هل تتحد إيران وطالبان وترامب لمواجهة «تنظيم الدولة»؟

في الأربعاء ٠٥ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

تغيرت تفاصيل المعركة بين «تنظيم الدولة»، وإيران عندما خلق التنظيم خلاياه على الأرض الإيرانية، لتتلاحق تصريحات الأمن الإيراني وهي تعلن عن إحباط عملية تلو الأخرى للتنظيم، وفي المحصلة هناك تواجد واضح للتنظيم على الأراضي الإيرانية.

ولمنع بقاء التنظيم في عقر الدار الإيرانية، بدا موقف طهران العدائي مع حركة «طالبان» الأفغانية يتوجه نحو التعاون من أجل الخلاص من «إرهاب داعش»، أما موقفها مع الخصم الأبرز، وهو الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» وإدارته، فيحظى بالعديد من القراءات التي ترى تراجع هذا العداء لصالح عداء «تنظيم الدولة» مع إصرار الولايات المتحدة على معاقبة إيران، أو وجود فرصة قادمة لخلق التعاون بين الجانبين لمواجهة التنظيم.

«تنظيم الدولة» على الأرض الإيرانية

اعتبرت المعركة بين إيران، و«تنظيم الدولة» حامية الوطيس، لكن على غير الأراضي الإيرانية، فمنذ أعلن تنظيم الدولة في 29 يونيو (حزيران) 2014، عن حدود دولته، كانت إيران التي تبعد في ذلك الوقت 20 ميلًا عن المحافظة الحدودية العراقية ديالى، خارج نطاق عمليات التنظيم.

وما بين التشكيك بكون إيران تمثل أحد أهداف التنظيم، وبين اعتبار إيران أن التنظيم يشكل تهديدًا خطيرًا على أمنها القومي، كانت رحى المعركة دائرة، حتى بدا أثر خطوات التنظيم في الأراضي الإيرانية واضحًا، لتتالى إعلانات وزارة الاستخبارات الإيرانية عن عمليات إحباط لتحركات «تنظيم الدولة» داخل هذه الأراضي، عملية أحبطت في شهر أغسطس (آب) الماضي، وأخرى في يونيو (حزيران) من العام نفسه، أما فبراير (شباط) الماضي، ففيه فككت «خلية إرهابية» تابعة للتنظيم، وقريبة من العاصمة طهران، وقالت المصادر الإيرانية إن «الخلية أرادت تخريب تجمعات اليوم لإحياء ذكرى الثورة الإسلامية التي أطاحت الشاه المدعوم من الولايات المتحدة في 1979»، كما أقرت مصادر إيرانية أنها تمكنت من إعاقة انضمام أكثر من 1500 شاب كانوا يعتزمون الانضمام إلى «تنظيم الدولة»، وهو ما حذا بمصدر أمني ​​إيراني للقول إن: «إيران تواجه تهديدًا إرهابيًّا خطيرًا، وأن كل الأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة في البلاد تُنسق جهودها لمواجهة هذا التحدي»، ويضيف المصدر في حواره لموقع «المونيتور»: «إن الجمهورية الإسلامية تبذل جهودًا حثيثة لمكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقليمي، والمحلي».

الأكثر وضوحًا خاصة من طرف «تنظيم الدولة»، الذي يعتبر إيران «تمارس الخداع والتضليل على الشعوب برفعها شعار العداء لأمريكا وإسرائيل، بينما هي تقيم علاقات في الخفاء مع الولايات المتحدة الأمريكية»، هو ما أعلن خلال الأيام الماضية عن تشكيل كتيبة «سلمان الفارسي»، إذ أظهر فيديو عنون بـ«بلاد فارس بين الأمس واليوم» مقاتلين إيرانيين أثناء تدريبهم على الرماية، في محافظة ديالى شرق العراق، كانوا يصبون الرصاص على صور الزعيم الروحي للثورة الإيرانية علي الخميني، والمرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، والجنرال قاسم سليماني.
ولم يخل الشريط الذي أعدم فيه أربعة عراقيين، عن إظهار التنظيم لخلافه المذهبي مع إيران التي «حوّلها إسماعيل الصفوي لتمجيد أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر بن الخطاب، ولعن الصحابة على المنابر»، كما جاء في الفيديو، مضيفًا: «دين الرافضة بذرة يهودية، ونظام ولاية الفقيه الذي سنّه الخميني وسار على دربه خلفه علي خامنئي، هو في الحقيقة يسعى إلى تصدير التشيع إلى دول الجوار، ودول إفريقية، وشرق آسيوية، وليس كما يزعمون بأنه تصدير للثورة».

عداء ترامب.. يسهل محاربة «تنظيم الدولة» أم يخدمه؟

ربما لم يرتبط موقف بالرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» خلال جولته الانتخابية وبعدها أكثر من موقفه من إيران التي لم يكف عن كيل التهديدات ضدها، والتوعد بعقابها، وذلك رغم تأكيده محاربة «تنظيم الدولة»، واعتبار إزالته أولوية أمريكية.

في البداية، ومحاولة للإفلات من تبعات موقف ترامب توجهت إيران أكثر نحو الإمساك بزمام محاربة الإرهاب، أو «تنظيم الدولة» على الأراضي السورية والعراقية، حيث موطئها العسكري هناك، وقرأ هنا المحللون إرادة إيرانية بالظهور كدولة ذات دور وتأثير في محاربة الإرهاب، خاصة أنها شرعت منذ البداية في تقديم الدعم العسكري لمحاربة تقدم «تنظيم الدولة» في شمال العراق منتصف عام 2014، بل هناك من يتحدث بإيجابية أكثر فيرى أنه بالرغم من الخلاف الكبير بين الدولتين (أمريكا وإيران) إلا أن مواجهة «تنظيم الدولة» «قد يوفر أرضية للتفاوض والتعامل بين الجانبين»، أي هناك إمكانية لوجود تنسيق في هذا الملف الأمني الشائك بين الجانيين، وهذا ما جعل الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات د. فاطمة الصمادي تقول: «لعل معطيات كثيرة تشير إلى أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ستقوم على التفاعل والمواجهة في ذات الوقت، فتصاعد قدرة جماعات مثل (تنظيم الدولة)، واتساع الرقعة الجغرافية لعملها، ستجعل الإدارة الأمريكية تتجه للتعاون مع إيران، وسيكون من الصعب تجاهل الدور الإيراني على هذا الصعيد».

لكن قراءة أخرى مهمة، بدأت تستجد مع تدهور العلاقات بين البلدين، وإصرار ترامب على الموقف العدائي من إيران، رغم تثبته بمواجهة «تنظيم الدولة» كأولوية واضحة، فقد شبه الكاتب المختص بشؤون الدفاع «باتريك كوبيرن» مواقف دونالد ترامب بأنها مستلهمة من سياسات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل في تعامله مع إيران، لذلك استنتج «كوبيرن» في مقاله المنشور مؤخرًا على «الإندبندنت» أن: «ترامب سيشعل حربًا مع إيران، وهو ما يخدم تنظيم الدولة الإسلامية»، ويضيف بأن سياسة ترامب جيدة لتنظيم الدولة، وذلك «على الرغم من وجود الكثير من الأعداء للتنظيم الذين تعهدوا بهزيمته، فإن الجيشين السوري والعراقي اللذين تدعمهما إيران بشكل رئيس هما أحد ألد الأعداء له».

وهذا ما جعل أيضًا مستشار وزميل (ويليام ديفيدسون) من معهد واشنطن «دينيس روس» يعتبر أن ترامب الذي يدرك أهمية دور الروس والسوريين في قتال تنظيم الدولة، يرفض استفادة بلده من دورهم، لكون «هذا الاقتراح أكثر شبهة بكثير مما قد يبدو في ظاهره، وخاصة أنه قد يعزز موقف إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط»، حسب روس.

«تنظيم الدولة».. وجهة العداء بين إيران وطالبان تتغير

كان مشهد إعدام رجلين أظهرهما مقطع فيديو نشره «تنظيم الدولة» يوم 5 مارس (آذار) الماضي، مشهدًا معتادًا، فقد تُلي نصّ يتهم الرجلين بأنهما جاسوسان للحكومة الأفغانية قبل إطلاق الرصاص على رأس أحدهما، بينما الآخر قُطعت رأسه.

مقاتلون من طالبان (المصدر: نون بوست)

غير المعتاد هو أن مكان هذا الفيديو هو «أشين»، أحد أحياء محافظة نانغارهار على الحدود الأفغانية مليئة الثغرات مع باكستان، فرغم أن هذه الحادثة لا تدلل على أن «تنظيم الدولة» ينمو في أفغانستان، إلا أن ذلك لا ينفي خطر تواجد التنظيم في هذه المنطقة طويلة الحدود مع إيران، مشكلًا تحديًا مغايرًا، ويضاعف الإشكال إذا ما علمنا أن عناصر التنظيم هم مجموعة من أعضاء طالبان السابقين، قالت طالبان إنها طردتهم لوحشيتهم القصوى، ومع الإشارة إلى أن التوجه العقدي لطالبان مخالف لتوجه تنظيم الدولة الذي اعتبرها «صوفية قبورية مرتدّة»، فقد أعلن التنظيم بوضوح الحرب على طالبان، ودعا لاستئصالها في أكثر من إصدار مرئي له.

ويؤكد مركز راند الأمريكي أن: «جنوب آسيا قد أصبح سوقًا رائجة لتنظيم الدولة، لأن المنطقة لديها تاريخ طويل من دعم المجموعات الجهادية منذ 1980 في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، كذلك لكونها حازت على بعض العوامل، التي جعلتها جذابة بالنسبة لقادة التنظيم، مثل الضعف النسبي لحكومات المنطقة، الذي وفر مناطق ومساحات آمنة لا تصل إليها أيدي هذه الحكومات».

النقطة الأهم هنا، أن «تنظيم الدولة» الذي يجاهر بتكفيره للشيعة، وإعلان الحرب عليهم، يصر أن يتخذ من برك الدماء التي تركتها عملياته في أفغانستان ممرًا «لتحويل إيران إلى برك من الدماء»، كما قال المتحدث باسم التنظيم، «أبو محمد العدناني»، في أواخر عام 2014، وهو ما يعني أن هدف التنظيم سلوك الطرق نحو «بلاد الشيعة»؛ لشن هجمات جديدة بيد عناصر من حركة طالبان جندهم التنظيم.

ولأن حركة «طالبان» الأفغانية كغيرها من التنظيمات السنية، كانت في مربع عداء إيران، سارعت الأخيرة لإزاحة هذا العداء جانبًا لتجعل من طالبان شريكًا في الحرب على تنظيم الدولة بهدف مواجهة توسع التنظيم، ومنع مسلحيه من عبور الحدود إلى إيران، وليوصف التحالف بين طالبان وطهران بـ«أغرب» التحالفات التي نشأت عن صعود التنظيم، فهدف الخلاص من «تنظيم الدولة»، أو «وقف زحف داعش» كما جاء في تقرير مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية جمع أعداء الأمس حول مصلحة واحدة، ويضيف تقرير المجلة: «تعمل إيران مع طالبان لإنشاء منطقة عازلة على طول حدودها مع أفغانستان؛ لمنع دخول تنظيم داعش، في أحدث علامة على كيفية أن صعود التنظيم يحول متنافسين، منذ فترة طويلة، إلى حلفاء متشككين».

قمع الأحواز يتزايد

تنعكس ساحة المعركة بين «تنظيم الدولة»، وإيران على وضع الإيرانيين غير الفارسيين، إذ سارعت إيران لاستخدام ورقة الأحواز والبلوشستان الأكثر تأثيرًا في الوضع الداخلي الإيراني، هذا الوضع المهدد من التنظيم بالتزامن مع اتضاح سياسة «دونالد ترامب» للجم الحرس الثوري، وتحجيم دور إيران.

يؤكد مدير مركز «ميسان» للدراسات العربية والإيرانية «محمد المذحجي»، أن «تنظيم الدولة» ساهم في خلق «التهديد الأمني» الذي تحتاجه طهران حاليًا لفرض حالة طوارئ أمنية غير معلنة في الأقاليم المنتفضة ضد السياسات الإيرانية، وبالتحديد ضد العرب والبلوش والأكراد والآذريين والتركمان، ويضيف لـ«ساسة بوست»: «إيران بأمسّ الحاجة لتهويل خطر الإرهاب على البلاد، وخاصةً الخطر الداعشي، وهي الآن تضع الشعوب غير الفارسية بين خيارين السيئ والأسوأ، الخيار السيئ هو بطش نظام الملالي، والأسوأ هو ما يفعله «تنظيم الدولة» من قطع الرؤوس، وانعدام الأمن، وهو ما يعني أن إيران ستوظف تهديدات التنظيم الأخيرة للمزيد من الاعتقالات والإعدامات بحق النشطاء العرب والبلوش والسنّة، تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة».

ويشير «المذحجي» إلى أن «تنظيم الدولة» يقدم «هدية أمنية» أخرى لإيران، فعلى بُعد أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية (المزمع إجراؤها 10 أيار/ مايو القادم)، ساهم نشر التنظيم لمقاطع فيديو ضد إيران، بفرض الأمن الإيراني «حالة أمنية مشددة بهدف قمع أي احتجاجات محتملة تلي الإعلان عن نتائج الانتخابات، تحت غطاء محاربة التنظيم، وبسهولة أكثر»، حسب المذحجي.

اجمالي القراءات 659