يمثِّل شهر رمضان لأغلبية المسلمين في أنحاء العالم وقتًا للصيام والقيام، والتفكُّر والتوبة، وقراءة الوِرد اليومي من القرآن وختمه قراءةً قبل نهاية الشهر.
لكن تنظيم الدولة الإسلامية يتبنى تأويلًا مختلفًا لشهر رمضان. على مدار الأعوام الماضية تلطَّخت أيام رمضان بالكثير من الدماء والعنف، وسلسلة من الهجمات الإرهابية ضد «الـصليبيين» و«أعداء الإسلام».
يستعرض تقرير بمجلة «ذي أتلانتك» تأويل داعش الفاسد الدموي لشهر رمضان، وكيف يحشد التنظيم أنصاره كل عامٍ في «شهر الجهاد» من أجل إعلاء كلمته، وتحسين صورته الدعائية عالميًا.
يرجع التقرير إلى 2015، بعد ستة أيامٍ من بدء شهر رمضان، حين دعا «أبو محمد العدناني»، المتحدِّث الرسمي باسم التنظيم حينها، إلى شنِّ هجماتٍ إرهابية احتفالًا بقدوم الشهر الكريم. بعد 3 أيام، قتل تفجيرٌ انتحاري 26 مسلمًا في مسجد للشيعة بالكويت، واستهدف هجومٌ مسلح في اليوم نفسه منطقة سياحية قريبة من مدينة سوسة التونسية، مخلِّفًا 38 قتيلًا وعشرات الجرحى.
ننتقل إلى 2016. نشر التنظيم كلمة جديدة للعدناني قبل أسبوعين من بدء شهر رمضان، داعيًا إلى استهداف المدنيين في الغرب. «اجعلوا هذا الشهر بمشيئة الله شهر المصائب على الكفار في كل مكان»، مؤكدًا أن هذه الدعوة موجهة خصيصًا «إلى أنصار الخلافة الإسلامية في أوروبا وأميركا».
هناك من يتحرج باستهداف المدنيين ويعرض عنهم لشكه بالجواز والمشروعية، فاعلموا أن في عقر دار الصليبيين لا عصمة للدماء ولا وجود لما يسمى بالأبرياء، والأدلة كثيرة.
واستجاب «أنصار الخلافة» في أنحاء العالم لدعوة العدناني، جاعلين من رمضان ذلك العام شهرًا دمويًا بامتياز. فتح عمر متين النار على مرتادي أحد الملاهي الليلة في مدينة أورلاندو الأمريكية مخلِّفًا 49 قتيلًا. وفي شمال شرق لبنان، شنَّ ثمانية انتحاريين يُشتبه في انتمائهم للتنظيم موجة من الهجماتٍ على قرية مسيحية. ثمَّ كان هجوم مقهى بنجلاديش بعد 3 أيام. وفي اليوم التالي، وقع الهجوم الأفظع باستخدام شاحنة كبيرة مفخخة في بغداد، والذي حصد ما يصل إلى 300 قتيلًا. هذا بالإضافة إلى أربع هجماتٍ على أرض السعودية، أحدها في المدينة المنوَّرة.
وهذا العام، قبل يومٍ من بدء رمضان، نشر تنظيم الدولة كلمة مدتها 12 دقيقة، تتكرر فيها مقاطع من كلماتٍ سابقة للمتحدث الحالي باسم التنظيم، أبي الحسن المهاجر، والذي خلف العدناني بعد مقتله في أواخر عام 2016.
استهدافكم لما يسمى بالأبرياء والمدنيين محبوب من قبلنا، وهذا العمل فعال جدًا؛ إذ يمكنك الحصول على مكافأة كبيرة أو أن تنال الشهادة في رمضان.
ويخشى عددٌ من الباحثين والمسؤولين الأمنيين أن رمضان هذا العام سيشهد موجة جديدة من الهجمات الفتاكة، خاصةً بعد هجوم مانشستر الإرهابي الذي تبناه التنظيم في اليوم التالي، والهجوم المسلَّح الوحشي على حافلة تقل أقباطًا في المنيا بصعيد مصر، قبل يومٍ من بدء شهر رمضان.
نظرًا إلى التاريخ القريب للهجمات الرمضانية التي شنّها التنظيم، لم يعد هناك شكٌّ في أن الجماعات الجهادية تعتبر شهر رمضان وقتًا للاستنفار العسكري. وكثيرًا ما يستند الجهاديون في موقفهم إلى غزوة بدر، أحد الأحداث المحورية في التاريخ الإسلامي. وقعت الغزوة في شهر رمضان في العام 624، وفيها انتصرت فئة قليلة من المسلمين على فئة كثيرة من المشركين، وأمَّن ذلك الانتصار بقاء مجتمع المؤمنين الوليد، وتوسعه فيما بعد. والأسباب واضحة وراء إشارة الجهاديين إلى تلك الغزوة تحديدًا، والتلاعب بها من أجل خدمة أغراضهم السياسية.
اقرأ أيضًا: «داعش».. الدولة الغاضبة التي ستنتصر لفترة طويلة
منطق استراتيجي
وبالرغم من بشاعة الخطاب الجهادي الداعي الذي يضفي شرعية على إراقة دماء المدنيين، فإنه لا يخلو من منطقٍ استراتيجي وفقًا للتقرير. مع تراجع التنظيم في وجه الحملات العسكرية عليه في مدينة الموصل، وفي محيط الرقة، فإنَّه سيسعى سعيًا محمومًا بالتأكيد إلى استعراض قوته في الأسابيع والأشهر القادمة؛ لينفي عنه الضعف وانحسار القوة.
كان التنظيم – سابقًا – يُدير صورته الإعلامية عالميًا عن طريق مقاطع الإعدام عالية الجودة، التي تستهدف ترويع المجتمع الدولي وإحياء الأمل في المؤمنين الواقفين على ثغور القتال في العراق وسوريا.
الآن يرى التنظيم في العمليات الإرهابية التي ينفذها أنصاره خارج أرض الخلافة رسائل موجهة وأسلحة معلوماتية ترفع من معنويات أنصاره وتعادل الضرر الأيديولوجي الناتج عن مقتل القيادات وخسارة الأرض. هذا بالطبع إلى جانب زرع بذور الشقاق داخل المجتمعات المسلمة، وإلهاب مشاعر الكراهية تجاهها من باقي الفئات في المجتمع.
أبو علي، متطرِّف سابق نبذ آراءه القديمة، أشار إلى أن ما تفعله هذه الجماعات ليس جهادًا بأية حالٍ وفق التراث الإسلامي.
وأردّ عليهم بأن المرء كما تتضاعف حسناته عن الأعمال الصالحة في رمضان، تتضاعف سيئاته عن الخطايا. إذن ما حكم من يقضي شهر رمضان المبارك في قمع الناس وقتل الأبرياء؟