أمام كورنيش النيل المطل علي جزيرة القرصاية وقف المواطن تعبانًا هلكانًا لا يعرف من أين يأتي بفلوس يشتري بها احتياجات العيال في المدارس، فكر أن يرمي نفسه في النيل مثلما فعل جاره فتحي النكدي لما زهق من الديون والأقساط اللي عليه، في هذه اللحظة مر موكب وزير من أمانة السياسات بجواره فلمح الوزير المواطن وقد نوي رمي نفسه من النيل فرق قلبه وقرر التوقف والنزول والحديث مع هذا المواطن وإقناعه بالعودة عن الانتحار.
اقترب منه الوزير إنت واقف هنا؟ ،رد المواطن: أريد التمتع بهذا المنظر.
فقال الوزير - أي منظر؟
- القمر الجميل والنهر الجاري وشجر النخيل.
فرد الوزير: أنا شايف القمر وشايف النهر والنخيل، لكن فين المنظر؟ أكمل المواطن مستغربا: خلاص أنا واقف هنا عشان أنتحر ارتحت.
الوزير تنتحر ليه؟ ، رد المواطن: لأني مش لاقي آكل.
فأجاب الوزير وافرض مش لاقي تآكل تنتحر، بص للجانب الإيجابي الأهلي صعد لنهائي أفريقيا.
المواطن: كويس يعني أنا حاخد مكافآت من حسن حمدي.
رد الوزير: لأ بس كفاية عليك الفرحة ، علي الأقل فقير لكن مش زملكاوي كمان، ومصيبة لو كنت فقيرًا وزملكاويًا وقبطيًا، وداهية لو فقير وزملكاوي وقبطي وصعيدي كان زمان نهار أبوك أسود ومنتحر من 1981.
المواطن: النبي تتلهي.
الوزير: إنت ليه مكتئب إنت مش عارف إن معدل النمو زاد لـ7%.
المواطن: نمو إيه؟!
الوزير نموك، قصدي نمو الاقتصاد.
المواطن: الحقيقة أنا نموي وقف.
الوزير: مسكين أصل ثمرات النمو لم تتساقط لسه فوق دماغك كي تشعر بها.
المواطن: وثمرات النمو دي ببذر ولا من غير بذر.
الوزير: لأ ثمرات النمو لها قلب زي قلب الخساية وممكن كمان تقشرها وتاكلها أصل طعمها حلو جدا.
المواطن: أنا كنت فاكر إنه مفيش أمل بس دلوقت حالا عرفت إنه مفيش عقل.
الوزير: أنا عارف إنك بتمر بظروف سيئة مأثرة علي تفاؤلك لكن تأكد أن اقتصاد البلد ممتاز ومعدلاته رائعة.
قفز المواطن في النيل وهو يهتف: نموت نموت وتحيا معدلات النمو.
أمر الوزير الحرس أن ينقذوا المواطن من الغرق فلما خرج من النيل مبلولا ومضعضعا.. قال له الوزير: يا ابن الذين عايز تموت قبل ما تقولي فين المنظر!!
ما المغزي من هذه الحكاية؟ المغزي تشرحه حكاية أخري فقد روي أبوعباد، كاتب الخليفة المأمون، إن وفدًا من الكوفة جاءه يلتمس عزل والي مدينتهم، قائلاً: في السنة الأولي لولايته اضطررنا إلي بيع مقتنياتنا وأراضينا. وتخلينا في السنة الثانية عن أنوالنا وأموالنا. وفي الثالثة هجرنا مدينتنا وجئنا أمير المؤمنين راجين رحمته بأن يضع حدًا لشقائنا بعزله. لكن أمير المؤمنين رفض احتجاجهم، وأكد لهم استقامة الوالي وتقواه، وإخلاصه وعدله. فأجابه الناطق باسم الوفد: صدقت يا أمير المؤمنين، وكذبنا نحن بحق الوالي، فما دام هذا الوالي علي ما ذكرت، من الاستقامة والتقوي والإخلاص والعدل، لما خصصتنا به هذه السنين الطوال دون سوانا؟ وقد ولاك الله بلدانًا أخري لترعاها كما رعيتنا، فأرسله إليها أيضًا لينعم أهلها باستقامته وتقواه وإخلاصه وعدله، كما نعمنا بذلك قبلهم..!
والخلاصة لو أنتم يا سادة الحكومة ناجحون قوي ومعدلاتكم زادت ما ترتاحوا وروحوا وحلوا عن أهلنا!