كركوك
كركوك من منظور أخر

زهير قوطرش في الجمعة ١٩ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

كركوك من منظور أخر.

مآساة العراق ،انه خضع للاحتلال مباشرة من بعد حكم شمولي استبدادي . وهدف الاحتلال هو في الحقيقة تجزأة الشرق الاوسط بكامله لأنه قابل للتجزئة . وكان العراق المثل الذي قدمته قوى الاحتلال ،لما يجب أن تكون عليه بقية الدول ،وما تنوي فعله بها. من حيث إقامة مشيخات في الدولة الواحدة .فالعراق عملياً تم تقسيمه الى مشيخة الشمال ،ومشيخة الوسط ومشيخة الجنوب ،وبدل أن تتفق هذه المشيخات على حكم العراق بشكل دستوري ديمقراطي ،بدأت تنهش من جسد&arin;ه أي جسد العراق المحفوظ في البراد من أجل دفنه ،وأقامة ما يحلو للاحتلال من نظام حكم تابع له مأتمراً بأمره.
الصراع على كركوك اليوم بين الاطراف الطائفية يجسد مآساة العراق .وكركوك هي مقدمة ،قد تصبح البصرة موضوع النهش مستقبلاً.أو غيرها من المدن المفصلية .البعض يحلوا له تفسير ما يجري حول كركوك بأنه صراع قومي ،ديني أو طا ئفي.لو كان الامر مقتصراً على ذلك ،لكان الحل من السهولة بمكان ،حيث يمكن الاتفاق على فيدرالية ،تحت دستور علماني ديمقراطي يكفل للجميع حقوقهم ،وذلك في اطار عراق مستقل . هذا الحل الذي لم يفعله النظام العراقي السابق ،ولا ترغب به أغلب الانظمة الاستبدادية الشرق أوسطية ،والتي تهدد بسبب ذلك مصيرها مثل السودان الجزائر وغيرها من الدول. مع قناعتي أن الديمقراطية لا ولن تحل المشاكل العرقية والطائفية في بلدان تعيش شعوبها تحت خط الفقر...
مشكلة كركوك .استغلها الاحتلال.كونه وجدها لقمة سائغة،الاحتلال غير مسؤول عما جرى ويجري في كركوك كما يحلو للبعض تأكيده. مشكلة كركوك هي مشكلة الانظمة الاستبدادية الشمولية ،اصحاب نظريات القومية العربية الانسانية بين قوسين ،التي اضطهدت الاقليات وما زالت في بعض الدول .ما جرى على كركوك في ظل النظام السابق ما هو إلا عملية تطهير عرقي.حسبها النظام الاستبدادي الحل الامثل وذلك بدلاً من قيام فيدرالية أو نظام ديمقراطي يكفل للجميع حقوقهم القومية والعرقية. عكس ذلك قام النظام بعملية ترحيل جماعي للسكان الاصلين واستبدالهم بعشائر عربية وبدوية لتحل محل السكان الكرد ،وليت الامر قد وقف عند هذا الحد بل تعداه الى مصادرة املاك الكرد ،وتمليكها للعرب الوافدين .نسي النظام صاحب مشروع القومية العربية المتفوقة على كل الاعراق ،ان فعلته هذه لايمكن لها أن تحل أزمة بل ستعقد الامور ،وأن اصحاب الملك مهما طال الزمن لابد أن يعودوا الى بيوتهم واراضيهم . وحتى تحت الاحتلال الذي سهل لهم العودة ،ليس حباً في الاكراد ،ولكنه أراد أن يستكمل المشروع القومي لصالحه. ما جرى في العراق تم تطبيقه في دول أخرى ...مع كل اسف لم تعتبر هذه الدول بكل ما يجري على الشعب العراقي.
كركوك في الحقيقة هي ليست للشمال ،وليست للوسط ولا للجنوب ،هي للعراق المستقل الديمقراطي ،الفيدرالي ...وهي الآن تابعة لسلطة الاحتلال ،تعطيها للشمال أو للجنوب أو تجعل منها منطقة مستقلة الله أعلم. لكن الصراع عليها سيبقى مستمراً ما دام الاحتلال ،وما دامت القوى الوطنية العراقية على حالها المآساوي .وما دام الصراع مابين القوى الوطنية المنخورة طائفياً، التي تريد انهاء الاحتلال ولكنها تفتقد الى برنامج وطني واضح ،وبين زعماء المشيخات الذين يتمسكون تمسكاً حيوياً بوجود القوات المحتلة . هم بحماية الاحتلال ،وهم احرص من الامريكين على عقد اتفاقيات أمنية وغير أمنية .
البعض يراهن علىأن الديمقراطية كنظام سياسي ،لو أنه ساد في منطقة الشرق الاوسط بدون تدخل أجنبي(حلم طبعا) فإن الديمقراطية ستكون الحصانة لهذه الدول ضد التمزق. لكن براي الديمقراطية لن تكون الحل الكافي للقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
السبب في ذلك أن مشكلة الفقر العام في بلدان العالم الثالث يشكل بنياناً هشاً يجعل من ديمقراطية هذه البلدان لو حدثت، فأنها ستهوي لأقل هزة .لأن الفقراء في العالم الثالث ،ليسوا رقماً في المعادلة الديمقراطية،بمعنى لايملكون مواصفات المواطنية ،ليس لهم ارادة ،هم مجرد أدوات طائفية أو عنصرية أو دينية تراثية ،همهم الوحيد تأمين لقمة العيش ،ولو مقابل أن يبيعوا دمائهم. الفقر جزأ الشعوب ،والديمقراطية بحاجة الى شعوب متحدة واعية. الفقر سلب الارادة المستقلة للشعوب ،والديمقراطية بحاجة الى شعوب ذات سيادة.لكي تكون الشعوب مرجعية النظام الديمقراطي.
لهذافإن مشكلة كركوك ،هي مشكلة شعوب فقيرة متخلفة ،وليست مشكلة احتلال.

اجمالي القراءات 10787