تطبق "الإدارة الذاتية" في المنطقة التي يسمّيها الأكراد"روج آفا"(شمال سوريا)، نظام "بلديات الشعب" الممولة ذاتيا، وتنظم لأول مرة "الزواج المدني" في مجتمع لم يعرف غير الزواج الديني.
وتقول سما بكداش، الرئيسة المشتركة لهيئة البلديات في "روج آفا" (المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا)، لـوكالة "سبوتنيك" الروسية، إن فلسفة العمل البلدي تنطلق من أن "نظام الدولة القومية في الشرق الأوسط بات يحتاج إلى تغيير جذري، وهذا التغيير يشمل الجانب البلدي، الذي نعمل على وضع أسسه".
وتوضح أن "كل ما سمي بربيع الشعوب لم ينتصر، لأنه اقتصر على تغيير الأشخاص، وليس إحداث تغيير في المجتمع. وأما في روج آفا، فالوضع مختلف، فالثورة تنطلق من أسس تنظيم المجتمع، والعمل البلدي جزء من ذلك" إذ أنه يتم تقديم الخدمات للأحياء والمدن من خلاله ، سواء أكان ترميم الطرق، أو صيانة شبكات الصرف الصحي وتنظيف الأحياء من القمامة ونقلها إلى مكبات خارج المناطق المأهولة، إلى جانب المشاريع الأخرى المرتبطة بالشؤون الاجتماعية.
وتضيف بكداش بأنه "منذ بداية ثورة روج آفا، شرعنا في تنظيم المجتمع على كافة المستويات، بما يشمل كل القطاعات الشبابية والنسائية، وهو ما أفضى إلى تشكيل الإدارة الذاتية، التي تشمل كافة فئات المجتمع"، مشيرة إلى أن "الإدارة الذاتية، حين تشكّلت، كانت تضم 24 هيئة، وباتت تضم 16 هيئة حاليا، من بينها هيئة البلديات" التي تشكل أول مجلس بلدي منها في مدينة القامشلي، قبل أن تنتقل التجربة إلى باقي مدن الجزيرة، ومن ثم إلى القرى، وحالياً وصل العدد إلى 18 بلدية في المدن، و70 بلدية في القرى".
وتشير بكداش إلى أنه "جرى تفعيل كافة الأقسام في المجالس البلدية بشكل تدريجي، حتى باتت تشمل الشباب والنساء والأطفال، بالإضافة إلى قسم الزواج المدني، والشؤون الصحية، والدوائر المختصة بشؤون العلاقات الخارجية والمشاريع الإنمائية، وهذا العمل يتطوّر عاماً بعد آخر".
من جهتها، تقول المهندسة دجلة حمو، الرئيسة المشتركة لمجلس بلدية مدينة ديرك، رداً على سؤال حول سبل تمويل المشاريع التنموية في منطقة واسعة مثل شمال سوريا، إن "تنظيم البلديات ينطلق من مبدأ "الكومونات"، ويستند إلى التواصل الدائم مع كافة فئات المجتمع، والأساس في ذلك، هو المصداقية والشفافية". وتضيف بأن "الجباية تعد من مصادر التمويل الأساسية للعمل البلدي"، مؤكدة أنها "تتم بشكل منظم، ولا تلقى أي اعتراض من أحد، خصوصاً أن الكل يدرك بأن ما يُدفع من جباية يتم استخدامه بشكل فعال ومناسب في المجال الخدمي، وذلك في إطار عال من الشفافية، من خلال النقاش المجتمعي، والتقارير والموازنات الدورية".
وتأمل حمو في أن يتعرف العالم على هذه التجربة البلدية، بما يجعل ممكناً التوصل إلى اتفاقات توأمة مع بلديات أخرى، وهو ما قد يشكل دعماً إضافياً لكل تلك الجهود، مشيرة إلى أن مبادرات في هذا الإطار جرت في السابق بين بلديات في إيطاليا وبلدية كوباني، بينما توقفت مبادرات أخرى مع بلديات في المناطق ذات الغالبية الكردية في تركيا، بعد موجة الاعتقالات التي طالت رؤساء المجالس المحلية من قبل السلطات التركية.
وحول المعوقات الأخرى التي تواجهها تجربة العمل البلدي، من الناحية الاجتماعية، لا سيما في الشق المتعلق بالرئاسة المشتركة بين الرجل والمرأة، واعتمادها الزواج المدني، في مجتمع شرقي يتسم بالطابع المحافظ، تقول بكداش إن "نظام الرئاسة المشتركة لقي قبولاً مثيرا للاهتمام، ففي بداية تجربة البلديات عانينا من تلك المشكلة، لأن الناس لم تكن معتادة على مراجعة شؤونها لدى امرأة، ولكن سرعان ما بات ذلك طبيعياً، لا بل مستحسناً، خصوصاً أن المرأة أكثر قدرة على الشعور بمشاكل المجتمع، وقد أثبتت جدارة ومسؤولية في هذا الإطار".
وفيما يتعلق بالزواج المدني، تقول بكداش بأن "أول عقد زواج مدني، أو ما نسميه عقد الحياة المشتركة، تمّ تنظيمه في العام 2013، وقد قوبل الأمر بداية ببعض التحفظات، ولكن سرعان ما بات الأمر طبيعياً".
وفي هذا السياق، تشير حمو إلى أن "الإدارة الذاتية تنطلق من مبدأ الأمة الديموقراطية، وأساسيات هذا الفكر هي الديموقراطية والتحرر الجنسوي والإيكولوجيا، وهذه المبادئ الثلاث هي من صلب الطبيعة الإنسانية. السلطات الحاكمة والأفكار الرأسمالية السائدة جعلت الناس تبتعد عن تلك الشعارات، والرضوخ للمظاهر الشاذة، من قبيل عبودية المرأة ومعاداة البيئة. ولكن حين تقوم بتنظيم المجتمع على أساس تلك المبادئ الثلاث، فإن المجتمع سرعان ما يتقبلها مجدداً، لأن طبيعته هكذا، خصوصاً إذا ما ارتبط ذلك بوجود عدالة. وانطلاقاً من ذلك نحن على يقين بأن ذهنية المجتمع ستتغير، وإن كان ذلك يحتاج إلى بعض الوقت".