إعلان اسطنبول أدان تجارة الأعضاء في مصر ووضعها علي رأس الدول المتهمة مع الفلبين والبرازيل:
إعلان اسطنبول أدان تجارة الأعضاء في مصر ووضعها علي رأس الدول المتهمة مع الفلبين والبرازيل:

في الأربعاء ١٩ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

إعلان اسطنبول أدان تجارة الأعضاء في مصر ووضعها علي رأس الدول المتهمة مع الفلبين والبرازيل: طباعة ارسال لصديق
19/11/2008
لماذا يبيع المصريون أعضاءهم؟ د. رفعت عبدالباسط: حين يفقد الإنسان القدرة علي تلبية حاجاته الأولية.. يبيع أعضاءه .. هــذا هو الفقر
كتبت: مني نادر
تحتل مصر المرتبة الرابعة بين دول العالم في تجارة الأعضاء طبقا لإحصاءات جمعية زراعة الكلي العالمية. كما أدان إعلان اسطنبول حول تجارة الأعضاء- الصادر عن القمة الدولية التي عقدت بتركيا يوليو الماضي بمشاركة 150 خبيرًا ومسئولاً قانونيا من 78 دولة- مصر باعتبارها إحدي الدول المتصدرة لقائمة الدول الموردة للأعضاء، والتي تزدهر بها تجارة وسياحة وزراعة الأعضاء، علي حد وصف الإعلان.
وأشار الإعلان إلي أن قائمة الدول التي تزدهر بها تجارة الأعضاء تضم كلاً من مصر والصين والهند وباكستان والبرازيل والفلبين ومولدوفيا ورومانيا، فيما ضمت قائمة الدول التي يقبل مواطنوها علي شراء الأعضاء من الدول الموردة: الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا.
وأشار التقرير إلي أن عددا من أصحاب الجنسيات العربية يأتي لمصر خصيصا للبحث عن متبرعين بالأعضاء. وقد أكد التقرير ان هناك مناطق محددة في القاهرة تزدهر فيها هذه التجارة في مقدمتها المقاهي الشعبية بمنطقة السيدة زينب حيث يتردد علي هذه المقاهي سماسرة تجارة الأعضاء البشرية ويلتقون فيها مع المتبرعين.
ففي عام 2006 أشارات أصابع الاتهام إلي مقهي المنيرة بالسيدة زينب باعتباره واحدا من بؤر عصابات تجارة الأعضاء في مصر، بدايةً من الدم ووصولاً إلي الكلية وفصوص الكبد، الحيث كشفت التحقيقات أن المقهي يضم عددا من السماسرة، تابعين لمكاتب توريد أعضاء بشرية، أو تابعين للأطباء العاملين في مجال الاتجار بالأعضاء.
أما عن أهم المستشفيات ومعامل التحاليل التي يتم فيها إجراء مثل هذه العمليات، فقد أشارت الأحداث إلي محافظة الجيزة، وتحديدا منطقة الدقي والمهندسين والعجوزة، ففي 2005 كشفت التحقيقات عصابة لسرقة الأعضاء يتزعمها شاب يسمي "محمد الضاني" كانت تجري أغلب عملياتها بمستشفي شهير بشارع شهاب بالمهندسين أو آخر بشارع السودان، أما التحاليل فكانت تتم في أحد المعامل بالجيزة أو بمعمل آخر بالدقي.
وفي العديد من الوقائع لعبت معامل التحاليل دور السماسرة في هذه الصفقات المشبوهة، إذ تبدأ الإجراءات، كما روتها إحدي ضحايا هذه المعامل، بتصوير اعتراف المتبرع بالصوت والصورة، بأنه متبرع وليس بائعًا، ثم إلزامه بكتابة إقرار بخطِّ يده يعترف فيه أيضًا بذلك، مع اشتراط وجود ضامن للمتبرع (ولي أمر) يكون ذا صلة قرابة، ومستند يثبت القرابة.
هذا بالإضافة إلي عدد من المناطق الاخري التي تنتشر فيها عمليات الاتجار في الأعضاء مثل محافظتي الدقهلية والشرقية وأحياء منشأة ناصر والدويقة وشبرا الخيمة بالقاهرة، وذلك طبقا لتصريحات سابقة لسعد المغربي وكيل وزارة الصحة.
وقد أرجع دكتور رفعت عبدالباسط، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، تركز الظاهرة في تلك المناطق إلي حرمان سكانها من الاحتياجات الأساسية للبشر، مشيرا إلي أن الإنسان عندما يفتقد الاحتياجات الاولية يكون علي اتم استعداد لأن يفعل أي شيء للحفاظ علي حقه في الحياة لأن الحقيقة المؤكدة أن "الجوع كافر".
ويري محمد محيي الدين- أستاذ علم الاجتماع جامعة المنوفية - أن افتقاد هؤلاء البشر معيار الإنسانية الذي يتمثل في حقهم من تلبية الدرجات الاولي من سلم الاحتياجات الإنسانية -هو الدافع الحقيقي وراء انتحارهم بهذه الطريقة. وبالتالي فإن الأماكن الأكثر فقرا، والتي تعاني من الحرمان والقهر الاجتماعي، هي الاكثر إفرازًا لأفراد علي استعداد للاقدام علي مثل هذا الفعل.
يضيف محيي الدين: هذه الحوادث دليل علي تحول هؤلاء الشباب من الناحية الفلسفية إلي "موجودات" شأنهم شأن الجماد، وبالطبع هذه الموجودات يمكن شراؤها وبيعها، بل تمكن تجزئتها والاتجار فيها، وتخضع هي الأخري لقوانين العرض والطلب وتتعرض للغش التجاري.
وعن بدايات نقل الأعضاء في مصر يقول دكتور مصطفي عبدالجليل، عضو لجنة الحق في الصحة، إن مصر عرفت نقل الكلي منذ سنوات طويلة، وكذلك زرع القرنيات، أما نقل وزراعة الكبد فبدأ في أواخر التسعينيات حيث اجريت أولي عمليات زراعة الكبد في مصر في مستشفي الساحل ودار الفؤاد ومستشفي وادي النيل.
ويستكمل دكتور عبدالجليل:منذ ذلك الحين بدأت عصابات سرقة الأعضاء في استغلال معاناة الفقراء وحاجاتهم الملحة للمال في إقناعهم ببيع أعضائهم، كما استغلوا ازمة البطالة وحاجة الشباب للسفر للخارج وتاجروا بأحلامهم لا سيما في ظل غياب قانون يحمي هؤلاء المتبرعين ويضمن حقوقهم.
وهو ما أرجعه محيي الدين إلي غياب البديل، مشيرا إلي أن الشاب الذي يبيع كليته، أو الذي يلقي بنفسه في المحيط من أجل ان يحقق حلمه في السفر للخارج وإيجاد فرصة عمل، هو شاب لم يجد أمامه بديلاً لهذه الحلول الانتحارية، ومن ثم استوت لديه الحياة بالموت، إذ اصبح لا يري في الموت ما هو أقسي من الحياة.
كما يشير دكتور عبدالجليل مصطفي إلي ان مصر أصبحت "سوقًا للأعضاء" يقصدها الكثير من العرب والاجانب، وتعمل بداخلها عصابات دولية تتاجر بالمصريين في ظل غياب الدور الرقابي لوزارة الصحة وغفلة الأجهزة الامنية والفوضي التي تجتاح المستشفيات والمجتمع بوجه عام.
هذه العصابات الدولية سبق ان تم ضبط واحدة منها في مدينة 6 اكتوبر في مايو الماضي، وقد كشفت التحريات ان العصابة تتألف من طبيب أردني وآخر سوري، وكانت تجري عمليات السرقة والنقل في مستشفي شهير بالعجوزة بالتعاون مع طبيب مصري لمنتفعين اغلبهم اردنيون وسوريون، ووصل سعر الكلي إلي 12ألف دولار(ما يقرب من 70 ألف جنيه مصريا).
يأتي هذا في الوقت الذي أوقفت فية الصين عمليات نقل وزراعة الأعضاء للاجانب.
اما دكتورة ماجدة الحفناوي، عضو لجنة الدفاع عن الصحة، فتقول إن عمليات نقل الكبد تستلزم العديد من الفحوصات والتحاليل التي قد تستغرق اكثر من شهر وتتكلف مصاريف كثيرة، هذا بالإضافة إلي كونها  عملية معقدة وخطيرة، كما أن الإنسان لا يملك سوي كبد واحد وليس اثنين كما هو الحال في الكلي، لذلك تعد عمليات نقل الكلي اسهل وأكثر انتشارا، وتضيف د. ماجدة :هذه العمليات تتم في عيادات " تحت السلم علي يد حلاق صحة " وتضيف " يعتمد هؤلاء السماسرة علي فكرة إمكانية أن يعيش الإنسان بكلية واحدة، فيبيع كليته الثانية وبعد ذلك تبدأ رحلة البحث عن مريض يتوافق مع الكلية المسروقة".
وبالقراءة في أشهر حوادث سرقة وتجارة الأعضاء منذ نهاية التسعينيات حتي الآن سنجد أن الأطفال مثلوا واحدة من اوسع الشرائح المستهدفة لهذه العصابات، فكان الحادث المروع لسرقة أعضاء أطفال دار أيتام وذبحهم في 1999، وتوالت بعدها حوادث الاختطاف والقتل التي كثيرا ما تسفر التحقيقات عن أن هدفها في سرقة الأعضاء. وهو ما يرجعه دكتور عبدالجليل إلي كون أعضاء الأطفال- بشكل عام- هي الأفضل من الناحية الطبية، إلا أنه أشار إلي أن هذه القاعدة العامة لا تنفي أن هناك اطفالاً مرضي ويعانون من العديد من الأمراض التي تحول دون الانتفاع باعضائهما، كما رأي أن استهداف الأطفال لا سيما اطفال الشوارع من قبل هذه العصابات يرجع لكونها الفئة الاضعف في المجتمع، إذ لا يمتلك الطفل القدرة علي الدفاع عن نفسه سواء ضد الايزاء البدني بالخطف أو القتل، أو ضد عمليات النصب التي قد يقع فريسة لها.
ويري دكتور رفعت أن الأطفال هم أكثر الفئات التي تحتاج إعالة المجتمع، لذلك فغياب هذه الإعالة يجعلهم يتلمسون احتياجاتهم الأساسية بأي طريقة تضمن لهم الحياة، ومن ثم فهم الأكثر احتياجا للمال، كما أنهم لا يمتلكون آلية الحصول عليه، لذلك فهم فريسة سهلة لهؤلاء السماسرة.
هذا بالإضافة إلي تركيز هذه العصابات علي الشباب العاطل عن العمل أو الذي يحلم بالسفر إلي الخارج، والذي قد تدفعه الحاجة إلي بيع أحد أعضائه للحصول علي المال، حيث يدعي السمسار أن لديه فرصة للسفرالي إحدي دول الخليج، ويطلب من الشاب أن يجري العديد من الفحوصات الطبية والتحاليل في معامل محددة، وتأتي نيجة التحاليل، مشيرة إلي إصابة العضو" المطلوب" بمرض يستوجب إجراء عملية بسيطة، بعدها يكتشف المريض انه قد تمت سرقة أحد أعضائه ووقع فريسة لعملية نصب، وهو ما حدث مع محمد محمود، وأحمد لطفي، واللذين تحولا بعد ذلك إلي أبرز أعضاء عصابات سرقة الأعضاء، بالطريقة نفسها التي سرقت اعضائهما بها، وهو ما اعترفا به بعد أن تم القبض عليهما في 2005، وقد يقدم الشاب بنفسه علي بيع كليته بعد أن يقنعه السمسار بذلك مقابل أن يحصل علي تأشيرة للسفر وعقد عمل يهرب به من جحيم الفقر والبطالة.
أما سماسرة الأعضاء، فيري محيي الدين في سلوكهم انعكاسا واضحا لفكرة الموجودات، إذ أصبح الإنسان بالنسبة لهم سلعة تحتاج لبائع ماهر ليحقق بالاتجار فيها اقصي المكاسب مشيرا إلي أن المسألة تتطور بشكل مفزع، ليصبح جسد الإنسان كله سلعة يبيعها بارادته في الدعارة أو حفلات تبادل الأزواج، أو مجبرًا بعد أن يقتل وتستباح اعضاؤه.
وعن أحدث الطرق التي كشفت عنها الوقائع في الفترة الاخيرة كانت من خلال أن تقوم سيارة بصدم أحد المارة في الشارع ثم يقوم من بداخلها بنقله إلي أحد الأطباء أو المستشفيات التابعة لهم بحجة إسعافه، وهناك يقومون بإجراء جراحة استئصال ما يريدون دون أن يكتشف المريض أنهم يقتلونه إلا بعد خروجه من المستشفي.
ويري عبدالباسط أن حل الأزمة يستوجب خطة استراتيجية شاملة، يراعي فيها الجانب الاقتصادي والاجتمماعي والسياسي والنفسي، وتضمن تلبية الحد الادني من احياجات البشر، وتضمن الاعالة لفئاته الضعيفة سواء من الأطفال أو المسنين
اجمالي القراءات 4283