هذه ندوة تمت برواق ابن خلدون الشهر الماضي ويتبن من خلالها اتهام الإسلام بأنه ذاتي ( مصنوع ) ، وعليه يجب التصدي لهذه الرؤية ببان موضوعية القرآن بمعنى منطقيته وعلمه وعدم تضارب آياته ، فهل نحن قادرون على ذلك ، والندوة جاءت على النحو التالي :
هذه الندوة تمس " تتداخل " في محورين من أهم محاور أجندة مركز ابن خلدون وهما : " السلام ، الإسلام والاصلاح " والعرض قد يجافيه الصواب بنسبة ما
ولكن يبقى هذا العرض كرؤى كاشفة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية وتوجهاتها .
* فعن محور " السلام " والذي تعرض له المهندس / محمد الشناوي من منظور ذاتية الأديان وموضوعية العلم الذي يجب ان نأخذ به بعيدا عن الأديان
فنقلا عن كتاب الحكمة الهندي ( 400 ق . م ) قال : ان الفكرة الخاطئة تضر بصاحبها أكثر من أي شيء آخر يمكن تخيله .. إذ لابد من إعادة التفكير جوهريا وليس سطحيا في مفهوم فكرة الألوهية لما لها من آثار ضخمة للغاية على العلم والمعرفة والمجتمع ( في كل المجالات ) ، ومهما عظمت فكرة الألوهية وسواء أردنا أو لم نرد فهى بطبيعة الأمور وبكل تأكيد موضوع لنظرية المعرفة .- يعلي من قيمة المعرفة على حساب الله -، وأن الإنسان يتفرد بأنه حيوان ميتافيزيقي يفكر في الغيب وفيما وراء الكون وما بعد الموت ، ولما كان الدين هو أهم جوانب هذا الفكر الميتافيزيقي فإن دراسته تعتبر دراسة لجوهر الإنسان .ويتساءل عن سبب عدم الإتفاق على دين واحد بدلا من الأديان المتعددة والتمسك بها جنبا إلى جنب ( مشكلة الاختلاف ) ، ويجيب عارضا لطبيعة المعرفة ، وظيفة الدين للإنسان ، وعليه يقدم نوعي المعرفة :
1. " المعرفة الموضوعية " ومجالها العلوم والرياضيات ومعيار صدقها " الاتساق مع الواقع الخارجي "، وأدوات هذا النوع من المعرفة " العقل والحواس " وأوضح عدم التقرير " اليقين " في الفكر الرياضي والفيزيائي
2. " المعرفة الذاتية " : هي منهج نظري تأملي وليست منهج تجريبي ، ومعيار الصدق الإنسان الذي قد تتدخل مشاعره وعواطفه ، وعليه يمكن لفكرتين متناقضتين أن تتعايشا سويا لقرون عديدة ودون أن تنفي احدهما الأخرى ( لأن الفكر الذاتي في معظمه يخاطب الوجدان لا العقل ) وهذا يوضح ويفسر تعايش أديان مختلفة ومتناقضة للعديد من القرون على عكس المعرفة الموضوعية التي لا تقبل التناقض ولا عدم الاتساق .لذلك يؤكد على أن المعرفة الذاتية ومنها الدين تقبل التناقض الذاتي والموضوعي ، ثم ينتقل إلى الإجابة عن وظيفة الدين ولخصها فيما يلي : إشباع الحاجة العقلية ، الأمل في التعويض العادل عن هذه الحياة الدنيا في حياة أخرى أبدية ، منح النفس الثقة والهدوء حتى ولو كانت بأسباب كاذبة ، الأمر بمكارم الأخلاق والتي تقوي الروابط الاجتماعية ، إثبات ألذات أمام النفس والآخر بل والعالم المادي ، الدين في خدمة الدولة والسياسة ، والدين الأفضل هو الذي يحافظ أكثر على حقوق وكرامة وحرية الإنسان الذي يؤمن به وانتهى من هذا الجزء بالتأكيد على عدم استطاعة تجاهل المعرفة العلمية لننجح في حياتنا ، ولكننا نستطيع وبمنتهى السهولة والبساطة إنكار دين ما ولا تستوقفك أو تنكر عليك ذلك الطبيعة ولكن قد ينكر ويستنكر عليك ذلك المجتمع الذي تنتسب إليه وقد يعاقبك ، .أن كل مساوئ الدين تأتي إليه من النظر له كموضوع موضوعي ، وكل حسنات الدين تأتي له من النظر إليه كموضوع ذاتي .وانتهى بقوله : إن كود النجاح لشفاء شعبنا هو أن تنظر للعالم بالعقل وتستخرج قوانين العلم للسيطرة على الوجود وتعيش عصرك وليس عصور مرت عليها عشرات وعشرات من القرون .فعلاقتنا مع العالم والكون إما أن يسيطر علينا ونكون عبيده أو نسيطر عليه بالعقل والعلم ويكون عبدنا " العقل ليس إناء تملأه ولكن شعلة تشعلها " وأرجو أن أكون نجحت في إشعالها
*وعن قضية " إصلاح الفكر الديني ، تحدث أحمد شعبان من منظور موضوعية القرآن الكريم فبعد ترحيبه بالسادة الحضور قائلا :إن ما أتحدث عنه هو نتيجة تراكمات معرفية استمرت أكثر من ثلاثين عاما ، وأتوقع أن تقابل من البعض بالقبول ، ومن الكثيرين بالرفض .والقبول يأتي بالتجرد من المسلمات الموروثة والتي لا يختلف أحد في أنها لا تأتي إلا بالمراجعة ، أما الرفض فيأتي نتيجة الانغلاق.
.المهندس محمد الشناوي كلمنا على أن الدين لا يجب أن يترك لرجال الدين فقط ، وهذا كلام صحيح وأوافقه عليه ، لأن الدين ليس جانب تعبدي فقط ولكنه حياتي شامل .تحدث سيادته على أن القرآن يدعوا إلى رد الاعتداء وليس الاعتداء ، ووصف المسيحية بأنها قمة التسامح وقبول الآخر ، بصرف النظر عما هو واقع من أتباع الديانتين ، وعندما تحدث عن التوراة وصفها بأنها دين تطرف وغلو واعتداء .لذلك كان لي سؤال ألم يكن الإسلام يتهم بمثل ما تتهم به التوراة ، لذلك أود أن أقول بأن مفهومنا للإسلام هو مفهوم خطئ لذلك يروج المغرضون بأنه دين اعتداء وبغي خصوصا المتطرفين منا يتبعون تلك الرؤى ويقدمونه علىأنه دين إرهاب وفي المقابل أيضا يقدم على أنه دين إرهاب بالنسبة لأصحاب الحقوق المهدرة والذين يحاولون الحصول على حقوقهم ويكون مصدرهم الدين ، بمعنى رد اعتداء وليس اعتداء.
وأنا أرى من كلام المهندس محمد أنه تراثي بحت ، ليس تراثي ديني ولكنه تراثي فلسفي ، وسأعرض على حضراتكم رؤيتي اثنين من الفلاسفة ، احدهما " عمانوئيل كانت " وهو الذي اعتمد عليه المهندس محمد في كلامه ولم يستشهد برؤية مغايرة لفيلسوف آخر ، " وكانت " لا يفرق بين الذاتي والموضوعي ، ويقول بأن الموضوعية تصنعها الذاتية والحس ، وبذلك يرفض الميتافيزيقا والأديان والإله ، وهى رؤية نقلية ولم يأتي إليها برؤية مستحدثة.لذلك فالمهندس محمد يعتبر الدين شيء ذاتي ولا تدخل فيه الموضوعية ودلل على ذلك بالارتباك الناشئ الذي نعيشه . والفيلسوف الآخر هو " هيجل " والذي يقر بالفارق بين الذاتي والموضوعي ولكن فلسفته تتبلور حول الديانة المسيحية ، . ومن حيث وجوب المراجعة فأتفق معه تماما ، ولكن المشكلة في أنه يقر من البداية أن الدين ذاتي ويرفض الدين والإله والميتافيزيقا واليوم الآخر فلما المراجعة لهذا الدين او ذاك ؟ !!! ، لماذا أراجع هذا الدين في وجود رفضي له ، هل هذا المراجعة محاولة للتوفيق أو التلفيق حتى يتمشى مع الواقع المعاش .المهندس محمد قرأ لي موضوعا وحرصا على وقت حضراتكم لن أعرضه ولكني أرجو أن يعلق عليه ، وحينما سألته عنه الأسبوع الماضي ، أجاب بأن هذا الموضوع متسق تماما تسقيا " موضوعي " ولكن به عيب خطير ( غيبي ) وكان ردي عليه بسيطا وموضوعيا .الغيب الحسي عنا هو الله فقط لوجود حجاب بيننا وبينه ( ليس كمثله شيء ) ، وهذا قد عالجته في موضوع غاية في الأهميةلأنه يقدم حلا لإشكالية كبيرة في موضوع التوحيد الإسلامي ، قمت بهذه المعالجة من خلال إيجاد العلاقة بين لفظ الجلالة الله والأسماء الحسنى ، أثبت فيها أن الأسماء الحسنى مملوكة لله وليست ذاته ولا جزءا من ذاته ولكنها مملوكة له كأي شئ في الوجود .
وأود أن يعلق على هذا الموضوع الذي قال أنه قد قرأه بمنتهى الدقة ، لكي أقوم بالرد عليه فيما يراه فيه من ذاتية او موضوعية ، .المشكلة أننا حتى الآن بعيدين عن المراجعات الصحيحة ، ولم نتبع المناهج العلمية في فهمنا للدين ، ولم نتبع الرؤية النقدية في نظرتنا لهذا الدين وخصوصا لكتابه الأساسي " القرآن الكريم " ، وتبعدنا رؤية المهندس محمد عن النظر إليه موضوعيا وأنا في انتظار مناقشة المهندس محمد .ول موضوعية " القرآن الكريم " .