حكايات شبابية: فادي ممدوح يري أن الحياة في مصر مستحيلة.. ويسأل بعد كام سنة ممكن أجيب سيراميك؟
حكايات شبابية: فادي ممدوح يري أن الحياة في مصر مستحيلة.. ويسأل بعد كام سنة ممكن أجيب سيراميك؟

في الخميس ٢٧ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

حكايات شبابية: فادي ممدوح يري أن الحياة في مصر مستحيلة.. ويسأل بعد كام سنة ممكن أجيب سيراميك؟ طباعة ارسال لصديق
27/11/2008

الاسم: فادي ممدوح إبراهيم
السن: 19 سنة
الحالة العلمية والعملية: طالب بالفرقة الثالثة كلية الآداب قسم بكلية اللغة الإنجليزية
محل الإقامة: مساكن الضباط، محطة المهمات بمدينة نصر، امتداد رمسيس، خلف أرض المعارض.
>> التحقت بالحضانة في إحدي المدارس المسيحية التابعة للطائفة المارونية بشبرا، التي كان مديرها جورج اسحق، المنسق العام لحركة كفاية سابقاً، ثم أمضيت الفترة من أولي ابتدائي وحتي أولي إعدادي بإحدي مدارس اللغات الخاصة بالدقي، وكانت هذه أسعد سنوات حياتي، ثم انتقلت المدرسة إلي 6 أكتوبر فانتقلت إلي إحدي المدارس التجريبية بالدقي أيضاً، لكن كان هناك فرق شاسع ورهيب بين المستوي الاجتماعي للطلبة في كلا المكانين. ومع ذلك أرجع وأقول الحمد لله أنني نقلت إلي المدرسة التجريبية لأنني لو كنت أكملت دراستي في المدرسة الخاصة لكان لدي الآن عقد نفسية فقد هناك مستويات اجتماعية عالية جداً لأن مصروفات المدرسة كانت تصل لـ 7 و8 آلاف جنيه، ولكن لأن والدي كان مدرساً بها وكان هناك شبه تقليد يقضي بإلحاق أبناء المدرسين بالمدرسة مقابل مصروفات رمزية تبلغ تقريباً 1000 جنيه استطعت دخولها. لكنني لو كنت أكملت سنوات مراهقتي هناك كنت سأشعر بالاغتراب عن المكان خصوصا أنني كنت أتلقي أحياناً دروسا مع أبناء المستويات الاجتماعية العليا.
أتذكر من هذه الأيام أن صاحب أحد مصانع البوتاجازات كان يخصص لأبنائه في المدرسة عندنا سيارة B.M.W غير سيارته لنقلهم من وإلي المدرسة.
كان معنا في المدرسة أيضاً ابن المطرب مدحت صالح ولكنني لم أكن علي علاقة به وكنت أعرفه  شكلاً فقط.
>> أنا ابن أصيل للطبقة المتوسطة، أبي كان مدرساً لكنه الآن يشارك عمي في مطعم بيتزا في أيرلندا. أما والدتي فتعمل مديرة المدرسة التجريبية التي درست بها من تانية إعدادي للثانوية العامة، وفي رأيي أن الطبقة المتوسطة تضمحل في مصر الآن، بل أشعر شخصياً أنها لم تعد موجودة، فهناك ناس تثري أكثر وآخرون يزدادون فقرا. أبسط أحلامي أن أعيش كبني آدم يتمتع بحقوق الإنسان المتعارف عليها، لكن في بلدنا لا توجد حقوق للبشر، ففي جميع دول العالم يوجد الغني والفقير كما هو الأمر في بلدنا لكن مع اختلاف أنه في الخارج يجد الفقير قوت يومه ويتمتع بحقوق عامة مكفولة للجميع، لكن في مصر إذا لم تكن غنياً فلن تعيش أصلاً،

خالي هاجر إلي كندا في السبعينيات، ولم يكن يعرف كلمة إنجليزي وتعب هناك كثيراً لكنه في النهاية شعر بأن تعبه جاء بفائدة، فعاش في بيئة نظيفة ومستقرة ونجح بعد 3 سنوات من العمل في أحد الفنادق في شراء سيارة خاصة. طبعاً السيارة هناك من مستلزمات الحياة الأساسية وهذا دال أيضاً علي الفروق المعيشية بين هنا وهناك. فأسرتي لا تستطيع شراء عربية لي بـ 100 ألف جنيه رغم أن والدي يعتبر من أصحاب الأعمال الحرة، وأضطر للبهدلة في المواصلات العامة المكتظة باللحم البشري الذي يبرز أحياناً خارج أبوابها وسط صراخ السيدات، وذلك أبسط مثال علي أن الحياة في مصر لا تطاق. ومع ذلك فلست مهموماً بأن يكون عندي سيارة خاصة. ففي الخارج هناك أيضاً مواصلات عامة لكنها لا تعرف «الحشر».
 فماذا سيضير الحكومة لو أنها زودت عدد أوتوبيسات النقل العام، لكن طبعاً ستعرف لماذا لا تفعل الحكومة ذلك؟! عندما يعلن توجيه الاتهام لرئيس هيئة النقل العام السابق بتلقي رشوة بكذا مليون ثم تبرئته رغم الضجة الشديدة التي أثارتها محاكمته المثيرة، لتعرف بعد ذلك من أحد الكمسارية الغلابة أن السيد رئيس الهيئة السابق مشارك ناس كبار قوي في البلد في شركات النقل الجماعي الخاصة التي ظهرت فجأة منذ سنوات وتكاثرت بشكل عجيب.

أنا أعاني من نفس الشعور العام بالظلم الذي ينتاب الغالبية الساحقة من المصريين بأن حكام البلد هم أصحابها فقط، أما المواطن العادي فيعيش خارج نطاق الجاذبية،

أسمع وأقرأ أشياء تغيظ أيضاً في الإعلام مثل أن إمبراطور الحديد المعروف كسب مليارات في أيام معدودة والتهم إحدي شركات الحديد الاستثمارية المشتركة إثر هبوط مفاجئ وغير مبرر لأسهمها مما تسبب في خسائر مادية فادحة لحملتها في مقابل مكاسب هائلة لمشتريها وتعاظم كبير في ثروته. المشكلة أيضاً أن الأمر لم يعد محسوماً بالمستوي الاجتماعي مع أنه من المفترض أن الإنسان يقيم بحسب مستواه الثقافي ودوره الاجتماعي لكن في مصر «اللي ما معهوش ما يلزموش» وهناك ناس معاها فلوس رغم أن مستواها الاجتماعي منخفض جداً، أعرف واحداً من هذه النوعية كان معي في المدرسة الإعدادية التجريبية ويعيش في عزبة أولاد علام وكان أبوه صاحب مقهي وشبه مخبر في المنطقة، وظل الولد  مستواه عادياً جداً إلي أن دخلنا الجامعة فبدأت أعراض الثراء المفاجئ تظهر عليه وعلي أبيه الذي فتح محلات فاكهة واشتري لابنه عربية مرسيدس تمساحة بعدما ألحقه بإحدي الجامعات الخاصة، وعرفت بعد ذلك أن أناه حقق كل ذلك باستخدام علاقته مع الضباط في توزيع الممنوعات وعرضه الأفلام الإباحية في قهوته، حتي أني قلت ساخراً لأصدقائي في إحدي المرات أن ثلاثة فقط يأخذون حقهم في البلد، الحرامي والمنافق والرقاصة لهذا السبب أشعر مثل غيري من الشباب والبسطاء بالاغتراب وعدم الأمان والخوف من المستقبل ولذلك يخاطر الشباب في موجات الهجرة غير الشرعية المتلاحقة بحياتهم ومدخراتهم في سبيل اجتياز البحر وخفر السواحل الأوروبية للتسلل إلي بلدان شمال البحر المتوسط الأوروبية، ولنفس الأسباب طفش أغلب أقاربي من البلد، لي خال هاجر كندا وآخر عاش في اليونان فترة طويلة ثم عاد، ولي عم هاجر إلي أيرلندا وابن خال جاءته الهجرة العشوائية «اللوتاري» التي تنظمها السفارة الأمريكية سنويا فحزم حقائبه وطار إلي هناك وكثيرون من نسايبي هاجروا أمريكا أيضاً، منهم واحد علي سبيل المثال كان مصوراً يعيش حياة مريحة جداً في المنيا وكان يملك محل تصوير شهير هناك ويعد من أغنياء المدينة ولكنه فضل الهجرة لكي يعمل شيالاً في سوبر ماركت بالولايات المتحدة الأمريكية حتي يضمن حياة أفضل لأولاده، كان لدي نسيبي هذا ولد عفريت شديد الذكاء هل تتخيل أنه رغم ظروفهم الصعبة أدخلوه في أمريكا مدرسة خاصة لشديدي الذكاء طبعاً كان سيختلف تماماً مصير هذا الولد لو كان استمر في الحياة في مصر، ولا أظن أن أحداً كان سيمنحه عناية خاصة كتلك التي يلقاها هناك وبالطبع سيكون مستقبله هناك أفضل نفسياً وعلمياً واجتماعياً هكذا يرمي الناس أنفسهم في التهلكة ليهربوا من البلد وأصبحوا يفضلون الموت  علي البقاء فيها، فالحياة في مصر صعبة جداً ولا تعجبني نهائياً ولو خيروني بين العمل في بنك أجنبي من البنوك المعروفة بأنها تعطي رواتب مرتفعة ومسح الصحون في الخارج سأختار السفر إلي الخارج لأني أنظر إلي المستقبل وحياة أولادي والثلاثة آلاف جنيه التي سأحصل عليها شهرياً من البنك ستسعفني بالكاد في تجهيز حياتي والصرف علي أسرتي بعد الزواج مادمت أفكر في أن أعيش معهم في مستوي جيد ويمكن لا تكفيني أيضاً لأن أقل شقة تعاونية في منطقة متوسطة يبلغ ثمنها اليوم 300 ألف جنيه وسأحتاج للهروب من حشرة المواصلات إلي شراء عربية بعشرات الآلاف من الجنيهات، وسأحتاج أيضاً إلي بضعة آلاف لإلحاق أبنائي بمدارس خاصة بعيداً عن التعليم الحكومي الخرب، كل هذه الفلوس تكاليف بدائية لأي أسرة جديدة وأي شاب يفكر في الزواج اليوم في حاجة إلي نصف مليون جنيه علي الأقل ليبدأ حياته بشكل جيد وأظن أني لن أستطيع تدبير هذا المبلغ إلا إذا «لقيت لقية» أو أصبحت حرامي فالحياة بره أسهل رغم أني أعرف أنني لن أجد الدنيا مفروشة بالورود ولا دولارات في الأرض ولا كلوديا شيفر في استقبالي بالمطار وأعرف أني سأتعب كثيراً لكني ضامن علي الأقل بأني لن أظلم بالشكل الفادح الموجود هنا وسيكون هناك مقابل لتعبي.
يزيد من صعوبة الحياة في مصر الثقافة الاستهلاكية الآخذة في الانتشار يوماً بعد آخر، أحد أقاربي تزوج قريباً واشتري بـ40 ألف جنيه سيراميك لشقة الزوجية، جلست يومها أفكر بعد كم سنة من حياتي العملية سأدبر هذا المبلغ الرهيب؟!
لم أر في حياتي بلداً يشترط كل هذا الكم من العقبات أمام الزواج مثل تجهيز الشقة الفاخر والمهر والشبكة طبعاً السبب في ذلك الفارق المهول  بين الحياة التي يراها الناس علي الفضائيات وحياتهم الواقعية، فازدادوا نهماً وجنوناً، فالحياة في مصر أصبحت صعبة جداً بسبب سياسات الدولة وثقافة الناس <

اجمالي القراءات 3031