شئنا أم أبينا باتت السياحة الحلال جزءًا لا يتجزأ من قطاع السياحة في العالم الإسلامي وغيره، وذلك بعيدًا عن جدلية ما إذا كان هذا النوع من السياحة هدفه التوافق مع الشريعة الإسلامية أم أنه فقط صناعة حديثة تدر أرباحًا جيدة، ففي النهاية فرضت السياحة الحلال نفسها كنوعٍ أصيل بالقطاع يستحقّ التفاعل معه من ناحية الدول السياحية بشكلٍ عام.
«تقديم خدمات السفر والسياحة وفقًا للتعاليم والمُمارسات الإسلامية، أي وفقًا لمتطلبات المسلمين المحافظين»، ربما يكون ذلك المفهوم الذي يصل إلى أذهان الجميع عند سماع مصطلح السياحة الحلال، وفي الواقع من المفترض أن هذا هو الأصل في هذا النوع من السياحة، إلا أن هذه الصناعة تطورت مؤخرًا وأصبحت غير قاصرة على المسلمين فقط، بل إن بعض غير المسلمين باتوا يفضلون هذا النوع.
محور اهتمام سوق السفر
بات هذا النوع يجذب انتباه أصحاب الفنادق الكبرى ووكالات السياحة مع تنامي الطلب عليه في السنوات الأخيرة، إذ انطلقت يوم الاثنين 24 أبريل (نيسان) الجاري، فعاليات معرض سوق السفر العربي 2017 في دبي، وهو أهم وأبرز حدث متخصص في قطاع السياحة والسفر في المنطقة، والذي حقق نجاحًا كبيرًا العام الماضي بحضور حوالي 40,000 شخص منهم 30000 زائر متخصص، فيما تم تسجيل صفقات تجارية بقيمة 2.5 مليار دولار.
المعرض يستضيف هذا العام الدورة الأولى من القمة العالمية للسياحة الحلال 2017، وذلك في محاولة لاستكشاف قطاع نمط الحياة والطعام الإسلامي الذي يقدر حجمه بتريليون دولار، وهذا يكشف مدى تطلع الإمارات للتوسع أكثر في هذا السوق، بالإضافة إلى الأهمية البالغة لهذه الصناعة التي فرضت نفسها لاعبًا أساسيًا في قطاع السياحة العالمي.
سوق السياحة الحلال يتَّسع
عندما تريد تقييم منتجٌ ما، يجب النظر في البداية إلى الطلب المتوقّع على هذا المنتج، فكلما اتسع سوقه كانت فرص هذا المنتج واعدة، ووفقًا لتقريرٍ حديث صادر عن مركز «بيو» الأمريكي للأبحاث، فأن الإسلام، هو الدين الأسرع انتشارًا بين الأديان الأخرى، كما أنه سيصبح الأكبر في العالم بحلول عام 2070.
المركز ذكر أن عدد المسلمين في العالم سيزداد بنسبة 73% بين عامي 2010 و 2050، مقابل 35% بالنسبة للمسيحين، الذين تشكل ديانتهم ثاني أسرع الأديان انتشارًا في العالم، وبحسب تقديرات المركز، فإن عدد المسلمين في العالم بلغ نحو 1.6 مليار مسلم في 2010 (23% من مجموع سكان العالم).
وفي حال كان المسلمين هم الأكثر استهلاكًا لمنتجات السياحة الحلال، فإن مستقبل السوق واعد، إذ إن حجم السوق ينمو بشكلٍ قوي، ووفقًا لإحصاءات منظمة السياحة العالمية شكلت السياحة الحلال 9% من إجمالي قطاع السياحة عام 2010 وبلغت قيمتها نحو 90 مليار دولار، وفي عام 2011 زادت قيمتها لتصل إلى 126.1 مليار دولار، أي شكلت نسبة 12.3% من إجمالي دخل السياحة العالمية، ثم ارتفع هذا الرقم ليبلغ 140 مليار دولار عام 2013، أي 13% من إجمالي دخل السياحة العالمي.
ووفقًا لتوقعات المتابعين لسوق السفر حول العالم، فإن التقديرات تشير إلى نموّ قيمة سوق السياحة الحلال بنسبة 5% سنويًا حتى عام 2020، لتصل إلى 192 مليار دولار، وذلك باستثناء الرحلات الدينية للحج والعمرة، فيما يتوقع تقرير أصدرته حكومة دبي تم إعداده من قبل «تومسون رويترز» وبالشراكة مع «دينار ستاندرد»، سيصل حجم الإنفاق السياحي بقطاع السياحة الحلال إلى 238 مليار دولار بحلول عام 2019.
في 2015 وصل عدد السياح حول العالم إلى 1.2 مليار سائح، منهم 110 ملايين سائح مسلم، أنفقوا 150 مليار دولار، هذا الرقم يزيد عن 10% من الإنفاق العالمي على السفر، ولكن بالنظر إلى أماكن ازدهار هذا النوع من السياحة، نجد أنه – وبحسب المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية 2015 – فإن ماليزيا جاءت في المرتبة الأولى تلتها تركيا، ثم الإمارات العربية المتحدة، ثم السعودية وقطر وإندونيسيا وسلطنة عمان والأردن والمغرب، ثم بروناي، وذلك ضمن قائمة دول منظمة المؤتمر الإسلامي.
أما فيما يخص الدول خارج منظمة المؤتمر الإسلامي، جاءت سنغافورة في المرتبة الأولى تلتها تايلاند والمملكة المتحدة وجنوب إفريقيا وفرنسا وبلجيكا وهونج كونج ثم الولايات المتحدة وإسبانيا وتايوان.
مصر غائبة
الملاحظ في أسماء هذه الدول هو غياب دولة كمصر، التي تعتبر من أهم الدول السياحية العربية، كما أنها تحتل المرتبة الخامسة من حيث أكبر الدول الإسلامية في العالم، ويعتبر هذا الغياب علامة استفهام يجب التوقف أمامها كثيرًا، إذ تتميز مصر بالتنوع في السياحة التي تقدمها فلديها سياحة شاطئية وعلاجية وثقافية ودينية، ولكن لماذا تختفي السياحة الحلال من بلاد الأهرامات؟
على عبد الرؤوف، الأكاديمي المصري والخبير الاقتصادي، يرى أنّ غياب هذا النوع من مصر يعود إلى تدهور صناعة السياحة بشكلٍ عام في البلاد، سواءً الحلال منها أو غيرها، فيما يؤكد على أن امتناع السياح عن القدوم لمصر لا يرجع لوجود أو عدم وجود فنادق بلا خمور، بل إن سوء إدارة القطاع هي السبب.
وتابع عبدالرؤوف، خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أننا في مصر لم نشاهد هذا الشكل من السياحة من قديم الأزل، لكن مع تنامي الاهتمام العالمي به، يجب أن يكون هناك شكلٌ من أشكال التجديد والتسويق للسياحة لاستقطاب عددٍ أكبر من السائحين.
الغريب في الأمر أنه لا يوجد أي بوادر تشير إلى أن القاهرة تفكِّر في هذه الصناعة في الوقت الحالي، بالرغم من أن تدهور السياحة بالبلاد يجب أن يكون الدافع وراء هذا الأمر، إذ تراجع إجمالي عدد السياح الوافدين إلى مصر بنسبة 42% خلال 2016 مقارنة بالعام 2015، بحسب الإحصاء المصري (حكومي).
وكان طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، قد ذكر أن إيرادات بلاده من النقد الأجنبي في قطاع السياحة انخفضت إلى 3.4 مليار دولار في عام 2016 وهو ما يقل 44.3 % مقارنة عن مستواها في 2015.
كريم محسن نائب رئيس اتحاد الغرف السياحية والخبير السياحى، يرى أن السبب وراء عدم انتشار هذا النوع من السياحة في مصر، هو أن الاعتماد أكثر على السياحة الأوروبية، كما أن أغلب السياحة الحلال تخرج من دول جنوب شرق آسيا، وهذه الدول غير موجودة كثيرًا بمصر.
دول رائدة في السياحة الحلال
تركيا
يعتبر البعض أن تركيا هي أم السياحة الحلال؛ إذ إن صناعة السياحة الحلال في البلاد تشهد فترةً من النموّ المتسارع في عديدٍ من المدن التركية، كما أنها احتلّت المرتبة الثالثة بين دول منظمة التعاون الإسلامي كأعلى وجهة في مؤشر السفر العالمي للمسلمين الصادر عن ماستركارد 2016، بعد كلٍ من ماليزيا والإمارات.
ووفقًا لرمضان شوكجافيك، مستشار رئيس الهيئة العامة للترويج التابعة لوزارة الثقافة والسياحة التركية، فإن تركيا تمتلك 300 فندق حلال حول العالم، نصفها موجودة في تركيا، فيما تعد مدينة ألانيا (غرب) المنطقة الأكثر احتضانًا لهذا النوع من السياحة، وتعتمد على الأحكام الرئيسية في الشريعة الإسلامية، كتحريم الكحول والحرص على تقديم اللحوم والدواجن المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية، إضافة إلى توفير مسابح خاصة للنساء ومساجد للمصلين.
اليابان
تحاول اليابان الدخول إلى هذه الصناعة كلاعب أساسي، إذ تهدف الحكومة اليابانية إلى جذب المزيد من السياح المسلمين من الشرق الأوسط، إذ قامت العام الماضي بتخفيف القيود على تأشيرات المواطنين من عدة دول إقليمية تشمل الإمارات والأردن، وصار بإمكان الإماراتيين الحصول على تأشيرة متعددة الدخول وسارية لمدة ثلاثة أيام إلى اليابان، وتم إعفاء الأردنيين من رسوم التأشيرات.
كما تهدف إلى الاستفادة من دورة الألعاب الأولمبية 2020، لجذب مليون سائح مسلم سنويًا، وهو ما يمثل نحو 4% من إجمالي عدد السياح اليوم، ومن المتوقع أن يبلغ النمو السنوي 18.7% بحلول عام 2020، وفي نفس الاتجاه بدأت في تقديم تأشيرة دخول مسبقة للسياح الإندونيسيين والماليزيين والتايلانديين، من أجل تقديم خدمة أفضل لحوالي 65% من السياح المسلمين الذين يأتون من جنوب شرق آسيا.
تايلاند
يقول مانات سويبسانتيكول، أحد مسؤولي «مركز علوم للحلال» التايلاندي، إنهم يهدفون لأخذ نصيبهم من قطاع المنتجات الحلال عبر افتتاح مطاعم وفنادق تتمتع بشهادة «حلال»، وذلك بعد أن شهد القطاع نموًا متصاعدًا خلال السنوات الأخيرة على مستوى العالم.
سويبسانتيكول أكد أنهم يهدفون إلى جذب السياح من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وتصميم الخدمات الجديدة بما يتناسب مع غير المسلمين أيضًا، مشيرًا إلى أن عائدات «الاقتصاد الحلال» في العالم تصل سنويًا إلى 3.2 تريليون دولار، وبلاده تسعى لنيل نصيبها من هذا المبلغ عبر تطوير استراتيجياتها الجديدة.
وجهاتٌ أخرى
مؤخرًا باتت السياحة الحلال رائجة في الكثير من دول العالم، ووفقًا لتقرير الاقتصاد الإسلامي العالمي للعامين 2016 و2017، الذي أعدته ونشرته وكالة تومسون رويترز للأنباء هذه أفضل 10 وجهات للسياحة الحلال حول العالم: الإمارات العربية المتحدة، ماليزيا، تركيا، سنغافورة، الأردن، جزر المالديف، إيران، لبنان، سلطنة عمان، السعودية.
بالإضافة إلى أن البوسنة والهرسك تصنف كذلك ضمن أفضل الوجهات بالسياحة الحلال، فأكثر من 50% من سكانها من المسلمين؛ مما يعني أن هناك الكثير من الخيارات التي تتوافر للسياح المسلمين الحريصين على السياحة الحلال.
جنوب إفريقيا: هي وجهة سياحية حلال مميزة كذلك، إذ تتضمن مجموعة واسعة من المرافق الحلال بما في ذلك المطاعم والمساجد، إضافة إلى عدد من مواقع الجذب السياحي، مثل ثاني أعلى شلال في العالم، وثالث أكبر واد في العالم.
دلهي: وتعود مكانتها إلى أن الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في الهند التي يسكن بها أكثر من 138 مليون مسلم، وتحتوي مدينة دلهي على ثاني أكبر تجمع للمسلمين في الهند؛ مما يجعلها تشتهر بالطعام الحلال، إضافة إلى احتوائها على عدد من المواقع التاريخية والمتاحف والمعابد القديمة، وهو ما يجعلها في ضمن أهم الوجهات الحلال بالعالم.