تحقيق محمد طنطاوي
الحديث عن الفساد في هيئة التعمير لم ينته بعد، فهناك مئات الملفات لاتزال مغلقة في ظل التعتيم الذي تحاول قيادات الهيئة فرضه حول ملف الأراضي تحديدا. ملف أراضي الدولة قد يكون المسمار الأخير في نعش بعض قيادات وزارة الزراعة، وكبار رجال الأعمال، بل مسؤولون كبار في الدولة خصوصا في ظل زيادة الأطماع علي هذه الأراضي التي تديرها الفوضي والعشوائية والحسابات الخاصة.
سيطول الحديث حول أوضاع أراضي أملاك الدولة، وتتسع دائرته مع كشف حالات جديدة من الفساد داخل هيئة التعمير، وحالات تعد علي أراضي الدولة من قبل بعض رجال الأعمال المتخصصين في الاستيلاء علي أراضي الدولة.
في هذه الحلقة نواصل كشف حقائق جديدة حول إهدار 14 مليون فدان في مختلف محافظات الجمهورية، بما يعادل 5,6 % من أراضي مصر، وطرق رجال الأعمال في الاستيلاء علي هذه الأراضي. وأخطر هذه الشركات ومحاولاتها للاستيلاء علي أراضي الدولة هي شركة وادي الملوك لصاحبها مدحت بركات والمتهم بالاستيلاء علي أكثر من 14 الف فدان في طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وكذلك شركة علي جاد الحق نجل شيخ الأزهر السابق المتهم بالاستيلاء عي 6 آلاف فدان أخري
خدعة وادي الملوك
ويأتي علي رأس قائمة المتهمين بالاستيلاء علي أراضي الدولة المستثمر مدحت حسنين بركات رئيس مجلس إدارة شركة وادي الملوك، والذي ظهر اسمه طبقا للأوراق الموجودة لدينا في عام 1995 عندما تقدم إلي الهيئة طالبا استصلاح مساحة 2000 فدان علي طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي عند الكيلو 52، والكيلو56 ، وقدم بركات الأوراق المطلوبة وهي عبارة عن خريطة موقعة من مهندس استشاري نقابي يتبع أحد المكاتب الهندسية الاستشارية الخاصة، وذلك وفقا لإجراءات الهيئة حيث يحدد علي الخريطة إحداثيات الأرض المطلوب استصلاحها.
اكتشفت اللجنة الفنية التابعة لهيئة التعمير أن الأراضي المحددة علي الخريطة تتداخل مع أراضي جمعية الأمل بمساحة 700 فدان، وتتداخل مع أراضي جهة سيادية أخري بمساحة 150 فدانا من المساحة المطلوبة.
وبناء علي تقرير اللجنة الفنية قامت الهيئة بتحرير عقد إيجار مساحة 1150 فدان نظير 200 جنيه للفدان الواحد لبركات . و اشترطت أن تكون مدة عقد الإيجار 3 سنوات فقط يثبت خلالها المستثمر جديته في استصلاحها.
بعد حصول بركات علي الأرض جاء دوره في سداد الأقساط المستحقة عليه لكنه لم يفعل بل قام أيضا بالتعدي علي حوالي 5000 فدان من أراضي شركة ( ريجوا ) لأبحاث المياه الجوفية. التي كانت قد خصصتها وزارة الزراعة عام 1994 بقرار تخصيص رقم 1605 لشركة ريجوا ضمن 9000 فدان في المنطقة الواقعة من الكيلو 52 وحتي الكيلو 58 علي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وذلك للحفاظ علي خزان المياه الجوفية في المنطقة، مما دفع الشركة إلي إرسال مذكرة رقم 24553 في 8/9/2001 إلي وزير الزراعة آنذاك يوسف والي تشرح فيها قيام بركات بالتعدي علي أراضيها. فخاطب يوسف والي بدوره وزير الداخلية في 10/9/2001 أي بعد يومين من شكوي ريجوا، طالبا منه التدخل لإزالة تعديات شركة وادي الملوك علي أراضي ريجوا..
الأمل .. جاد الحق
رجل آخر ظهر علي الساحة، هو علي جاد الحق نجل شيخ الأزهر السابق، رئيس جمعية الأمل الذي تقدم بطلب لهيئة التعمير في عام 1995 أيضا لتقنين وضع يده علي 6000 فدان عند الكيلو 43 طريق مصر الإسكندرية الصحراوي أي نفس العام الذي طلب فيه مدحت بركات رئيس مجلس إدارة شركة وادي الملوك من هيئة التعمير تخصيص 2000 فدان للاستصلاح، مما يوحي بشيء من التنسيق بين الرجلين، سيكون أكثر وضوحا في السطور القادمة. وبالفعل، استوفت جمعية الأمل الجديدة لاستصلاح واستزراع الأراضي جميع الشروط، وتبقي لها أن تحصل علي موافقة الجهة السيادية، ورغم أن ذلك مسؤولية صاحب الطلب فإن هيئة التعمير قدمت خدمة خمس نجوم لجمعية الأمل فتقدمت إلي الجهة السيادية بطلب تخصيص 6000 فدان صادر تحت رقم 3946 في 10/5/ 1996 ، وافقت الجهة السيادية علي طلب التخصيص، لكنها وضعت مجموعة من الشروط، أولها هو الالتزام بالمساحة التي تمت الموافقة عليها، وحُددت علي الخريطة، وعدم التعدي علي أي مساحات إضافية. الشرط الثاني للجهة السيادية أكد ألا يزيد ارتفاع المباني علي 3 أمتار من منسوب سطح الأرض.
لم تلتزم جمعية الأمل بأي من هذه الشروط، حيث تعدت علي مساحة 1500 فدان من أراضي الجهة السيادية المجاورة لها. كما أقامت أسوارا بارتفاعات تزيد علي 15 مترا، ورغم هذه المخالفات الواضحة لشروط الجهة السيادية قامت هيئة التعمير بتحرير عقود التخصيص للجمعية في 17/10/1999 بين الدكتور محمود عبد الرحيم أبو سيده، بصفته رئيس مجلس إدارة الهيئة طبقا للقرار الوزاري رقم 603 والدكتور علي جاد الحق رئيس مجلس إدارة جمعية الأمل. بل إن الهيئة لم تكتف بالتغاضي عن تعديات ومخالفات جمعية الأمل وإنما شاركت في تلك المخالفات عندما حررت عقد إيجار لمدة سنة لحين الحصول علي موافقة وزارتي الري والآثار . وهيئة المحاجر، والجهة السيادية،أي إنها قامت بالتأجير قبل الحصول علي موافقة كافة الجهات المعنية وبالمخالفة للقرار رقم 248 لسنة 1984 .
تحالف بركات - جاد الحق
وأمام صمت الجهات التنفيذية علي التهام كلا المستثمرين لأراضي الدولة لم يكن هناك بد من تحالفهما معا ليظهر مدحت بركات رئيس مجلس إدارة وادي الملوك علي مسرح الأحداث من جديد بعدها بتسع سنوات وبالتحديد في عام 2004 ،بعد أن كان وضعه قد استقر من خلال عقد إيجار أبرمه مع علي جاد الحق، رئيس مجلس إدارة جمعية الأمل والذي بمقتضاه يستأجر بركات الأرض لمدة ثلاث سنوات بداية من 2/11/2004 .
هذا العقد يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هيئة التعمير تعمدت غض الطرف عن التعديات، والمخالفات التي تتعرض لها أراضي الدولة علي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، فالأرض تم تأجيرها لشركة وادي الملوك بالمخالفة للقرار 248 لسنة 1984 الذي يمنع تأجير الأراضي من الباطن لأفراد أو شركات خلال مدة التعاقد. كما أن مدة التعاقد المبرمة بين هيئة التعمير وجمعية الأمل كانت سنة واحدة تنتهي في 2000 في حين استأجرت شركة وادي الملوك الأرض من جمعية الأمل في عام 2004 مما يؤكد أن هيئة التعمير لم تسترد الأراضي من جمعية الأمل كما نص التعاقد بينهما.
سمعة سيئة .. وتمرير أراض
ظهور بركات هذه المرة جاء بعد وقف هيئة التعمير التعامل معه، فالرجل بات ورقة خاسرة بعد استيلائه علي 6 الآف فدان من أملاك الدولة, وعلاقاته مع قيادات الهيئة، والأهم من ذلك اتهامه كوسيط في قضية الرشوة الشهيرة المتهم فيها أحمد عبد الفتاح المستشار القانوني لوزارة الزراعة سابقا، ولعب بركات هذه المرة بورقة جديدة، ورابحة .. هي جمعية الأمل ورئيسها علي جاد الحق، حيث اتفق بركات مع علي جاد الحق علي تأسيس هذه الجمعية خصيصا للحصول علي الأراضي المجاورة لأراضي وادي الملوك ثم تمريرها إلي بركات مرة أخري بالاشتراك مع شخص يدعي علاء عبد النبي، والذي تؤكد المعلومات أنه رئيس مجلس إدارة شركة الباشوات التي أقامت منتجع الباشوات علي الأراضي التي تم تمريرها من علي جاد الحق إلي بركات. والسؤال الآن، ما هي علاقة بركات بشركة الباشوات حتي يمرر لها هذه الأراضي؟ العلاقة تتضح بلا شك أكثر عندما ندرك أن بركات الذي يتولي منصب رئيس إدارة شركة وادي الملوك هو نفسه العضو المنتدب لشركة الباشوات، والمسؤول عنها تنفيذيا وتسويقيا وتمويليا.
لافتة جديدة .. للنصب
لماذا فضل بركات أن تذهب 6 آلاف فدان إلي شركة الباشوات، ولا تذهب إلي شركة وادي الملوك التي يترأسها؟ كل الدلائل تشير إلي أن شركة وادي الملوك خسرت سمعتها، وباتت مثارا للشك والريبة خاصة بعد وقف هيئة التعمير التعامل معها، وارتباط اسم رئيسها مدحت بركات بقضية رشوة مستشار وزيرا الزراعة، بالإضافة إلي تحذير سفير مصر في دولة الإمارات وسفير دولة الإمارات في مصر من التعامل مع شركة وادي الملوك بعدما كانت الشركة بدأت في إنشاء مقار لها بدول الكويت والامارات والسعودية, لذا جاءت شركة الباشوات لتكون لافتة جديدة يستخدمها بركات لجني المزيد من الأموال وإيقاع المزيد من الضحايا.
وتبقي المفارقة أن الاتفاق الذي ربط بين علي جاد الحق ومدحت بركات لتمرير المزيد من الأراضي لشركة وادي الملوك لم يستمر طويلا. فبعد انتهاء فترة التعاقد بين شركة وادي الملوك، وجمعية الأمل التي استمرت لثلاث سنوات رفض بركات تسليم الأرض لجمعية الأمل، وعلي إثر ذلك قام علي جاد الحق باستئجار مجموعة من البلطجية قاموا بالتعدي علي رجال مدحت بركات، وهو ما دعا قوات الأمن للتدخل، وفض الاشتباك مما أسفر عن القبض علي 75 خارجا علي القانون، وضبط 9 قطع سلاح آلي، و3 صناديق ذخيرة.