ما تزال قضية الدين والتدين تهيمن على الباحثين في جميع أنحاء العالم، بين مؤيد للدين، ومنكر لوجوده من الأساس، كل طرف يحاول الوصول إلى تأكيدات علمية تثبت وجهة نظره، ومن أحدث ما ظهر في هذا المجال كان نظرية علمية تقول إن الأشخاص المتدينين أقل ذكاءً في المتوسط من الملحدين، لأن الإيمان غريزة، والناس الأذكياء هم أفضل فيما يتعلق بالارتفاع فوق الغرائز.
نظرية جديدة
وقد اقترح النظرية – التي يطلق عليها «نموذج رابطة عدم تطابق الذكاء» أو «Intelligence-Mismatch Association Model»- اثنان من المؤلفين الذين شرحوا السبب وراء أن العديد من الدراسات على مدى العقود الماضية وجدت أن الناس المتدينين لديهم متوسط ذكاء أقل من الناس الذين لا يؤمنون بوجود الإله.
ووجد تحليل أجرته جامعة روتشستر في عام 2013 أن «هناك علاقة سلبية موثوقة بين الذكاء والتدين» في 53 من أصل 63 دراسة تاريخية أجريت في هذا المجال، وتوضح هذه الدراسات أن العلاقة السلبية بين الذكاء، والدين منطقية إذا ما اعتبرنا الدين غريزة، واعتبرنا الذكاء هو القدرة على الارتقاء فوق الغرائز، كما يقول الباحثان إدوارد دوتون وديميتري فان دير ليندن في ورقتهما الجديدة التي نشرت يوم 18 مايو (آيار) 2015.
وطبقًا لما كتبه الباحثان اللذان يعملان في معهد أولستر للبحوث الاجتماعية، وجامعة روتردام على الترتيب، في مجلة سبرينغر للعلوم النفسية التطورية، فقد أوضحا أن نموذجهما يقوم على أفكار عالم النفس التطوري ساتوشي كانازاوا.
وتقترح «مبادئ آي كيو سافانا – Savanna-IQ Principles» التي أصدرها كانازاوا، أن السلوك البشري سيسترشد دائمًا بالبيئة التي تطور فيها أسلاف البشر. ويرى الباحثان دوتون وفان دير ليندن أن هذا الدين يجب أن يعتبر «مجالًا مطورًا»، أو غريزة. وقالا في بيان، إن الارتفاع فوق الغرائز مفيد، لأنه يساعد الناس على حل المشاكل.
ويقول دوتون: «إذا كان الدين مجالًا متطورًا، فإنه غريزة، ويمكن أن يفهم الذكاء – في حل المشاكل بطريقة عقلانية- على أنه ينطوي على التغلب على غريزة وأمر غريب فكريًّا، ومن ثم ينفتح الذكاء على الإمكانات غير الغريزية».
ووفقًا لتحليل عام 2013، فكلما كان الطفل أكثر ذكاء – حتى خلال السنوات الأولى– فالأكثر احتمالًا هو ابتعاده عن الدين. بينما في سن الشيخوخة، فالناس أصحاب متوسط الذكاء الأعلى هم أقل عرضة للاعتقاد في وجود إله، بحسب هذا التحليل.
الغريزة والتوتر
كما قام دوتون وفان دير ليندن بالتحقيق في العلاقة بين الغريزة والإجهاد، ومدى الغريزية التي يميل الناس إلى التعامل معها خلال فترات التوتر، وجادلا بأن الذكاء يساعد الناس خلال الأوقات المجهدة ليزنوا خياراتهم، ويتصرفوا بعقلانية بدلًا من إعطاء ردود فعل سيئة.
وقال دوتون: «إذا كان الدين حقًّا مجالًا متطورًا (غريزة) فسوف يتزايد في أوقات التوتر، عندما يميل الناس إلى التصرف بشكل غريزي، وهناك أدلة واضحة على ذلك». وأضاف أن هذا يعني أيضًا أن الذكاء سوف يسمح لنا بالتوقف والتفكر في طبيعة الوضع والعواقب المحتملة لأعمالنا.
ويعتقد الباحثان أن الناس الذين ينجذبون إلى الأشياء غير الغريزية، من المحتمل أن يحلوا المشاكل بصورة أفضل. وقال فان دير ليندن: «هذا أمر مهم، لأنه في بيئة متغيرة، ستصبح القدرة على حل المشاكل مرتبطة بالارتفاع فوق غرائزنا؛ مما يجعلنا نلجأ إلى عدم التطابق التطوري».
فهم العالم
وكانت دراسة علمية سابقة نشرت أواخر عام 2016، أشارت إلى أن «الأشخاص المتدينين هم الأقل فهمًا للعالم من حولهم، إذ إن لديهم ميل نحو فقر واضح في فهم العالم، كما أنهم أكثر عرضة للاعتقاد بأن الأجسام المختلفة مثل الصخور والأوراق لديها قيمة عندهم».
وقارن الباحثون في جامعة هلسنكي، المؤمنين بالله، أو المؤمنين بوجود قوى خارقة وراء الطبيعة، بالأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد، وذلك بعد أن لاحظ هؤلاء العلماء بأن المصابين بالتوحد يميلون إلى النضال من أجل فهم حقائق العالم من حولهم.
وأوضحت الدراسة وجود رابط بين المعتقدات الدينية وضعف القدرة على فهم الظواهر الفيزيائية والبيولوجية مثل البراكين، والزهور، والصخور، والرياح وعدم إعطائهم أي قيمة أو أهمية إنسانية.
وكان المؤمنون محل الدراسة، أكثر عرضة للاعتقاد بأن الجماد مثل المعادن، والزيت، والملابس، والورق، يمكن أن تفكر وأن تشعر؛ لأنهم متفقون فيما بينهم فيما يتعلق بعبارات مثل «الأحجار تحس بالبرد»، وقالت مارجانا ليندمان وأنيكا سفيدهولم هاكينين، اللتان أجرتا هذه الدراسة حينها إنه كلما كان اعتقاد المشاركين أكثر في الظواهر الخارقة الدينية أو غيرها، انخفضت قدرتهم على تناوب مهاراتهم الفيزيائية والميكانيكية والعقلية البديهية.
ولاحظت الباحثتان أيضًا أن هؤلاء يحصلون على درجات منخفضة في الصفوف الدراسية في الرياضيات والفيزياء، وأنه كلما زاد اعتقادهم وإيمانهم هذا، كلما قلت معرفتهم حول الظواهر الفيزيائية والبيولوجية، وكلما زاد احترامهم للأجسام غير الحية والجماد، واعتبروها أهدافًا مقدسة بشكل أو بآخر، زاد اعتقادهم بأنها ظواهر «عقلية».
وحددت هذه الدراسة وصف العقل، بمعنى أنه يحتوي على خصائص الإنسان مثل الأفكار، والروح. وقال الباحثون إن نتائجهم التي توصلوا إليها تشير إلى أن قلة فهم الناس للعالم المادي المحيط بهم تعني أن هؤلاء البشر يطبقون خصائصهم البشرية الخاصة على الكون كله، ومن هنا رأى هؤلاء الباحثون أن هذا التطبيق هو ما أدى إلى اعتقاد الإنسان في الشياطين، والآلهة، والظواهر الخارقة الأخرى للطبيعة.
المتدينون جديرون بالثقة
أظهرت دراسة علمية جديدة، أن الناس الذين يحضرون الطقوس الدينية بانتظام، من المرجح أن يعتبرهم الناس أعضاءً صالحين في المجتمع، أكثر من غيرهم، وأمضت «إليانور باور»، من معهد سانتا في مدينة نيو مكسيكو، سنتين، وهي تعيش في قريتين من قرى «التاميل»، جنوب الهند؛ بهدف دراسة مزيج من الناس معظمهم من المسيحيين والهندوس.
وجدت إليانور باور، أن الناس كانوا أكثر عرضة لاعتبارهم كرماء، ومجدين في عملهم، وجديرين بالثقة، ومصدرًا لأخذ النصائح الجيدة، إذا ما كانوا يذهبون في الغالب إلى الكنيسة أو المعبد، حتى ولو كان من ينظر إلى هؤلاء المتدينين هو من الملحدين، أو أناس من ديانات مختلفة.
وتشير النتائج إلى أن ممارسة الشعائر الدينية، يمكن أن تكون «إشارة صادقة» تعبر عن التزام الفرد في المجتمع، وذلك طبقًا لما اقترحته باور، لكن وبشكل غير متوقع، فإن علامات التدين التي يأخذ بها الناس كانت تلك العلامات اليومية من العقيدة الدينية، مثل الذهاب للصلاة وغيرها، بدلًا من الطقوس الخطيرة والعنيفة التي يمارسها البعض، وأظهرت الدراسة أن علامات التدين اليومية كانت أكثر أهمية من منظور اجتماعي.
وقالت باور إن حقيقة كون العبادة العادية اليومية ليست لافتة للنظر، ولا تتسبب في حشد الناس حولها، مثلما تفعل الطقوس الغريبة، فإن هذا في الواقع يعمل ضامنًا لها، وأضافت في الورقة البحثية التي نشرتها في دورية التطور وسلوك الإنسان أن «هؤلاء المتدينين ما يزالون يقومون بطقوس العبادة المعتادة يوميًّا وأسبوعيًّا وشهريًّا وسنويًّا، وهو ما يجعل هذه الممارسات تظهر بشكل نسبي كإشارة تجعل من العبادة العادية علامة واضحة على ما يبدو أنه تفانٍ تجاه المجتمع المحيط.