قال الكاتب الصحافي تسفي بارئيل -خبير في شؤون الشرق الأوسط – في مقال له في صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن مشهد وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعاهل السعودي الملك سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيديهم على الكرة الأرضية المضيئة – في إشارة رمزية على التعاون في مواجهة الإرهاب– يبدو أنّه قد أغضب فرع «داعش» في مصر؛ إذ لم يكد يمرّ شهر على الهجمات الدامية التي استهدفت كنائس في الإسكندرية وطنطا، حتى قتل التنظيم 29 قبطيًّا في هجوم على حافلاتهم بمحافظة المنيا ليلة شهر رمضان المقدس لدى المسلمين.
ويرى الكاتب أنّ هذه الهجمات تظهر بجلاء أنّ التحالف الدولي ضدّ الإرهاب لن يكون فعالاً في أماكن مثل مصر والسعودية، أو دول عربية أخرى. والسبب من وجهة نظر بارئيل أنّ التنظيم في مصر لا يسيطر على أراضٍ كما هو الحال في سوريا والعراق. ولهذا، فإنّ أساليب مكافحة الإرهاب التقليدية ستفشل. ويدلل بارئيل على ذلك بإحصائيات القتل التي تنشرها مصر.
تشير التقديرات الغربية إلى أنّ عدد مقاتلي داعش في مصر يصل إلى 1500 مقاتل كحد أقصى. ولكن المفارقة هنا هي أنّ الحكومة المصرية أعلنت قتل 6 آلاف من عناصر التنظيم في منتصف عام 2013.
فمن يكون هؤلاء القتلى؟ يتساءل التقرير. يؤكد بارئيل أنّ شيوخ العشائر في سيناء ونشطاء في مجال حقوق الإنسان قد أبلغوا عن عمليات قتل عشوائية للمدنيين تحت زعم أنّهم من داعش. بيد أنّ نشطاء قد نشروا تسجيلاً مصورًا على الإنترنت يظهر إقدام جنود من الجيش المصري على إعدام مدنيين اثنين بعد استجوابهما سريعًا. وقد ظهرت في التسجيل جثث لمدنيين آخرين. إلاّ أنّ السلطات المصرية نفت أن يكون هؤلاء جنودًا.
ويؤكد التقرير أنّ صعوبة الحصول على المعلومات الاستخبارية بشأن مقاتلي التنظيم، والاستراتيجية الفاشلة المستخدمة لمواجهته تثبط من عزيمة الجنود المصريين، الذين باتوا عاجزين عن إدخال البضائع إلى سيناء.
قبل سنوات قليلة – حين كان ما يزال وزيرًا للدفاع– أوضح السيسي في اجتماع مع جنوده سبب عجز الجيش عن مواجهة الإرهاب؛ إذ قال: «الجيش آلة للقتل وليس آلة للاعتقال. إنّ محاربة الإرهاب ليس واجبنا وإنّما من واجب وزارة الداخلية. مهمتنا هي الدفاع عن حدود البلاد». بيد أنّ هذه الاستراتيجية قد تغيرت، كما يقول التقرير. ولكن ما يزال الجيش يطور من قدراته وكأنّه يتجهز لحرب خارجية، وليس منظمة إرهابية.
اشترى السيسي مقاتلات ومدرعات من أمريكا وروسيا، وعربات لا تصلح للاستخدام في تضاريس سيناء الصعبة. كما أنّ الجيش يفتقر إلى عقيدة واضحة لمحاربة الإرهاب. وبينما سمح السيسي لإسرائيل بقصف سيناء وإنجاز المهمة بدلاً عنه، اتجه هو لقصف تجمعات يقول إنّها تابعة لتنظيم الدولة في درنة بليبيا.
وهو ما فعلته مصر أيضًا في أعقاب ذبح 21 قبطيًّا على يد التنظيم في ليبيا في عام 2015 – كما يقول التقرير– ويرى بارئيل أنّ الأمر مجرد استعراض للقوة لإظهار أنّ الجيش المصري يفعل شيئًا.
ويشير التقرير إلى أنّه على ضوء إدراك واشنطن للعجز المصري في مواجهة الإرهاب، فقد تصدر الأمر محادثات ترامب مع السيسي الشهر الماضي. وقد حاولت أمريكا إقناع مصر بإجراء تعديلات على نمط عمليات الجيش المصري، واستخدام قسم أكبر من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر – التي تقدر بـ1.3 مليار دولار– في شراء معدات تلائم الحرب على الإرهاب.
لكن السيسي يتباطأ في تنفيذ التوصيات الأمريكية، كما يقول الكاتب. وتعتزم الولايات المتحدة اقتطاع 40 مليون دولار هذا العام من المساعدات المدنية، في الوقت الذي جُمِدت فيه 15% من المساعدات العسكرية، ورُبطت بتحسن ملف حقوق الإنسان في مصر. لكن هذا التجميد لا يشمل معدات مكافحة الإرهاب. ولكن هناك شكوكًا حول ما إذا كان هذا الشرط سيقيد يد الجيش في شراء الأسلحة، أو سيغير من طريقة عمله.
اقرأ أيضًا: «ذي أتلانتك»: لماذا أعلن «داعش» الحرب على المسيحيين في مصر؟
وينبه التقرير إلى أنّ تنظيم الدولة في مصر لم يعد يلتزم بالعمل في سيناء فقط. فقبل عامين، امتدت أنشطته إلى المدن الكبرى. وبينما كانت عمليات التنظيم موجهة بالأساس إلى قوات الأمن في مدينة العريش، فقد انتقل في العام الماضي إلى محاولة إشعال حرب أهلية في مصر. وتؤكد الهجمات المتكررة على الأقلية القبطية – التي حظيت بدعم قطاعات من المسلمين– أنّ تنظيم داعش بات يدرك أبعاد التوتر الطائفي الذي يضرب البلاد.
يختتم التقرير بالقول إنّه لا يبدو أنّ النظام المصري لديه خطة محددة لمواجهة التنظيم، فهذا أمر يحتاج إلى عقيدة قتالية مختلفة، وتحرك على المستوى الوطني لدحض الأيديولوجيا المتشددة، وتجفيف منابع التمويل الذي يصل إلى هذه المنظمات، لا سيما من سوريا.