أدت إيران دورا جوهريا في المفاوضات التي تمخضت عن الهدنة الأخيرة بمدينة الصدر بضاحية يغداد، كما قامت قبل ذلك بمساعي وساطة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار بمدينة البصرة جنوبي العراق.
ويلقي دورها في خفض حدة التوتر بين الفصائل الشيعية ضوءا كاشفا عن مدى نفوذها في هذا البلد.
ويبدو أن الرئيس العراقي جلال الطالباني كان وسيطا أساسيا بين الحكومة العراقية وإيران.
المرحلة الأولى: البصرة
آخر مراحل الصراع على السلطة بين الفصائل الشيعية بدأت عندما أرسل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في ماري/ آذار الماضي، دون إنذار، قواته من اجل كسر شوكة الميليشيات التي بسطت نفوذها على البصرة.
وكان هدفهم الأول هو مليشيا جيش المهدي التي يتزعمها مقتدى الصدر.
لكن بعد ستة أيام من المعارك، استطاع جيش المهدي أن يحافظ على ولاء عناصره، بينما انسحب المئات من الجنود القوات العراقية، متسببين في إحراج رئيس الحكومة العراقية.
وتمكنت إيران بفضل صلاتها بالحكومة وبالفصائل الشيعية من إنهاء العنف.
واستنادا إلى تقرير صحافي مفصل نشرته الكريشتيان ساينس مونيتور، فإن هذه الوساطة تمت بعد أن وجه الرئيس طالباني نداء إلى قائد جيش القدس البريجادير جنرال قاسم سليماني.
وتتهم السلطات الأمريكية "جيش القدس" -وهو الذراع الخارجي للثورة الإسلامية في إيران- بتدريب الميليشيات الشيعية في العراق وتسليحها.
المرحلة الثانية: مدينة الصدر
هدأت المعارك في البصرة على ما يبدو، لكن الصراع بين الشيعة انتقل إلى مدينة الصدر بضاحية العاصمة العراقية.
ويقطن هذه الضاحية الشاسعة مليونا شيعي، كما تعد معقلا لجيش المهدي.
لقد كان المعارك هناك شرسة واستمرت 7 اسابيع مخلفة حوالي ألف قتيل وعددا أكبر من النازحين.
وكانت القوات النظامية تحظى بدعم جنود الولايات المتحدة وسلاحها الجوي.
وعلى الرغم من اللهجة الصارمة التي تبناها رئيس الوزراء، فقد بدا واضحا أنه لم يرد المجازفة باتخاذ قرار هجوم كاسح على مدينة الصدر.
ومرة أخرى استُنجدت إيران.
توجه وفد من السياسيين العراقيين الشيعة من المقربين إلى المالكي إلى طهران، في الظاهر من أجل تقديم الأدلة على الضلوع الإيراني فيما يعتمل بالعراق.
لكن الهدف غير المعلن كان السعي إلى الحصول على مساعدة إيران من أجل إنهاء العنف في مدينة الصدر.
وأن يسود الاعتقاد بوجود مقتدى الصدر في إيران، دفع إلى الاعتقاد أن إيران تتمتع ببعض النفوذ على الزعيم الشاب.
إن الهدنة الموقعة يوم الإثنين الماضي (ثاني عشر مايو/ أيار) هدنة هشة، لكنها دليل على أن إيران تستطيع أن تستخدم نفوذها عندما تريد.
رسالة إلى بيترايوس
لكن ومما يثير مزيدا من الحيرة، هو ما أوردته الكريشتيان ساينس مونيتور من معلومات عن لقاء ثان جمع الرئيس العراقي بالجنرال سليماني في بداية أبريل/ نيسان.
واستنادا إلى الصحيفة الأمريكية، فقد بعث القائد العسكري الإيراني رسالة إلى أكبر قائد عسكري أمريكي في العراق الجنرال بيترايوس، قيل إن لهجتها كانت لهجة تصالحية بشكل مثير للاستغراب.
والأكثر إثارة للاستغراب أن الرسالة تصف مقتدى الصدر بـ" التهديد الأكبر للسلم في العراق"، وتقول كذلك إن حركته "خارج السيطرة تماما".
ويصعب الحكم على مغزى الرسالة، ويقال إن الأمريكيين متشككون.
ففي العلن لا يعرف العداء بين طهران وواشنطن هوادة، فكل طرف يتهم الآخر بتأجيج العنف في العراق.
لكن ما يتضح من المسألة هو أن قدرة إيران على تحريك الخيوط في العراق لا ينبغي الاستهانة بها.