ربما كان السعوديون على يقين تام بأن حكومة البلاد ستبيع لا محالة حصّة من شركة النفط العملاقة أرامكو، وذلك بعد أن أشار الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، في 25 أبريل (نيسان) 2016، إلى أن رؤية السعودية 2030، تعتمد على أرامكو كمفتاح أساسي لها، مُعلنًا طرح 5% من الشركة للاكتتاب، مُعددًا ما يراه فوائد من ذلك، ومُستنكرًا ـ«تقديس أرامكو وكأنها دستور المملكة»، بتعبيره.
التقديس الذي تحدث عنه الأمير برز بوضوح مع اقتراب موعد البيع، فتصاعدت مطالبات التمسّك بأرامكو التي باتت مع الوقت جُزءًا أصيلًا من تاريخ السعودية، ولعل هذا التقديس بلوره جميل فارسي، قطب صناعة المجوهرات السعودي الشهير، عندما وجه نداء لوزير الاستثمار قائلا: «أنا لا أعرف في الاقتصاد أي شيء لكن أتوسل إليك وأرجوك والمسؤولين لا نبيع أرامكو لا 5% ولا 1%».
لماذا يخاف السعوديون من بيع أرامكو؟
هذا النداء كشف عن المخاوف الكبيرة التي يحملها السعوديون من فكرة بيع أي نسبة من شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو، وذلك رغم عدم معرفتهم بأي تفاصيل عن الشركة ونتائجها بل وقيمتها، فكل هذه المعلومات مازالت سرية حتى الآن، ولكن عند متابعة تفاعل السعوديين مع طرح أرامكو، نجد أن الأمر يدور حول منطق «لماذا نبيع مصدر دخلنا الرئيسي؟».
ورغم أن الإجابات من الجانب الاقتصادي تبدو مقنعة، إذ رد وزير الاستثمار ماجد القصبي على جميل فارسي، بأن الاقتصاد سيستفيد من بيع أسهم في أرامكو ومن المتوقع أن يكون أكبر طرح عام أولي في العالم، وأن يحقق عشرات المليارات من الدولارات، إلا أن قناعة السعوديين لم تكتمل حتى الآن، أو كما قال محمد الصبّان، المستشار السابق لوزير النفط السعودي السابق علي النعيمي، لـ«رويترز»: «هناك قلق حقيقي بين السعوديين بشأن الطرح العام الأولي لأرامكو»، كما أنّ حالة القلق تلك ضجّ بها موقع التدوينات القصيرة تويتر، على وسم (هاشتاج) «#الشعب_يعارض_بيع_آرامكو» ووسم «#أرامكو_غالية»
الخبير الاقتصادي المصري مصطفى عبدالسلام يرى أن هناك مبررات تدفع بعض السعوديين للتخوف من قرار بيع أرامكو، ولعل أهمها التخوف من الاستغناء عن جزء من العمالة بها، في إطار إعادة الهيكلة وترشيد الإنفاق، و«هذا التخوف مرتبط بكل برامج الخصخصة في المنطقة العربية»، على حد قول عبدالسلام. هذا ويعمل في أرامكو داخل السعودية حوالي 66 ألف موظف، وتتراوح نسبة السعودة ما بين 84% و86%. وهُناك مخاوف أُخرى تتعلق بزيادة أسعار الوقود، خصوصًا وأن رؤية 2030 تستهدف وصول نسب الأسهم المُباعة من أرامكو إلى 49% خلال السنوات القادمة
هل هي نقلة نوعية للاقتصاد الإنتاجي؟
على الجانب الآخر هناك من يرى أن طرح نسبة من أسهم أرامكو للاكتتاب، هو بداية نقلة نوعية للاقتصاد الإنتاجي، إذ سيمكن المملكة من اغتنام الفرص الضائعة وخلق المزيد من الإيرادات الحكومية وتنويع القاعدة الاقتصادية بناءً على معايير الكفاءة وتعظيم القيمة المضافة، وهي أبرز أهداف رؤية السعودية 2030.
ولا يختلف هذا الرأي مع النظرة الحكومية للطرح التي تعتمد على إعادة رسم الخارطة الاقتصادية السعودية، من خلال طرح بعض الشركات الحكومية للاكتتاب العام أو هي «المفتاح» على حد وصف الأمير محمد بن سلمان، وذلك للوصول إلى تعظيم مشاركة القطاع الخاص باقتصاد المملكة بشكل عام، وفي القطاع غير النفطي بشكل خاص.
هذا الاتجاه يوضحه أكثر ناصر السعيدي كبير الاقتصاديين السابق في مركز دبي المالي العالمي، فهو يرى أن انهيار أسعار النفط يُسَلّط الضوء على حاجة السعودية إلى نموذج تنمية أكثر تنوعًا، بخاصة وأن «عائدات النفط لم تتحول إلى رأسمال بشري وبنية أساسية، ولم توظف بشكل فعّال في القدرة الإبداعية اللازمة لتوليد نمو الإنتاجية وتنويع النشاط الاقتصادي»، كما قال.
اقرأ أيضًا: لماذا تفكر السعودية في طرح أرامكو للاكتتاب العام؟
ولعل طرح نسبة من أرامكو للاكتتاب العام هي بداية طريق المملكة للتكيّف مع عصر أسعار النفط المنخفضة، في وقت يتعين على السعودية أن تعكف على تصميم نموذج اقتصادي جديد جذريًا، يعالج المعوقات البنيوية التي فرضها الاعتماد بشكل أساسي على النفط، لتعزيز الإنتاجية والنمو.
وعلى ما يبدو فإن السعودية تُراهن على تحقيق عدة أهداف من طرح نسبة 5% من الشركة للاكتتاب، وفقًا لمصطفى عبدالسلام، الذي يرى أنّ أولها تنويع المصادر: إيرادات أرامكو، بالإضافة إلى جذب استثمارات أجنبية من الخارج، وإنهاء عهد الاعتماد الكلي على النفط في تحقيق إيرادات النقد الأجنبي. هناك أيضًا هدف محتمل يتمثل في إعادة هيكلة شركة أرامكو ودعمها، باعتبارها أكبر شركة نفط في العالم، وهو ما يحتاج إلى سيولة ضخمة سيوفرها طرح بعض أسهمها للاكتتاب.
«القيمة العادلة» لأرامكو
وبعيدًا عن المخاوف والمميزات من طرح أرامكو للاكتتاب العام في 2018، فإن قيمة شركة النفط العملاقة تعد النقطة الأكثر حرجًا هذة الأيام فبعد أن قدرت المملكة في السابق قيمتها بنحو تريليوني دولار، خرجت تقارير حديثة تشير إلى أن المملكة قد تضطر إلى القبول بأقل من ذلك بكثير.
ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة «بلومبرج» فإن محللين ومستثمرين ومديرين تنفيذيين في المجال النفطي، أكدوا أن قيمة أرامكو لا تساوي أكثر من 50% من المبلغ الذي سبق وأن قدرته السعودية (تريليوني دولار)، وقد يُحوّل هذا التقرير الكثير من مُؤيدي الطرح إلى معارضين، لهبوط سقف التوقعات كثيرًا، التي وصلت إلى 400 مليار دولار وفقًا لتقدير شركة «Wood Mackenzie Ltd» المتخصصة في استشارات النفط بالعاصمة البريطانية لندن.
أما المحاضر بقسم التمويل والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عمر المنيع، فيُقدّر قيمة الشركة بـ384 مليار دولار، وذلك بسبب استقطاع الحكومة السعودية 20% من إيراداتها على شكل عقد امتياز، فضلًا عن ضريبة من صافي الدخل تقدر بـ85%، ولكن إذا وصل معدل الضريبة إلى صفر، فإنّ قيمة الشركة سترتفع إلى ما يزيد عن 2.5 تريليون دولار، وفقًا للمنيع.
كيف تُقدّر قيمة أرامكو؟
بعض التقديرات السابقة لقيمة أرامكو، اعتمدت على عملية حسابية بسيطة، وهي ضرب عدد براميل احتياطي النفط المملوك للشركة البالغ 261 مليار برميل، في المعيار المستخدم لتقدير قيمة الاحتياطي وهو ثماني دولارات، وربما يكون هذا المعيار غير دقيق إلى حد كبير، فعلى سبيل المثال تبلغ القيمة السوقية لشركة «روزنفت» الروسية حوالي 64 مليار دولار، ولكن في حال استخدام هذا المعيار ستصبح قيمتها نحو 272 مليار دولار، بينما ستصبح قيمة إكسون موبيل، أكبر منتجي الطاقة على مستوى العالم، أقل بنسبة 53% من قيمتها الحالية، وهو الأمر الذي يكشف خلل هذا المعيار في حساب القيمة السوقية.
معيار آخر اعتمد عليه عمر المنيع وكذلك شركة «وود ماكنزي»، وهو المتعلق بالضرائب التي تعد سببًا في تدني القيمة المقدرة للشركة، بسبب ضريبة الدخل البالغة 85% مما يُضعف من جاذبية الشركة للمستثمرين الأجانب، لكن هذا المعيار أيضًا ليس دقيقًا تمامًا فرئيس شركة أرامكو قال مؤخرًا، إن معدل الضريبة تحت المراجعة ومن المرجح أن يُخفّض قبل طرح الشركة للاكتتاب.
وعلى كل لا يمكن التحديد بشكل قاطع، القيمة العادلة لأرامكو، وذلك بسبب غياب القوائم المالية للشركة، مما يُضعف دقة البيانات المُعتمد عليها، إذ تعتبر أغلب هذه التقديرات في نظاق التخمين، لكن اللافت في الأمر الفجوة الكبيرة بينها، والتي تُثير بدورها شكوكًا حول التقديرات الرسمية، وهو ما قد يُضعف فرص السعودية في نجاح تحضيرها لعهد ما بعد النفط.
وفي النهاية تشير المعطيات السابقة إلى أن قيمة أرامكو السوقية ستواجه الكثير من الصعوبات، سواء بخصوص تقدير قيمتها أولًا ثم القبول في الداخل والخارج بهذه القيمة.