لا معروف إلا بالمعروف
يقول تعالى في كتابه العزيز:
((قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)) سورة البقرة آية 263.
والقول المعروف هو الصدق، وليس هناك أصدق من كلام الله عز وجل حين يتحدث أي إنسان بما ينفع الناس، وخاصة إذا كان يتحدث على المستوى العقيدي لهم، وقد تكرر هذا القول في القرآن أكثر من مرة على لسان أنبياء الله ورسله عليهم السلام جميعاً، فمنهج المعروف في القرآن هو الصدق، أما الشيء الذي لم يعرف له أصل من فصل ذلك هو الأذى، والذي قال عنه المولى عز وجل:
((... خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)) سورة البقرة آية 263.
والأذى بمعنى أن تظل الناس عن طريق الإنفاق عليهم، حتى يتبعوا فكر ما سواء أكان الإنفاق على المستوى الفردي أو الجماعي فالنتيجة واحدة، وكما تعلمون أن هناك بعض الدول تنفق المليارات على الشباب البائس والجماعات المتطرفة، وهنا تصبح هذه المليارات التي تنفق على هؤلاء ليس بالمعروف طالما أنها القصد منها أهداف سياسية أو اقتصادية أو ما شابه ذلك، والدليل أن الدول الممولة لتلك الجماعات تمول في السر والخفاء، وحتى منذ ظهور هذه الجماعات وهم على نفس النمط، وهذا يدعو إلى أن أسأل هؤلاء سؤال، هل من يحث الناس على المعروف يكون في الخفاء والسرية؟!... أم يكون واضح وضوح الشمس ليصحح ويحاور ويناقش بما فيه الصواب؟!... أم يحكمون على الناس أنهم على خطأ باسم الدين وهم مختبئون؟!... ولقد أمر الله في أمور التشريع مثل أمر الزواج والميراث وغيرها من الأمور حتى تعلم الناس، فقال عز من قال بما يخص الميراث: ((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)) سورة النساء آية 8. حتى يعلم من له حق عند أي شخص بما يخص الميراث، وقوله تعالى عن الزواج: ((وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)) سورة البقرة آية 235.
أي نهى الله عن السرية في الدين، وبالرغم من كل ذلك نشأت هذه الجماعات وما زالوا يعملون في سرية حتى لا يكشف أمرهم إلى ملايين العامة من الناس، وليس هناك دين ينشأ في سرية، لأن الله أمر من يعتنق دين الله أن يقول للناس الحسنى، وقوله تعالى: ((..... يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) سورة المائدة آية 54.
فكيف نقول للناس الحسنى ولا نخشى في الله لومة لائم ونحن في سرية أو نكون مختبئين؟!.. فإن القول المعروف ليس فقط أن يتصدق إنسان على إنسان، وإنما إذا تحدث أن يتحدث بالقول الصادق كما قال الله عز وجل: ((اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً)) سورة النساء آية 87.
وهذا لا يختلف عليه أحد بغض النظر عن الديانات حتى لو كان غير مسلم إذا اختلف أحد الأشخاص مع شخص مسلم على أي شيء دون مقدمات لا يحلفه إلا على كتاب الله، وهذا دليل على أن هذا الكتاب هو المعروف بالصدق بكل ما فيه.
رمضان عبد الرحمن علي