فى الحياة العملية للمسلمين قلما تأخذ المرأة حقها فى الميراث ، وقلما يحصل الضعيف من الأيتام و غيرهم على حقوقهم طالما يوجد ورثة أقوياء لا يخافون الله تعالى.
ومع أن تشريع القرآن الكريم فى الميراث سبق كل العالم المتحضر فى العدل واعطاء حقوق المرأة و اليتيم إلا إن تشريع الله تعالى قلما يجد طريقه للتنفيذ.
من هنا فنحن نتكلم فى التشريع القرآنى الذى يجب و ينبغى أن يكون وأن يتم تنفيذه.
اليتيم هو من فقد والديه أو أحدهما وهو دون البلوغ .. واليتيم عنصر مهم في قضية الميراث فقد يكون ابناً للمتوفى أو أخاً له .. وفي كل الأحوال فهو عاجز عن التصرف في التركة التي آلت إليه ويحتاج إلى وصي أمين يقوم على تنمية هذه التركة ورعايتها إلى أن يكبر ويصبح قادراً على إدارة تركته بنفسه .
وفي حالة اليتيم فإن قضية الميراث تتحول من شأن خاص بالورثة إلى شأن عام يخص المجتمع كله الذي يرعى اليتيم ويحفظ حقوقه إلى أن يكبر و يصبح شخصاً راشداً قادراً على رعاية نفسه وأمواله .
وبسبب ارتباط اليتيم بتشريع الميراث فإن آيات سورة النساء بدأت بقضية اليتيم وحقوقه المالية قبل أن تفصل تشريعات الميراث.
فالآية الثانية من سورة النساء تأمر بإعطاء اليتامى أموالهم وتحذر من أكلها بالباطل , وتفتح بذلك التشريعات الخاصة باليتيم في قوله تعالى " وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً" .
وبعد تفصيلات التشريع الخاص باليتيم وحقوقه يأتي التحذير نفسه من أكل أموال اليتيم في الآية العاشرة من سورة النساء "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ".
وبعدها تأتي تفصيلات الميراث .
ويؤكد القرآن على قيام وصي برعاية مال اليتيم وتركته، وحرم على ذلك الوصي أن يأخذ من مال اليتيم إذا كان الوصي غنياً، أما إذا كان الوصي فقيراً فله أجره بالمعروف المتعارف عليه في المجتمع , ومفهوم أن ذلك بحكم المجتمع وسلطته القضائية.
فإذا بلغ اليتيم سن الرجولة فإن السلطة القضائية في المجتمع تعقد له اختبارا لتتأكد من أهليته في إدارة تركته , فإذا أثبت أهليته تسلم أمواله من الوصي على رؤس الأشهاد وفي ذلك يقول تعالى "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا، ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم، وكفى بالله حسيباً ." النساء6 ).
ويلاحظ أن هذا التشريع يؤكد على ما سبق بيانه من الحرص على مال اليتيم وتركته حتى لا يأكله الوصي ويستهلكه قبل أن يبلغ اليتيم مبلغ الرشد .
وقد يبلغ اليتيم أشده جسدياً ولكن لا يبلغ الرشد ويفشل في الاختبار، فتراه السلطة القضائية غير كفء لإدارة أمواله،أي تراه سفيهاً. حينئذٍ لا يكون له من ماله إلا حق الإعالة من الرزق والكسوة والمعاملة الطيبة والرعاية الكاملة، ولكن يظل المال في يد السلطة القضائية تستثمره لصالح المجتمع , وفي ذلك يقول تعالى "و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً " .. النساء 5 .
وفي الآية الكريمة إشارتان اقتصاديتان في منتهى الأهمية :
1- فالله تعالى يقول عن مال اليتيم إذا أصبح سفيهاً أنه مال المجتمع ولم يعد مال السفيه، لأن ذلك المال حق لمن يستطيع استثماره والقيام على تنميته أو بالتعبير القرآني "و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً لم يقل ( و لا تؤتوا السفهاء أموالهم) لأنهم طالما كانوا سفهاء فالمال لم يعد لهم وإنما يعود للمجتمع للقيام عليه ومن حق المجتمع حينئذٍ أن يحجر على السفيه وأن يعطيه من ذلك المال متطلباته ورعايته .
2- والله تعالى يقول عن حقوق السفهاء في الأموال التي كانت لهم "وارزقوهم فيها" أي ارزقوهم من خلالها أي من ريعها واستثمارها، بما يعني الدعوة إلى استثمار المال ودورانه ليحقق ريعاً مستمراً ، ومن هذا الريع يعطى السفيه حقه في الغذاء والسكن والملبس والرعاية .
ولذلك لم يقل الله تعالى (وارزقوهم منها) وإنما قال (وارزقوهم فيها) لأن (منها) تفيد أصل المال والتركة نفسها , أما "فيها" فهىّ تفيد الريع الناتج عن الاستثمار لتلك التركة .
ويلاحظ أن الله تعالى حين تحدث عن إعطاء الأقارب واليتامى والمساكين من غير الورثة جزءا من التركة قال "و إذا حضر القسمة أولي القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً : النساء 8 .
قال تعالى "فارزقوهم منه" أي من أصل التركة قبل التوزيع على الورثة المستحقين .