفاضات الربيع العربي شعبيًا، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين التي برزت إلى السطح باعتبارها القوة السياسية الأكثر تنظيمًا من بين باقي القوى، اعتقادًا منها في إمكانية تشجيع التحول السياسي في المنطقة بأسرها دون وصول رياح التغيير إلى شواطئ قطر نفسها.

ولا شك أن المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية لقطر جاءت بهدف «تلجيم» الدولة الخليجية المارقة. ويتطلب فعل ذلك التزام الآخرين بتعريفات الدولتين للأمن القومي والإرهاب، وضم الجماعات غير العنيفة الداعية إلى إرساء أنظمة حكومية بديلة إلى قائمة المنظمات الإرهابية كونها تهدد بقاء الأنظمة وتدعو إلى احترام حقوق الإنسان الأساسية وحرية الصحافة وحرية التعبير. وفق هذه التعريفات، يمكن تسمية الملحدين في السعودية بالإرهابيين.

اقرأ أيضًا: كفٌّ وقُبلة.. كيف تتلاعب أمريكا بجميع الخصوم في الخليج؟

تاريخ استقلال قطر

قطر ليس بها مُفْتٍ أكبر مثل السعودية ومصر وعدد من الدول العربية، وتكتفي بوزارةٍ للشؤون الإسلامية والأوقاف أنشأتها بعد 22 عامًا من استقلالها.

من أجل فهم مواقف قطر ومواقف الدول الخليجية منها، يرجع جيمس إلى تاريخ استقلال دول المنطقة، وكيف تم تعريف مبادئ الأمن القومي بناءً على العوامل الجغرافية، ولماذا يُعد التركيز على جماعة الإخوان المسلمين أمرًا بالغ لأهمية في فهم أزمة الخليج الحالية.

يقول جيمس «منذ لحظة الاستقلال نظر القطريون إلى السعودية، وقرروا أن دولتهم ستكون كل ما لم يُقدر للمملكة أن تكونه». في قطر لن تتفق السلطة الحكومية مع علماء الدين على اقتسام النفوذ. واليوم، تتباهى قطر بسجلٍ خالٍ من علماء الدين البارزين باستثناء يوسف القرضاوي، المصري الحاصل على الجنسية القطرية الذي يسمح لبناته بقيادة السيارة والخروج إلى العمل.

غياب علماء الدين عن الساحة القطرية يعكس ازدواجية في نظرة حكام قطر إلى الوهابية: من ناحية هي أداة تُمِدّ حكم عائلة آل ثانٍ بالشرعية، ومن ناحية أخرى قد تمثِّل الوهابية أداة فعالة في يد السعودية تستخدمها في ترسيخ سيطرتها على قطر. لذا سعت قطر إلى توليد طبقة دينية خاصة بها بعيدًا عن الاستعانة برجال الدين السعوديين، وبعيدًا عن اقتسام السلطات معها. فقطر مثلًا ليس بها مُفتٍ أكبر مثل السعودية ومصر وعدد من الدول العربية، وتكتفي بوزارةٍ للشؤون الإسلامية والأوقاف أنشأتها بعد 22 عامًا من استقلالها.

اقرأ أيضًا: «ميدل إيست آي»: أموال السعودية قد تكون مفتاح ترامب للفوز بفترة رئاسية ثانية

الإخوان المسلمون.. هوس بن زايد

بدأ الملك سلمان في إقالة حلفاء محمد بن زايد، بل وسعى إلى التقارب مع جماعة الإخوان.
لكن بن زايد كان له بابٌ خلفي إلى القصر، وهو محمد بن سلمان، الذي صار وليًا للعهد في انقلابٍ ناعمٍ على ولي العهد السابق محمد بن نايف.

هنا تدخل جماعة الإخوان المسلمين إلى المعادلة، والتي أصبحت جزءًا من نسيج المجتمع القطري من اليوم الأول، حين تواصل القطريون مع بائع كتبٍ في القاهرة من أعضاء الجماعة، ساعد القطريين على استيراد طاقم العمل في نظامها البيروقراطي والتعليمي.

ينتقل جيمس من هنا إلى «هوس» الإمارات، وولي عهدها محمد بن زايد، بجماعة الإخوان المسلمين وشبكة قنوات الجزيرة. الصراع بين الإمارات وقطر بدأ مبكرًا، قبل سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر في 2014. انخطرت الدولتان في حربٍ خفية منذ 2011 شملت استثماراتٍ ضخمة في شركات العلاقات العامة والضغط السياسي، وتأسيس شبكة من المنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان الزائف المعتمدة من الأمم المتحدة.

يرى جيمس أن بصمات بن زايد واضحة على مطالب التحالف السعودي الإماراتي الموجهة إلى قطر، وبالأخص الإصرار على إعلان قطر جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وإجراء إصلاحاتٍ على شبكة قنوات الجزيرة إن لم يكن إغلاقها بالكامل. ويرجع هذا الإصرار من جانب بن زايد إلى النفوذ الذي تحظى به جماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش الإماراتي، وأيضًا إلى نتائج استطلاعات الرأي السرية التي أجرتها الحكومة الإماراتية، والتي أظهرت تراجع التأييد الشعبي للعائلة المالكة في أبو ظبي والمسيطرة على الحكومة الفيدرالية.

أما عن السعودية، فمشكلة انعدام الثقة بينها وبين الإخوان المسلمين ترجع إلى نشأة حركة الصحوة المعارضة في المملكة، وإلى دعم الإخوان للرئيس العراقي صدام حسين في غزوه للعراق عام 1990، ما دفع بوزير الداخلية السعودي آنذاك، الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، إلى إعلان أن الجماعة هي مصدر كل مشاكل المملكة العربية السعودية، بعد هجمات 11 سبتمبر.

لكن يظل بن زايد هو المُبادر بالتحركات لحظر جماعة الإخوان، إذ استغل قصر مدة تركيز الملك عبد الله في أيامه الأخيرة لينتزع منه موافقةً على إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية في نهاية اجتماعٍ بينهما. لكن بعد وفاة الملك عبد الله وصعود الملك سلمان إلى الحكم، كان ذلك القرار على المحك في ظل صراع السلطة الدائر داخل القصر الملكي. بدأ سلمان في إقالة حلفاء بن زايد، بل وسعى إلى التقارب مع جماعة الإخوان. لكن بن زايد كان له بابٌ خلفي إلى القصر، وفقًا لجيمس، وهو محمد بن سلمان، الذي صار وليًا للعهد في انقلابٍ ناعمٍ على ولي العهد السابق محمد بن نايف.

ينتهي جيمس إلى أن مطالب التحالف المواجه لقطر تضمنت إعادة تشكيل السياسات وتقويض السيادة الوطنية التي تفرضها عادةً القوى المحتلة على البلد المغتصب. وفي حالة نجاح هذه القوى في فرض مطالبها فإن هذا سيشكل سابقة دولية لدولٍ مثل روسيا والصين تسعى لفرض هيمنة مماثلة في مناطق نفوذها. واستمرار عجز السعودية والإمارات عن اجتذاب الدعم العالمي والإقليمي لحملتهما ضد قطر يُشير إلى أن الخيارات أمام أبو ظبي والرياض قد انحصرت إلى التفاوض على طريقٍ خارج الأزمة ينقذ ماء وجه الدولتين، أو تضييق الخناق اقتصاديًا أكثر وأكثر على قطر، أو محاولة هندسة تغيير النظام داخل الدوحة.

وأيًا تكن النهاية التي ستشهدها الأزمة، فإن كثيرًا من الدول الصغيرة تراقب الآن، إذ إن هذه النهاية ستكون لها تبعاتها على الضوابط المؤسسة للعلاقات الدولية مستقبلًا. خاصة بالنسبة لدول بحر الصين الجنوبي.

اجمالي القراءات 3324