ألمانيا تضغط على تونس ومصر: مخيمات اللاجئين مقابل وعود بالدعم

في الجمعة ٠٣ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

تونس – لا تعكس زيارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى مصر وتونس رغبتها فقط في إيجاد حل لتدفق اللاجئين من ليبيا وإقامة مخيمات لتوطينهم، فهذه الزيارة قد تكون محددة لحظوظها في الترشح للمرة الرابعة لمنصب المستشارية في الانتخابات البرلمانية المقررة خريف العام المقبل.

وسعت ميركل عبر الإغراءات والضغوط لإقناع المسؤولين المصريين والتونسيين بقبول إقامة مخيمات (وهي لفظة غير مشحونة هدفها التغطية على المدلول السلبي لكلمة محتشدات) تؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين الفارين من أفريقيا إلى أوروبا.

وسيكون محور اللاجئين العنصر الأهم في الحملات الانتخابية ليس في ألمانيا (سبتمبر) فقط، بل في الانتخابات التي ينتظر أن تشهدها دول مثل فرنسا (أبريل – مايو) وهولندا (مارس) في ظل سيطرة اليمين المتشدد، مستفيدا من تداعيات موجة الهجرة القادمة من سوريا والعراق وأفغانستان، والعمليات الإرهابية التي عرفتها دول مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وزادت من موجة الكراهية ضد اللاجئين.

وإذا كانت المستشارة الألمانية أغرت مصر بالوعود الاستثمارية، فإن علاقتها بالتحالف الحاكم في تونس موزعة بين الإغراءات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية، خاصة أن ألمانيا كانت أحد أبرز الذين هندسوا التحالف الحكومي بين حركة النهضة الإسلامية وحزب نداء تونس، الذي أسسه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.

وكان وزير داخلية ولاية بادن فورتمبيرغ، توماس ستروبل، عضو الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في ألمانيا، طرح في نوفمبر 2016، في مقال نشرته إحدى الصحف الألمانية، فكرة إعادة توطين 500 ألف لاجئ في مصر بعد ترحيلهم من ألمانيا.

احتواء الربيع العربي

يسود اعتقاد على نطاق واسع في تونس بأن ألمانيا ضغطت على رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد للتراجع عن حكومته الأولى والتي تشكلت ليوم واحد دون حركة النهضة. وفي اليوم الموالي أعاد مشاوراته ليضيف إلى حكومته وزراء وكتّاب دولة من الحركة ذات الخلفية الإخوانية.

ووقفت ألمانيا بقوة مع المهدي جمعة، رئيس الحكومة الذي سبق الصيد، وقيل إنه كان عضوا فاعلا في الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذراع النقابية لحركة الاتجاه الإسلامي، التي غيرت اسمها لاحقا لتصبح حركة النهضة.

التصريحات التي أطلقت في زيارة ميركل لمصر وتونس، واتسمت بالمجاملة، لا تخفي وجود خلافات جدية بسبب رغبة أوروبا ككل في تحميل الدولتين النتائج السلبية للربيع العربي

من البداية تعاملت برلين مع “الربيع العربي” بإيجابية. وسعت لاحتوائه وانتصرت لإشراك الإسلاميين في السلطة. وعارضت محاولات إزاحتهم من السلطة عن طريق تحالفات جديدة، أو على طريقة الانتقال التي قادها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وكشفت زيارة الرئيس المصري لبرلين في يوليو 2015 عن حساسية وضع المستشارة ميركل التي تحدت موجة نقد من أحزاب ووسائل إعلام محلية، وجمعيات مدنية وحقوقية مرتبطة بالجماعات الإسلامية المختلفة الموجودة في ألمانيا بسبب هذه الزيارة.

وليس هناك شك في أن إسلاميي تونس يحتفظون لألمانيا بالكثير من الجميل بسبب احتضانها لعدد كبير منهم خلال أزمة التسعينات من القرن الماضي والمواجهة بين حركة النهضة والرئيس السابق زين العابدين بن علي، ومن بين هؤلاء رئيس مجلس الشورى السابق وعضو المكتب التنفيذي الحالي للحركة فتحي العيادي.

ومنذ ستينات القرن الماضي فتحت ألمانيا أبوابها لاحتضان قيادات الإخوان المسلمين الهاربين من الصدام مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

وكان هؤلاء نواة رئيسية لاستقطاب الهاربين من دول أخرى مثل سوريا والجزائر وتونس. وتحولت ألمانيا إلى نموذج إخواني مصغر استثمرت فيه الجماعة بكل قوتها في مجالات الدعوة والثروة والاستقطاب. ومثلت الحضن الدافئ لكل الجماعات والمنظمات والأفكار المتشددة التي باتت الآن تسيطر على المساجد والمراكز الإسلامية وتستقطب بالوكالة لفائدة جماعات متطرفة في الشرق الأوسط.

الشاهد يكسر انتظارات ألمانيا

تقول أوساط تونسية إن ألمانيا كانت تراهن، عبر دعم اقتصادي محدود وإسناد للأحزاب الحديثة التي جاء بها “الربيع العربي” إلى الواجهة، على توقيع اتفاق مع تونس بخصوص موجات اللاجئين التي تدفقت من تونس وليبيا، لكنها لم تنجح في ذلك بسبب تركيز تونس على مواجهة الجماعات الإرهابية، وعلى امتصاص موجة الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة، فضلا عن تمضية وقت أطول في تحقيق الانتقال الديمقراطي.

ويبدو أن برلين وجدت اللحظة مواتية للبحث عن التزام تونسي في قضية اللاجئين مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد. لكن الرجل رفض بشدة فكرة المخيمات التي اقترحتها ميركل عشية زيارته إلى برلين في 14 فبراير الماضي.

وحول ما تسرب من وجود طلبات أوروبية لإقامة مخيمات للاجئين في تونس مقابل مساعدات اقتصادية، أكد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد رفضه لفكرة إقامة مراكز لاستقبال اللاجئين في تونس.

عدد الاعتداءات على اللاجئين ومراكزهم في ألمانيا خلال 2016 بلغ 3 آلاف

وأكد الشاهد أن تونس ديمقراطية وليدة وغير قادرة على استيعاب مخيمات لاجئين على أراضيها. وقال “يتعين العثور على حل بصورة مشتركة مع ليبيا. هذا هو الطريق الوحيد”.

وأكد رئيس الحكومة التونسية، خلال مؤتمر صحافي بمقر المستشارية الألمانية ببرلين، أن تونس ليست بلد عبور للاجئين وأنه لن تكون بها مراكز إيواء لهذه الفئة. وأشار إلى أن مسألة الهجرة تخضع لاتفاقيات مع ألمانيا ومع غيرها من البلدان التي يوجد بها عدد كبير من التونسيين المهاجرين على غرار فرنسا وإيطاليا. وسبق أن رفض فكرة توطين اللاجئين قبله الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي خلال مفاوضات دول جنوب المتوسط مع دول الشمال التي كانت تأمل أن تلعب تونس وليبيا ومصر دور الحارس الجنوبي لأمنها، ولتبدو الأنظمة القديمة المتهمة بالتسلط والولاء للخارج أكثر التزاما وطنيا من أحزاب “الربيع العربي”.

ولم يتحمس الشاهد لرغبة ألمانيا في إعادة 1500 من التونسيين المقيمين بشكل غير شرعي على أراضيها، وتعرضت الحكومة التونسية للانتقاد لكونها تعرقل عملية إعادتهم.

أرادت برلين أن تستثمر مخلفات الهجوم الإرهابي، الذي قاده التونسي أنيس العامري الذي قتل 12 شخصا دهسا بشاحنة في برلين في 19 ديسمبر الماضي في هجوم تبناه تنظيم داعش، لإجبار تونس على استعادة مهاجريها.

لكن رئيس الحكومة التونسية برّأ بلاده من أي تبعات هجوم برلين، رافضا أن يكون العامري ورقة ضغط وابتزاز لبلاده. واعتبر في حوار له مع صحيفة “بليد” الألمانية أن العامري عندما غادر تونس لم يكن مصنّفا إرهابيا، وأن عملية استقطابه وتجنيده وقعت في السجون الإيطالية.

وفي ما يبدو، فإن الشاهد، وهو تكنوقراط، خيّب انتظار ميركل التي كانت تأمل أن تلقى استجابة سريعة من حكومة وحدة وطنية لها أفضال على شق من المنتسبين إليها، أي الإسلاميين الذين يقدر مراقبون أن ألمانيا هي التي حالت دون تكرار السيناريو المصري ضدهم، وأنها شجعت اجتماع باريس في أوت 2013 بين “الشيخين”، راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، ورئيس حزب نداء تونس وقتها، الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي.

ومع زيارة ميركل، وصلت برلين وتونس إلى اتفاق يرضي الطرفين، حيث قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، خلال مؤتمر صحافي مع ميركل، إن توقيع اتفاق جديد حول الهجرة من شأنه أن يرضي الطرفين. وأضاف أن الاتفاق “لا يمس بسيادة تونس أو دولة أخرى”. وقالت المستشارة الألمانية إن هذا الاتفاق الجديد ينص خصوصا على أن تتم الإجابة على طلبات برلين للتعرف على هويات تونسيين ترفض طلبات لجوئهم خلال “30 يوما”. وأضافت أن تونس وافقت على استعادة 1500 مهاجر تونسي ممن رفضت ألمانيا طلباتهم للجوء.

ويعتقد خبراء متخصصون في شؤون جماعات الإسلام السياسي أن الدول الأوروبية مطالبة بإعادة النظر في أسلوبها مع اللاجئين الوافدين من مناطق النزاع المختلفة، مشيرين إلى أن السجون الأوروبية تحولت إلى نقطة استقطاب لفائدة داعش، وأن المهاجرين السريين يسهل شحنهم بأفكار متطرفة بسبب أساليب الاستجواب والاعتقال وعمليات الإعادة القسرية.

وأفادت تقارير صحافية ألمانية بأنّ عدد الاعتداءات على اللاجئين ومراكزهم في عموم البلاد خلال 2016، بلغ 3 آلاف و533 حالة اعتداء. ونقلت التقارير عن مصادر في وزارة الداخلية الألمانية أنّ ألفين و545 حالة اعتداء تعرض لها اللاجئون، فيما وقعت 988 حالة اعتداء ضدّ مراكز إيواء اللاجئين وأماكن تواجدهم.

1500 مهاجر غير شرعي من التونسيين ترغب ألمانيا في إعادتهم إلى تونس

وفي مارس 2015، أعرب مسؤولون في القضاء الألماني عن مخاوفهم من محاولة إسلاميين متشددين يقبعون في سجون البلاد لتجنيد غيرهم من المساجين للانضمام إلى الحركات التكفيرية المسلحة التي تقاتل باسم الإسلام.

وأكد وزير عدل ولاية بافاريا الألمانية فينفريد باوسباك في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الألمانية، أنه يمكن لأصحاب الفكر الديني المتشدد الالتقاء بأشخاص يسهل تجنيدهم داخل السجون.

المخيمات.. حل وقتي أم دائم

رغم حاجة تونس إلى دعم عاجل لإنقاذ اقتصادها المتضرر من القيم السلبية والاحتجاجات التي جاءت بعد 2011، إلا أن عروض الدعم المحدودة قد لا تشجعها على مغامرة إقامة مخيمات قريبة من حدودها مع ليبيا، خاصة أن لا ضمانات جدية لالتزام ألمانيا أو غيرها من دول الاتحاد الأوروبي بالإنفاق على مخيمات وقتية في الظاهر، لكنها قد تستمر إلى ما لا نهاية مثلما حصل مع مخيمات أفرزتها حروب وأزمات سابقة مثل المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا.

وحذرت منظمة “برو أزول” من بناء مراكز لاستقبال اللاجئين في تونس.

وقالت المنظمة التي تعنى بشؤون اللاجئين “إن إقامة مثل هذه المراكز ستحرم اللاجئين من حقهم في طلب اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي”.

وتطرح الكثير من الأسئلة حول مصير الآلاف من اللاجئين الذين سيتم توطينهم في المخيمات، وعن تعليمهم، وقضية إدماجهم، وحقهم في العمل كقيمة إنسانية. وسيعني السكوت على هذه المخاوف وجود احتقار مضمر لإنسانية هؤلاء. وقد أشار حسن أبوأيوب، سفير المغرب بإيطاليا، إلى هذه القضية حين اعتبر أن إنشاء مراكز لاستقبال اللاجئين الذين ترفض طلباتهم من دول الاتحاد الأوروبي، أو يقبض عليهم وهم في طريقهم إلى أوروبا، أمر مرفوض أخلاقيا لأننا لا نستطيع احتقار البشر في مراكز إيواء.

ويعتقد مراقبون أن التصريحات الرسمية التي أطلقت في زيارة ميركل لمصر وتونس، واتسمت بالمجاملة والود، لا يمكن أن تخفي وجود خلافات جدية بسبب رغبة ألمانيا ومن ورائها أوروبا ككل في تحميل الدولتين النتائج السلبية التي أفضت إليها الثورات، وخاصة في قضية الإرهاب والهجرة السرية.

اجمالي القراءات 2240