لعبة العروش في السعودية: انقلاب ملكي على الأمير محمد بن نايف

في الأربعاء ٢١ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في الثالث والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2015، وافت المنية الملك عبد الله بن عبد العزيز، ليرثه أخواه الملك سلمان، وولي عهده الأمير مقرن بن عبد العزيز، ليُختم بهما سليل الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ويجيء دور الأحفاد، لكن ما إن جاء الملك سلمان بن عبد العزيز حتى أطاح أخاه الأمير مقرن، ولي العهد، مقررًا القفز منه مباشرةً إلى جيل الأحفاد.

كانت اللعبة ذاتها يديرها خالد التويجري، والأمير متعب بن عبد الله إبان حكم أبيه، الراحل عبد الله بن عبد العزيز، إذ كانا يروجان لضرورة تنحي ولي العهد آنذاك، سلمان بن عبد العزيز، لكبره وعجزه المحتمل عن أداء مهام الملك، ليُصعَّد أخوه مقرن ويليه الأمير الحفيد، متعب بن عبد الله وليًا لولي العهد، فيكون بذلك أول الأحفاد الملوك، لكن عاجل الموت أباه، وذهب المُلك لسلمان العجوز.

تأخرت ترتيبات إعفاء الأمير مقرن لأبريل/ نيسان 2015 – بعد تولي سلمان الحكم في يناير (كانون الثاني) من نفس العام- وسبقتها إطاحاتٌ أكثر أهمية، إذ أطاح الملك سلمان بعد سوعيات من وفاة أخيه وحتى قبل أن تقر له هيئة البيعة بالحكم رسميًّا، الثنائي خالد التويجري والأمير متعب، وثالثهما بندر بن سلطان (في مرسومٍ ملكيٍّ لاحق بعد أقل من أسبوع)، الدبلوماسي المخضرم الذي كان حينها أمينًا عامًا لمجلس الأمن الوطني السعودي، والمنوط بوضع استراتيجيات الدفاع للملكة.

جاء تصعيد الحفيد الأول لهرم القيادة بمجرد وفاة الملك عبد الله، وهو الأمير محمد بن نايف (57 عامًا) وليًا لولي العهد، حتى كانت اللحظة الأولى لدخول الحفيد الثاني هرم القيادة في التاسع والعشرين من أبريل/ نيسان لذات العام، بإعفاء الأمير مقرن ولي العهد السعودي، ليصعد ابن نايف مكانه، ويحل الأمير الشاب (31 عامًا) ابن سلمان وليًا لولي العهد. وبهذا يكون ابن سلمان آخر الأبناء الملوك، ويفترض لابن نايف أن يكون أول الأحفاد الملوك لكن الأمير الشاب، كان له رأيٌ آخر.

ثلاث محطات نزل فيها الأمير قبل اليوم

ثلاث محطات مر بها ابن سلمان للحكم، بعد توليه وزارة الدفاع يناير/ كانون الثاني 2015، وولاية ولي العهد في أبريل/ نيسان لذات العام، وسن ابن سلمان سُنةً، بأنه كلما همت المملكة بحدث جلل يتصدره الأمير الشاب؛ فإن ذلك يعني تصعيده في سلم القيادة درجة.

1- عاصفة الحزم:

لدحر الحوثيين المنقلبين على الإدارة اليمينة الشرعية، والمعترف بها دوليًّا، والتي حشد لها وزير الدفاع، وتصدَّر مشهدها في صورة أشبه بصور ملوك القرون الوسطى، وهم يتجهزون ليس فقط للحرب، وإنما لجني ثمارها واستلاب نياشينها، غير أن ابن سلمان جنى ثمارها فقط بعد انطلاقها بشهر واحد، وهي لم تزل مستعرة، يتأذى منها شعب اليمن، ووحدة اليمن، وأطفال اليمن وعجائزه!

في الثانية من صباح الخميس 26 مارس/ آذار 2015 بتوقيت السعودية، قصف جيش الأمير مواقع لأنصار الله الحوثي في اليمن ومناصريهم من ميليشيات الرئيس اليمني المعزول علي عبد الله صالح، وفي السادسة والنصف من صباح التاسع والعشرين من أبريل/ نيسان، كان قرار إعفاء الأمير مقرن وتصعيد الحفيدين ابن نايف وابن سلمان يُذاع على قنوات التلفاز السعودي الرسمي، ومعلوم بالضرورة أن التغيير استهدف إدخال ابن سلمان بالأساس، وليس تصعيد ابن نايف، لكنهما في هذا الظرف اقترنا.

2- 2030.. القوة وحدها لا تكفي يا سمو الأمير

في الـ 25 من أبريل/ نيسان 2016، خرجت من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي برئاسة الأمير الشاب خطة اقتصادية «ستُغير وجه المملكة»، ستقضي على «آفة الاقتصاد» الريعي، وسيكون للمملكة استثمارات في مجالات غير النفط، هكذا رُوج لها بما اعتبره محللون اقتصاديون ضربًا من الوهم، لكن ما تزال الخطة قيد التنفيذ كما يقول الأمير، ويعتبرها أبرز مواطن قوته وتصدره للمشهد، الذي يجمع فيه بين حزم القيادة، وحنكة الإدارة.

3- حصار قطر

وهي واحدة من المواطن القيادية النادرة في منطقة الخليج العربي، التي تحركت فيها السعودية ممسكة بزمام المبادرة. في حدثٍ جلل كهذا لم تتكشف تبعاته بعد، يعني أن المنطقة مقبلة على مجهول. ولعل جزءًا من المجهول قد تكشَّف قبل سويعات، بإزاحة ولي العهد مفسحًا المجال لولي ولي العهد، وتعتبر قطر على إثر التعيينات الملكية الأخيرة أبرز الخاسرين، إذ كان الأمير محمد بن سلمان رأس الحربة مع الأمير محمد بن زايد، في حصارها الحالي، غير أن الأمير المُبعد محمد بن نايف كان قد عقد اجتماعًا ثنائيًّا مع وزير الداخلية القطري في قصر السلام بجدة – قبل شهرٍ واحدٍ من الأزمة-، ما يعني أنه على درجة من الود مع القيادة القطرية، وغير فاعلٍ في الأزمة الخليجية الحاصلة.

محمد بن زايد.. «الأستاذ»

في رسالة إلى الصحافي الأمريكي المعروف ديفيد إيغناتيوس، مؤرخة في 21 أبريل/ نيسان الماضي، يستعيد يوسف العتيبة مقالة لإيغناتيوس تتحدث عن صعود الأمير محمد بن سلمان، يشكره فيها على وقته الذي قضاه مع ولي ولي العهد السعودي. وقد رأى بعض المعلقين أنّ هذه الرسالة تشير إلى احتمال أنّ العتيبة نفسه رتّب اللقاء بين الرجلين. ويتوجه السفير الإماراتي إلى الصحافي والكاتب في «واشنطن بوست» بالقول: «يبدو أنك بدأت تفهم تطلعاتنا في السنتين الأخيرتين»، مشيرًا إلى أنّ ما يريده الإماراتيون هو «التغيير؛ تغيير في الأسلوب، تغيير في المنهج، تغيير في الطريقة». ويقول: «أعتقد أننا نتفق جميعًا على ضرورة التغيير في السعودية. وأنا مرتاح الآن لأنك بدأت توافقنا الرؤية. صوتك ومصداقيتك عاملان أساسيان للإقناع». وفي جملة شديدة الوضوح، يختم بالقول: «عملنا الآن أن نقوم بكل ما في وسعنا للتأكد من أنّ محمد بن سلمان سيخلف والده»!

يجري سايمون هندرسون مقارنةً بين الأمير محمد بن زايد، ومحمد بن سلمان، ويصف العلاقة بينهما والتي تعاظمت في الأزمة الأخيرة، بالأستاذية، فابن زايد ينظر لابن سلمان باعتباره تلميذًا معجبًا به وبتدرجه في السلطة، ويرى فيه النموذج الممكن، والقابل للتحقيق، فمحمد بن زايد هو الآخر جاء من بعيد؛ فابن زايد يقوم بإدارة أبوظبي التي تحتوي على معظم احتياطات النفط في الإمارات، منذ تعيينه نائبًا لولي العهد عام 2003 وترفيعه إلى ولاية العهد عام 2004، بعد وفاة الوالد المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، صحيح أنه من الناحية النظرية، فإن أخاه غير الشقيق، الأكبر سنًّا، خليفة هو حاكم أبوظبي ورئيس الاتحاد، ولكنه أصيب بعدة جلطات دماغية وأمراض أخرى، ولم يعد يظهر في العلن.

كلاهما حتى الآن حاكم فعلي وإن لم يكن رسميًّا، وبقرار الملك اليوم يصير محمد بن سلمان المتحكم الأول في المملكة، وصاحب القرار والنظر، بينما والده الكبير يقدمه على الدوام، وتأتي ثنائية ابن زايد وابن سلمان على حساب محمد بن نايف، ومعروفٌ ما بين ابن نايف وابن زايد من ضغينة، على إثر تسريباتٍ نقلها موقع ويكيليكس عام 2003، يقول فيها الأمير ابن زايد أن نايف (والد الأمير محمد، ووزير الداخلية الأسبق) يتلعثم، وأضاف أن ذلك يثبت أن «داروين كان محقًّا»، في إشارةٍ لوصفه بالقرد، وكان ابن زايد يخشى أن تدور الدائرة ويأتي محمد بن نايف لقيادة المملكة، فيكون شقاقًا بين المملكة وأبوظبي، واليوم كسب ابن زايد الرهان، وغيَّر وجه السعودية ووجه الخليج والمنطقة العربية.

غير أن الكثير من نقاط الخلاف تظهر بين الحين والآخر في أجندات الرجلين، فبينما يولي محمد بن زايد ملف الإسلام السياسي جُل جهده، يجعل ابن سلمان من إيران عدوًا له، حتى أنه في لقاء تليفزيوني سجله مع الإعلامي السعودي، داوود الشريان، والذي انتقد فيه إيران، صرح بأن بلاده ستعمل على نقل المعركة للداخل الإيراني، وهو تصريح يفتقر للدبلوماسية، يشي بما يكنّه الأمير لألدّ أعدائه، إيران.

لم يكن الأمر مفاجئًا للمتابعين، المفاجئ هو سرعة التنفيذ والإذعان من قبل الأمير المبعد وأولاد عمومته في الأسرة المالكة، لا سيما وأن الأسرة الحاكمة اليوم على مفترق طرق، تنتقل فيها السلطة من الأبناء إلى الأحفاد، وكون الأمير محمد من صغار الأبناء سنًّا فمن المنتظر في قادم الأيام أن تشهد المملكة تصعيدًا للجيل الرابع، أحفاد الأبناء، تجاوزًا لجيل كامل أو لغالبيته من أبناء الأبناء، وكانت بدايته صباح اليوم مقترنةً بقرارات تصعيد الأمير محمد، إذ تقرر تعيين عدد منهم مستشارين بالديوان الملكي، وسفراء للملكة في بلدان أجنبية.

اجمالي القراءات 3845