طلعت والرئيس

ابراهيم عيسى في الجمعة ٠٥ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لا أنا ولا أنت ولا أي مخلوق عاقل في مصر، يتصور أن هشام طلعت مصطفي نائب الشوري وعضو أمانة سياسات جمال مبارك وواحد من أهم المقربين للرئيس ونجله والمدلل بامتيازات هائلة في عالم المال والعقار والأراضي، وأبرز المشاركين في حملات التبرع والدعم والتمويل لأنشطة قرينة الرئيس الاجتماعية، تمت إحالته لمحكمة الجنايات بتهمة قتل الفنانة سوزان تميم بدون معرفة مسبقة من الرئيس مبارك شخصياً، فمن المؤكد أنه أول شخص عرف بالقرار وقبل أن يكون قراراً!

لكن هل فجأة أصبحت مصر بلد لا أحد فوق القانون؟

احتمال، جائز، ونتمني وإن كان لا يوجد دليل واحد علي ذلك، فبعض المصادر القريبة من أضلاع الحزب الوطني تقول إن الرجل وقع في فخ؟ وكما أن هناك من يدافع عنه ويستبعد إدانته، فإن هناك من يتصور أن الصخب سوف يهدأ بعد أيام أو شهور، وأن الرجل سيجد البراءة في انتظاره في نهاية الممر كما جري مع سابقيه، ومع ذلك فالسؤال: هل فجأة قرر النظام أن يحارب المتورطين في الجرائم من ذوي النفوذ الاقتصادي والسياسي الضاري؟ وهل استيقظ النظام وقرر مواجهة جرائم رجاله بل أبرز رجاله (هل تتذكر البلاغات التي حفظها منذ أسبوع تقريباً، هل تشعر بالصمت الكتوم علي تورط أحد أصحاب الحصانة الكبار في رشوة في موضوع كبير لا أحد ينطق فيه!!) عموماً دعنا نحترم أن هشام طلعت مصطفي برئ حتي تثبت إدانته، فهذا حقه كاملاً الذي أرجو ألا يغيب عما أكتب ولا عمن يقرأ!

يبدو أن هناك عوامل ثلاثة تضافرت وأدت إلي اتخاذ قرار الموافقة علي إعلان تورط طلعت مصطفي في جريمة القتل البشعة وإحالته للجنايات، والثابت أن هشام مصطفي لم يكن علي علم إطلاقًا بهذه الخطوة، فقد حصل علي إشارات علي أعلي مستوي (أو فهم أنها إشارات) بأن القضية في مسيرها للدفن البطئ، وكانت كل المؤشرات تؤكد له إشاراته، فها هو يظهر في «البيت بيتك» شباك الدولة علي تمرير أوامرها لأجهزة وجهات الدولة ورجالها في جميع المؤسسات، وفي «صباح الخير يامصر»، ويستقبله وزير الإعلام بنفسه ويصحبه إلي مكتبه ثم إلي الاستديو في الدخول والخروج، وتنقل الوكالة الرسمية تصريحاته عن التليفزيون، حيث تحدث عن بنك العفاف (لاحظ العفاف)، ويؤكد أنه ينفذ برنامج الرئيس مبارك الانتخابي (وهو البرنامج الذي لا نعرف مواعيد إذاعته!) ثم حوارات وتصريحات في جميع صحف الحكومة تكاد تضربنا بالنار لأننا فكرنا ونشرنا أسئلة حول ما يثار عن قضية الرجل في دبي ولبنان وقد قاتل مندوبو الداخلية في الصحف الحكومية وميكروفونات الحزب في الإعلام الموالي والمنافق علي نفيها واتهامنا بخيانة الوطن (هكذا مرة واحدة علي اعتبار كشف الجرائم خيانة للوطن، أما دفن الجريمة فمهمة للوطني!!)

إذن لم يكن هشام مصطفي مستعدًا ولا مهيأ لأن يفاجأ قبيل فجر اليوم الأول من شهر رمضان بأن يذهب ضباط الداخلية (الذي طالما كان صديقاً لهم ومصدقاً عندهم) واتفضل معانا يا هشام بيه، الذهول كان هو رد الفعل الأول، ثم الإحساس الرهيب بالخيانة، نعم شعر أن طرفا ًما خانه وقد أعطاه الأمان الكامل، ثم في ضربة مدوية أنزل مطرقة حديد فوق رأسه، ومع غرور المال وغطرسة النفوذ والجهل التام بالسياسة يغشي العمي عيون رجال الأعمال عن توقع خطوات النظام وعن فهم دوافعه، فلم يكن الرجل والمحيطون به يدركون حجم العوامل والعناصر التي تداخلت وتدخلت فدفعت بهشام طلعت مصطفي لمحكمة الجنايات بقرار من النظام متجاوز كل الوعود التي تم قطعها لهشام مصطفي ومجازف بالتأثير الاقتصادي الذي يبدو أنه يقلق الجميع، وكذلك مخاطراً بضربة معنوية سياسية تتلقاها دولة أمانة السياسات.

لكن ما هي تلك العوامل فعلاً؟

1- العامل الخارجي: قضية سوزان تميم لم تكن قضية مصرية صميمة يمكن اللف والدوران حولها أو إخفاؤها أو الصمت عليها والضغط السياسي علي العصب القانوني، سوزان تميم تتداخل في حادثتها عدة دول وجهات وأنظمة عربية من الصعب السيطرة عليها أو كتم غضبها أو احتواء خطواتها، فهناك لبنان حيث جنسية القتيلة، مع مراعاة أن لبنان هي خريطة معقدة من العائلات والطوائف، وسوزان ابنة أحدهم (عائلة ثم طائفة ) والصمت هناك غالي الثمن، عالي الكلفة، ولا تستبعد أطراف لبنانية أن حادث مقتل سوزان تميم كان علي هامش الحوار أثناء زيارة رئيس الوزراء اللبناني لمصر مؤخراً، ثم سفر وزير خارجية مصر للبنان عقب ذلك بأيام، ثم هناك الطرف الأهم والأقوي وهو الشيخ محمد بن راشد ـ حاكم دبي ـ حيث جري القتل، وهي إمارة تعيش علي سياحة الأمن والأمان وصرامة تنفيذ القانون، وإذا عبرت هذه الحادثة وهم يعرفون مدبرها دون حساب ولا عقاب لتحولت دبي بعد ذلك إلي مسرح لعمليات قتل وتصفية حسابات شخصية ودولية علي أرض الإمارة، وهو ما جعل دبي حاضرة في صناعة القرار الأمني في هذه القضية خصوصاً مع العلاقات الوطيدة والمتينة بين حكام الإمارات العربية وقصر العروبة في مصر الجديدة.

2- العامل التنافسي: فهناك شخصيتان في منتهي النفوذ والقوة وكانتا علي درجة متفاوتة من التنافس الذي بلغ حد الصراع بينهما كل علي حدة وبين هشام طلعت مصطفي.

أ - الأمير وليد بن طلال وهو رجل الأعمال الأغني والأشهر والذي يملك في مصر استثمارات تجعله من الأسماء التي تؤثر في صورة مصر الاقتصادية في الخارج وهو في الفترة الأخيرة كان غاضباً علي شريكه وواجهته المصرية هشام طلعت مصطفي، ومن ثم كانت حماية الأخير بمثابة استفزاز للأول وهو ما لا يحتمله الآخرون في مصر.

ب - الملياردير أحمد عز الذي دخل في تلاسن اقتصادي ومالي، معبراً عن صراع معلن وخفي بين عز ومصطفي حول من استفاد من الحزب والحصانة والصداقة للبيت الرئاسي أكثر من الآخر، وبدأ كل طرف يمول حملات ضد الآخر لكشف أرباحه الأسطورية التي تفوق أرباح الآخر، وكان «عز» حريصاً علي إظهار أنه يضحي من أجل الحزب بتلقي الضربات والحملات الصحفية والسياسية بينما لم يكسب أبداً مليارات كما كسب هشام مصطفي الذي لا يهاجمه أحد، ولا يتحمل ما يتحمله المضحي أحمد عز.

وقد كان شبح غضب هذين الاسمين بنفوذهما الطاغي ماثلاً طول الوقت علي أكتاف كل الأطراف.

3- العامل النفسي: فقد خشيت جهات محترمة داخل النظام من رجال الأعمال ومحاربي البزنس ومجاهدي الصفقات ومناضلي البورصة من أن الصمت علي إتهام هشام مصطفي في جريمة قتل قد يشجع غيره من رجال الأعمال علي تصفية الحسابات بالدم وتأجير القتلة فتنفتح في عالم البزنس بوابة جهنم، وتصبح لغة القتل هي الحاسمة لأي صراع علي صفقات، خصوصاً أن 2مليون دولار (قرابة 11 مليون جنيه مصري) تكلفة جريمة قتل سوزان تميم لا تساوي ربح ليلة واحدة من ليالي صفقات القاهرة المفتوحة لتوحش المليونيرات الذين استباحوا أراضي ومصانع وشركات وقطاعاً عاماً وثروات الشعب المصري، وبدلاً من خصخصة القطاع العام خصخصوا مصر ذات نفسها!

اجمالي القراءات 13165