عمان، الأردن (CNN)--
كشف تقرير حقوقي أردني مختص في قضايا التعذيب الاثنين، عن تسجيل "ظاهرة" ممارسة التعذيب في مراكز التوقيف بصورة منتظمة كما وصفها، مؤكدا تزايد حالات التعذيب المفضي إلى الموت على وجه الخصوص، رصدت خلال السنوات الخمسة الماضية، فيما أكد مسؤول حكومي بدء النيابة العامة التحقيق في قضايا أبطلت فيها إفادات سحبت تحت التعذيب.
وأعلن رئيس مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان المحامي عاصم ربابعة، بحضور ممثلين عن الحكومة الأردنية، أن صدور التقرير الأول من نوعه، يأتي بعد مرور 25 عاما من مصادقة الأردن لاتفاقية مناهضة التعذيب، معتبرا أن "حالة التراجع" في ملف مناهضة التعذيب "كبيرة جدا"، خاصة فيما يتعلق بحالات التعذيب حتى الموت.
وبين ربابعة أن هناك أرقاما "صادمة" حول حالات التعذيب سيكشف عنها بالكامل، إلى حين الانتهاء من التحقيق في بعض القضايا وفي تقرير لاحق.
وقال ربابعة: "هناك تزايد لحالات التعذيب كظاهرة، وهناك تزايد لحالات التعذيب المفضي إلى الموت، والتقرير المقبل سيتناول حالات الانتحار جراء التعذيب والتعذيب النفسي وسيضم على أرقام صادمة."
وتناول "عدالة" في تقريره الحقوقي، 4 حالات وفاة جراء التعذيب في مراكز توقيف حكومية شرطية من بين 5 حالات سجلت خلال السنوات الخمسة الماضية، مبينا أن عشرات الحالات لشكاوى حول التعرض للتعذيب من قبل الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون مسجلة في مراكز حقوقية.
التقرير الذي استند في دراسة الحالات إلى تقرير سابق صدر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان (هيئة وطنية مستقلة)، استعرض 11 حالة تعذيب موسعة بالمجمل، من بينها أيضا فقدان أحد الموقوفين لعينه اليسرى تم توقيفه على خلفية مشاركته في احتجاجات شعبية في 2012 ذيبان الأردنية.
ومن أبرز قضايا التعذيب حتى الموت، وفاة الشاب الأردني عمر النصر، الذي تم إلقاء القبض عليه في 2015 وتوقيفه ضمن حملة تمشيط على خلفية اعتداء على دورية أمنية في المنطقة المجاورة لمنطقة وقوع الاعتداء.
وحضرت شقيقة الضحية المحامية هدى النصر خلال عرض التقرير، متحدثة عما تعرض له شقيقها الذي أثبتت تقارير تعرضه للضرب والتعذيب والإهمال قبل وفاته، ولم يسمح له بالاتصال مع عائلته خلال فترة التوقيف، فيما كان يعاني من اضطرابات صحية ونفسية بالأصل.
وقالت الناصر خلال المؤتمر الصحفي الذي حضرته CNN بالعربية، إن العائلة رفضت دفن شقيقها لمدة 10 أيام وطلب منها التوقيع على إفادة بوفاته واستلام جثته إلا أنها رفضت ذلك وتعرضت للتهديدات، بحسب شهادتها.
وتعتبر واحدة من أبرز توصيات التقرير، إحالة شكاوى التعذيب إلى القضاء النظامي بدلا من المحاكم الشرطية التي لم تسجل حتى لحظة إطلاق التقرير، قرار إدانة واحد بحق متهمين من الأجهزة الأمنية بارتكاب التعذيب، وفقا له
ونوه التقرير إلى أن "قرارات محكمة التمييز أبطلت عشرات الإفادات التحقيقية تبين أنها سحبت تحت التعذيب."
وفي هذا السياق، بينت الناصر أن قضية شقيقها منظورة أمام المحكمة، بعد بذل جهود كبيرة لإيصال القضية إلى الجهات الرسمية والحكومية، بما في ذلك المنسق الحكومي لحقوق الإنسان في الحكومة الأردنية.
وأشارت إلى أن أولى جلسات القضية عقدت في الثاني من كانون الأول من العام 2016، يحاكم فيها 5 من أفراد الأمن العام برتب مختلفة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن المتهمين الخمسة "لم يتم توقيفهم" أو احتجازهم بالمطلق، داعيا إلى تطبيق القانون في توقيفهم، لأن القرار النهائي في حال صدروه سيحسب ضمن مدة التوقيف والاحتجاز.
ولم يتناول التقرير قضايا التعذيب في السجون الأردنية، لاعتبارات عديدة من بينها منع إجراء زيارات رصد لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية، بحسب مركز عدالة.
ومن أشكال التعذيب التي رصدها التقرير منذ 2005، الضرب والصعق الكهربائي في دائرة مغلقة والتشبيح والحرمان من النوم والإهانة والشتم والتحقير، فيما أشار الى أن أبرز الأماكن التي يمارس فيها التعذيب في البلاد هي إدارة مكافحة المخدرات وإدارة البحث الجنائي.
وفيما اعتبر التقرير أن هناك قصورا في الاجراءات الرسمية في متابعة شكاوى التعرض للتعذيب، أشار إلى أن من أبرز إشكاليات الموضوع مشاركة لجان تحقيق في الشكاوى من ذات الجهة المنسوب إليها الادعاء بالتعذيب.
الحكومة الأردنية التي لم تنفي ما ورد في تقرير المركز، أكدت من خلال المنسق الحكومي لحقوق الإنسان فيها باسل الطراونة، أن هناك متابعة رسمية لكل التقارير والشكاوى التي تصدر حول قضايا التعذيب منذ 3 سنوات، سواء المحلية أو الدولية.
وشدد الطراونة في حديثه على أن حالات التعذيب في البلاد ليست منهجية الدولة الأردنية، وقال: "هناك إجراءات علاجية، وهذه الحالات أكيد ليست بمنهجية الدولة ولا قوى عمل ممنهج، سنعالج كل هذه الاختلالات ولدينا الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الانسان نعمل على تطبيقها."
وقال الطراونة إن هناك العديد من الحالات الفردية التي تقف وراء قضايا التعذيب، إلا أن لجنة حقوق الانسان الحكومية بانتظار القرارات القضائية للقضايا المنظورة، مثمنا الجهد الاستقصائي المبذول في التقرير والتقرير الأخير للمركز الوطني لحقوق الانسان.
وقال الطراونة: "النيابة العامة الأردنية بدأت فعليا وعملي بمتابعة هذا الملف بناء على قرارات محكمة التمييز التي أبطلت إفادات ثبت أنها سحبت تحت التعذيب."
ولفت الطراونة، إلى أن اللجنة تابعت قضية النصر مع عائلته، وقال: "قضايا التعذيب يتألم الجميع عنها.. قمنا بسلسلة إجراءات في قضية النصر وحولت 3 قضايا إلى محكمة الشرطة بتهمة التعذيب وفتحنا الباب لعدد من الوفود الأجنبية لحضور جلسات المحاكمات ومنظمات مجتمع مدني."
وبين التقرير أن حالات التعذيب التي شهدتها البلاد قبل نحو 10 سنوات، كان من بينها قضايا متعلقة بالآراء السياسية، فيما تتسم القضايا التي رصدت مؤخرا، بقضايا متعلقة بالمخدرات أو الجرائم الجنائية أو القضايا المتعلقة بالإرهاب، مبينا أنها قضايا لا تلقى عادة تعاطفا مجتمعيا.