السفير «خالد بن سلمان» .. هل يُكرر أسطورة «بندر بن سلطان» في العاصمة الأمريكية؟

في الجمعة ٠٥ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كان قرار تعيين نجل الملك، خالد بن سلمان، 32 عامًا، سفيرًا للسعودية في الولايات المتحدة، القرار الأبرز ضمن سلسلة القرارات الملكية التي صدرت في ساعة متأخر منذ أيامٍ معدودة. خالد، الذي أتى من عالم الطيران العسكريّ برتبة ملازم إلى دهاليز الدبلوماسية، سيشغل منصبًا كان قد شغله من قبلِه الدبلوماسي العربي بندر بن سلطان. «الأسطورة»، الذي يعدُّ أقوى شخصية سعودية شكلت نفوذًا داخل أروقة البيت الأبيض.

يسعى هذا التقرير لاستكشاف ملامح استراتيجية الأمير الشابّ – عديم الخبرة الدبلوماسية – في إدارة ملف العلاقات الأمريكية السعودية، وما هي احتمالات استعادة النفوذ السعودي التاريخي في العاصمة الأمريكية، كما كان الحال خلال عهد ابن عمِّه بندر بن سلطان.

أسطورة الدبلوماسي العربي الذي يخشاه وافد المملكة الجديد في واشنطن

بندر بن سلطان، هو التجسيد الحقيقي لأسطورة الدبلوماسي العربي داخل أمريكا، التي تشكَّلت عبر نسج صلات نافذة مع أصحاب القوّة والنفوذ والمراكز العليا، وعلاقة شديدة الخصوصية مع وسائل الإعلام الأمريكية. فهو الرجل الذي استعان به بوش الأب ليعلِّم ابنه جورج السياسة في الشرق الأوسط، قبل أن يُرشح نفسه لرئاسة أمريكا ويفوز بها مرّتين، ويصيروثيق الصلة بكلٍّ من ديك تشيني، وعائلة جورج بوش من الأب والأم، والأبناء، والبنات حتى تم وصفه بأنه «بندر بوش».

نفوذ بندر داخل أروقة البيت الأبيض، تظهره واقعة إبلاغه من قبل تلميذه بوش – الرئيس الأمريكي السابق – بقرارِ وتوقيت شنّ الحرب على العراق قبل إبلاغ وزير خارجيته الجنرال كولن باول، فضلًا عن إنجازه منقطع النظير في إقناع الكونجرس الأمريكي بتمرير صفقة شراء بلده العربي طائرات «أواكس الأمريكية للإنذار المبكر»، بالرغم من ضغوط وهيمنة اللوبي الإسرائيلي عام 1970.

يبدو أن قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز بإعفاء بندر بن سلطان من منصبه كرئيسٍ لمجلس الأمن الوطني السعودي، العام قبل الماضي، والذي أتى ضمن سلسلة قرارات ملكية، وصفها مراقبون بأنَّها تهدف لترسيخ دعائم محمد بن سلمان، ستجعل الأمير الشاب خالد بن سلمان يحتاط كثيرًا من نفوذ واحد من أقوى الشخصيات السعودية التي خدمت في الرياض وواشنطن، وأطُيح بواسطة أبيه لإفساح ساحة السلطة أمام أخيه، متحجِّجًا بفشل سياسته في الأزمة السورية، وعجزه عن التوصل لتسوية مُرضية للمملكة.

يعدُّ بندر بن سلطان مهندس السياسة السعودية في سوريا، وقد شغل منصب سفير بلاده في واشنطن، قبل أن يعيَّنَ رئيسًا للاستخبارات العامة ويكلَّف بتوفير المساعدة للمعارضة المسلحة في سوريا، قبل أن يترك المنصب مؤخرًا، وينتقل لمنصب رئيس المجلس الأمن الوطني السعودي، الذي صدر قرارٌ بإزاحته عنه بعد تنصيب الملك سلمان بن عبدالعزيز.

«خالد بن سلمان».. الوجه الغامض لدى واشنطن

علي عكس أخيه ولي ولي العهد الذي لم يدرس بالولايات المتحدة الأمريكية، أُتيح لخالد بن سلمان، فرصة الدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية ببرنامج الطيران الحربيّ في قاعدة كولومبوس في ولاية ميسيسيبي عام 2009، بعد دراسته الأساسية بكلية الملك فيصل الجوية بالرياض لمدة عام.



الأمير خالد بن سلمان.. المصدر www.thestar.com

لم تكن مُدة الدراسة كافية لتقديم خالد بن سلمان لدوائر صنع القرار الأمريكي، علي عكس «محمد بن نايف» الذي تعرفه واشنطن جيدًا، فالرجل درس في إحدى جامعات ولاية أوريجون، وتدرَّب كذلك في مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI. وخلال سنوات خدمة والده وزيرًا للداخلية، خدم محمد كنائبٍ له، واقترب من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية.

يبدو كذلك أنّ الأمير الشاب خالد بن سلمان، سيكون في حاجةٍ لمقابلاتٍ تعريفيةٍ ضيقة مع عددٍ من الشخصيات الإعلامية الأمريكية المقربة كما كان الحال مع أخيه ولي العهد، الذي أتاح للكاتب الأمريكي توماس فريدمان مقابلة معه بمكتبه بالرياض، وكذلك الكاتب الأمريكي ديفيد أجناتيوس.

خالد هو الابن التاسع للملك سلمان بن عبدالعزيز، وقد وُلد بمدينة الرياض عام ١٩٨٨، وتلقَّى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس الرياض، وتَخَرّج في الثانوية العامة عام ٢٠٠٦.

«سابراك» .. ذراع الأمير الشاب للتعريف بنفسه داخل أروقة البيت الأبيض

في منتصف مارس (آذار) العام الماضي، بدأ الملك سلمان بن عبدالعزيز مَنح نجله ولي ولي العهد «محمد» صلاحيات تخوِّل له فتح قناة اتصال مع دوائر صنع القرار الأمريكي، وتسويق نفسه للبيت الأبيض، خصوصًا بعد النفوذ الكبير الذي حظي به داخل البيت السعودي.


يبدو أن الأمير الشاب سعي عبر هذه الزيارات الأخيرة للبيت الأبيض، واللقاءات المغلقة بكبار كُتاب الرأي بالصحف الأمريكية، للتمهيد لقدوم أخيه الأصغر، مُمثل المملكة في أمريكا، حديث العهد بالدبلوماسية، واستشراف مدى القبول الأمريكي بأخيه الأصغر كممثل لمصالح المملكة في العاصمة الأمريكية .

يُرجح أن تكون لجنة العلاقات العامة، التي تأسست بدعمٍ من الأمير الشاب محمد بن سلمان، في مارس (آذار) العام الماضي، هي أحد الأذرع الرئيسية التي سيعتمد عليها الأمير خالد بن سلمان في بداية عهده. «سابراك» هي الاسم المختصر لهذه اللجنة، التي تُعتبر بمثابة لوبي سعودي داعم لتحسين صورة المملكة التي اهتزت مؤخرًا بعد سيطرة رأي عام غربي وأمريكي بالأخص يتهم المملكة بالتحريض على الإرهاب.

اللوبي الأول للمملكة داخل واشنطن، الذي يتأسَّس بشكلٍ تنظيميٍّ ودائم، سيُشكل الدعامة الأساسية لخالد بن سلمان، في تقديم نفسه للصحف الأمريكية، وتنظيم لقاءاتٍ تعريفية بكبرى القنوات التليفزيونية، فضلًا عن لقاءاتٍ مغلقة تجمعه بعددٍ من أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ.

يُرجح كذلك ترقِّي نفوذ سلمان الأنصاري، ليصير متحدثًا رسميًا بإسم خالد بن سلمان داخل وسائل الإعلام الأمريكية، ومهندسًا لصياغة مواقف الأمير الشاب، وتسويقها بوسائل الإعلام الامريكية، فضلًا عن مرافقته الدائمة له خلال لقاءاته مع الفاعلين في صناعة القرار الأمريكي.

تجلَّى ذلك مؤخرًا، في ظهور الأنصاري المتكرر في أكثر من وسيلة إعلام غربي، بعد اختيار «خالد بن سلمان» سفيرًا للمملكة في أمريكا، متحدثًا عن خطط الأمير الشاب في إعادة هيكلة جديدة للعلاقات الأمريكية السعودية، واصفًا إياه بأنه «شخص منظم جدًا وذكي وشاب ونشط».


والأنصاري هو أحد من تم تكليفهم بتأسيس هذا اللوبي خلال العام الماضي، والذي تحدث عن مهام هذا اللوبي قائلًا: «نهدف للوصول إلى المواطن الأمريكي وتثقيفه حول كافة القضايا الخاصة بشأن العلاقات السعوديّة الأمريكيّة والشؤون العربية، وصدّ محاولات التشويه والتنميط أو الإساءة لعرض ثقافة المملكة، بالرغم من العلاقات القوية التي لطالما جمعتها سياسيًّا بالغرب والإدارة الأمريكية».

يضيف «الأنصاري» أن السعودية تريد من أمريكا أن تكون نفس أمريكا الداعمة لأمن واستقرار دول الخليج والمنطقة بناءً على «مبدأ أيزنهاور»، وما تريده أمريكا من السعودية هو أن تبقى السعودية نفس السعودية الداعمة لاستقرار الاقتصاد العالمي، والقائدةً للفكر السياسي «المعتدل» في المنطقة العربية.

يبدو من أحاديث الأنصاري أن المهمة الأولى التي ستكون محورًا رئيسًا في عمل خالد بن سلمان في العاصمة الأمريكية، هي تفعيل المساعي لمحو الصورة المنتشرة عن المملكة كداعمة للتطرف الديني، وإعادة تصدير صورة للمللكة مغايرة لما هو سائدًا عنها في الإعلام الأمريكيّ، بحيث يتم إبراز الانفتاح الاقتصادي، وخطة المملكة 2030، وتأسيس هيئة الترفيه، وتخفيف القيود على المرأة.

اجمالي القراءات 3759