يعتقد فيلدمان أنّ الديمقراطية ستغيب عن مصر لجيل قادم على الأقل، لكن هذا
ليس ذنب القوى الخارجية، لا سيما أمريكا، وإنّما هو نتاج القرارات السياسية
الخاطئة للمصريين.
قال نوح فيلدمان، أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد: إنّ على المصريين أن يلوموا أنفسهم فقط على القمع الشديد الذي يتعرّضون له تحت نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. وأوضح فيلدمان في مقال له على موقع شبكة «بلومبيرج» أنّ أسلوب الحكم السلطوي الذي ينتهجه السيسي – الذي أقرّ للتو قانونًا يضيق الخناق على منظمات المجتمع المدني – لا يُعزى إلى العلاقة الحميمية بينه وبين ترامب. ويرى أنّه قد حان الوقت للكفّ عن لوم الولايات المتحدة على فشل الديمقراطية في مصر.
ويشير فيلدمان إلى أنّ السبب في هجوم السيسي على المعارضة هو أنّه لم يعد هناك من يملك القدرة على تحديه، وأنّ هذا نتيجة للقرار الذي وصفه بـ«الكارثي» الذي اتخذه المصريون بالخروج على رئيسهم المنتخب ديمقراطيًا، وارتمائهم في أحضان الحكم العسكري بزعم سوء طريقة حكم الإدارة المنتخبة.
ويؤكد فيلدمان أنّ إلقاء اللوم على ترامب بسبب التشريعات الصارمة الصادرة عن السيسي له جذران. الأول يخص معارضة سياسات ترامب الحالية، والثاني نابع من تحميل أمريكا كل ما يقع في مصر من كوارث، على الرغم من التحالف الاستراتيجي بينهما. وكلتا وجهتي النظر خاطئتان.
لقد أظهر ترامب دعمًا علنيًا لنظام السيسي – يواصل فيلدمان حديثه. وقد حظي السيسي بمعاملة تفضيلية من ترامب؛ إذ كان من ضمن القادة القلائل الذين زاروا البيت الأبيض. وخلال زيارة ترامب إلى السعودية، كان السيسي أحد الرجال الثلاثة الذين ظهروا في الصورة الشهيرة وهم يضعون أيديهم على الكرة المضيئة.
إنّ أسلوب الحكم السلطوي الذي ينتهجه السيسي؛ لا يُعزى إلى العلاقة الحميمية بينه
وبين ترامب، وقد حان الوقت للكفّ عن لوم الولايات المتحدة على فشل
الديمقراطية في مصر.
يرى فيلدمان أنّ هذا يؤشر على النهج السياسي الذي يتبعه ترامب والقاضي بالتحلي بالواقعية السياسية بدلًا عن التمسك بالقيم الليبرالية. ولا شكّ أنّ هذا قد وفّر دعمًا هائلًا للسيسي داخل مصر، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس السابق أوباما تبنى سياسة داعمة للسيسي قبل تركه منصبه.
وبالرغم من وجود قانون فيدرالي يحظر تقديم المساعدات إلى الحكومات التي تأتي عبر انقلابات عسكرية، إلاّ أنّ أوباما رفض اعتبار ما فعله السيسي في 2013 انقلابًا، وأعاد ضخّ المساعدات العسكرية إلى مصر. وينوه فيلدمان إلى أنّ أطرافًا داخل إدارة أوباما دعته إلى الكف عن دعم السيسي، لكن ثقل مصر تجاوز أهمية الديمقراطية، وقد وصف دبلوماسي أمريكي الأمر بالقول: إنّ أمريكا تستسلم عندما يتعلق الأمر بمصر.
وهكذا – يقول فيلدمان – فقد تشابهت سياسة ترامب وأوباما تجاه مصر. لكن ترامب يرى أنّ مصر طرف هام في اتفاقية إقليمية كبرى لإحلال السلام والأمن، ولهذا فعلاقته بالسيسي أقوى من علاقة أوباما بالأخير.
سبب آخر في تحميل أمريكا مشاكل مصر، هو أنّ القوى الغربية الكبرى – منذ حقبة الاستعمار – تدخلت بعمق في علاقات مصر بالدول العربية الأخرى، ويتحملون مسئولية انهيار الديمقراطية في دول الشرق الأوسط. يقول الكاتب: إنّه كان مقتنعًا بوجهة نظر مشابهة عندما بدأ الكتابة عن مناخ الديمقراطية في الدول الإسلامية في مطلع الألفية الجديدة، لكن أحداث الربيع العربي وما تلاه تمثل تحولًا تاريخيًا كبيرًا يجب التمعن فيه بشكل دقيق.
وقفت أمريكا مكتوفة الأيدي أمام القمع الشديد الذي انتفض بسببه ملايين المصريين في عام 2011، وذلك لإسقاط نظام الديكتاتور حسني مبارك. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ قرن من الزمان التي يعبر فيها المصريون عن توجهاتهم السياسية.
وبعد الثورة – يشير فيلدمان – توافد المصريون على صناديق الاقتراع، واختار قسم معتبر منهم حكومة برئاسة الإخوان المسلمين، وكان ذلك بدون تدخل من أمريكا. لقد خشيت الولايات المتحدة من وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر أو غيرها من البلدان.
اقرأ أيضًا: «بوليتيكو»: السيسي في البيت الأبيض.. هل يفضل ترامب الطغاة على الديمقراطية؟
بيد أنّ الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي ارتكبوا أخطاء عديدة – يستدرك فيلدمان – كان أهمها فشلهم في تشكيل تحالف وطني قوي لمواجهة الدولة العميقة. وفي نفس الوقت، واجه مرسي صعوبات شديدة في أداء مهمته بسبب قوى أرادت الإطاحة به، مثل المحكمة الدستورية العليا، التي قضت بحل البرلمان المنتخب ديمقراطيًا. لعل اتهام مرسي بالحكم السلطوي له بعض الوجاهة، ولكن كيف ستحكم دون وجود مجلس تشريعي؟ يتساءل فيلدمان.
وفي نهاية المطاف، تقاطر حشد كبير من المصريين على الشوارع للتظاهر ضد مرسي، فتلقّف الجيش الدعوة وأطاح بحكم الإخوان المسلمين. كانت تلك نكسة كبرى للديمقراطية، لكنها جرت بأيدٍ مصرية وليست خارجية. لقد كانت إدارة أوباما على استعداد للتعامل مع حكم الإخوان المسلمين، مثلما أصبحت على استعداد لقبول الحكم العسكري بقيادة السيسي.
وفي أعقاب حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر والزج بقياداتها في السجون، لم يعد هناك من يمكنه التصدّي للسيسي. يقول فيلدمان: إنّه قد تنبأ بقيام السيسي بسحق أية معارضة سياسية ستظهر في البلاد.
يعتقد فيلدمان أنّ الديمقراطية ستغيب عن مصر لجيل قادم على الأقل، لكن هذا ليس ذنب القوى الخارجية، لا سيما أمريكا، وإنّما هو نتاج القرارات السياسية الخاطئة للمصريين. لذا، لا بأس من انتقاد هجوم السيسي على منظمات المجتمع المدني، لكن الولايات المتحدة وترامب لا يتحملان رفض مصر للديمقراطية – بكل عيوبها وقيودها – لصالح الحكم العسكري.