وطئة:
&Cce"5">الجموع في اللسانيات العربية التقليدية خمسة أقسام هي الجمع السالم بنوعيه المذكر والمؤنث وجمع التكسير واسم الجمع واسم الجنس (الجمعي) وجمع الجمع . الجمع السالم (الصحيح في مصطلح سيبويه والنحاة) يعني أن بنية اللفظ المفرد لا تتغير بل يضاف إليها الألف والتاء في حالة جمع المؤنث السالم والواو (أو الياء) والنون في حالة جمع المذكر السالم. وهذا عكس الجمع الذي تتغير فيه بنية اللفظ من الداخل بطريقة ظنتها اللسانيات العربية التقليدية تجري بلا نظام فأطلقت عليه جمع التكسير أو الجمع المكسَّر. واسم الجمع عرفه سيبويه بأنه (اسم يقع على الجميع لم يُكسَّر عليه واحده) بمعنى أنه لفظ يدل على الجمع وليس له مفرد (لا واحد له من لفظه) وقد ورد منه في لسان القرءان أهل ورهط وخيل وغيرها، وهو صيغة تلتقي مع الجمع في المعنى ومع المفرد في اللفظ. أما اسم الجنس (الجمعي) فهو اسم تفرق تاء التأنيث بينه وبين مفرده مثل (نخْل/نخلة) و(شجر/شجرة) أو تفرق ياء النسب بينه وبين مفرده مثل (عرب/عربي) و(حبش/حبشي). وجمع الجمع واضح من اسمه فهو يدل على جمع ثانٍ وقع على جمع أول مثل لفظ رجالات الذي هو جمع للجمع رجال.
لسان العرب وجمع التكسير
يمكن أن نعتمد التقسيم السابق في لسان العرب رغم عدم دقته ولكننا لا يمكن أن نعتمده في لسان القرءان (اللسان العربي المبين) وذلك لأن الجموع في لسان القرءان يمكن حصرها وتصنيفها وتسميتها حسب خصائص هذا اللسان المبين. ومصطلح (جمع التكسير) نشأ نتيجة الفكرة التي تقول أن الجموع سماعية وليست قياسية وأن الجموع المختلفة للمفرد الواحد لا تختلف في معانيها بل هي كلها بمعنى واحد. وهذا المصطلح (جمع التكسير) لا يمكن قبوله لا في لسان القرءان ولا في لسان العرب إلا إذا أطلقناه على الجمع المكسَّر فعلاً في تداول لسان العرب المعاصر والذي هو خطأٌ يجب تجنبه ومثاله في التكسير الجاهل مثل جمع مدير على مدراء أو في التكسير البديل مثل جمع شيخ على مشايخ أو في التكسير الهزلي مثل جمع كُلِّيَّة على كَلالي. والجموع الصائبة هي أن نجمع مدير على مديرين وشيخ على شيوخ وكلية على كليات.
الجموع في اللسان العربي: تقسيم جديد
وإذا أردنا أن نتبع تقسيماً منطقياً يراعي بنية الألفاظ في اللسان العربي فيمكن أن نعيد النظر في التقسيم التقليدي السابق ذكره ونجعل منه تقسيماً جديداً يحتوي على قسمين فقط وذلك على النحو التالي:
الجمع التركيبي: هذا جمع لا تتغير فيه صيغة لفظه المفرد بل تلحق باللفظ المفرد علامة مميزة في آخره بالإضافة (الجمع التائي والجمع النوني وجمع الجمع التائي) أو بالحذف (اسم الجنس بحذف التاء المربوطة) أو تدل صيغته على الجمع من غير مفرد من لفظه (اسم الجمع). وما سبق يشمل الجمع التركيبي للفظ المفرد بيد أن الجمع التركيبي قد يكون في المركب أيضاً مثل (الذين ظلموا) جمعاً للتركيب (الذي ظلم).
وللجمع التركيبي للَّفظ المفرد في حالة الإضافة نوعان هما:
أ. الجمع التركيبي التائي وهو جمع خاص يكون بإضافة الألف والتاء إلى آخر اللفظ المفرد. وسُمِّي هذا الجمع تائياً ليتناسب مع علامته المميِّزة له وهي التاء ويكون أكثره جمعاً للمؤنث (مثل مسلمات جمع مسلمة) وهو خاص لأنه يشمل مفرده فقط مثل الجمع (مسلمات) الذي يشمل جمع المفرد (مسلمة) فقط. والجمع التائي أوسع من أن نحصره في الجمع المؤنث فهو أشمل منه واتسع في لسان العرب المعاصر ليشمل ألفاظاً مفردة لا علاقة لها بالتأنيث كالذي يكون وزنه على استفعال مثل استعلام التي تجمع جمعاً تائياً على استعلامات وتفعيل مثل تنظيم التي تجمع جمعاً تائياً على تنظيمات وغيرها من الأوزان. ولا يقتصر فقط على الخماسي بل ينزل إلى الأقل مثل جمع جواز على جوازات وترك الجمع القديم أجوزة. وجمع الألفاظ المعرَّبة يدخل في الجمع التائي مثل تلفزيونات وراديوهات وتلفونات. ويكون المفرد أحياناً مشتركاً بين الجمع التائي والجمع التصريفي مثل مسطرة التي تجمع على مسطرات ومساطر وشاعرة التي تجمع على شاعرات وشواعر وتنظيم التي تجمع على تنظيمات وتناظيم. ويبدو أن هذا الجمع هو الذي سوف يسود لكثير من الصيغ القديمة والمستحدثة والكامنة وذلك لدلالة التاء الدالة على إجتذاب الحركة لأمثالها لتشكيل حركات مترتبة معها.
ب. الجمع التركيبي النوني وهو جمع عام يكون بإضافة الواو (أو الياء) والنون إلى آخر اللفظ المفرد. وسُمِّي هذا الجمع نونياً ليتناسب مع علامته المميزة له وهي النون ويكون أكثره جمعاً للمذكر (مثل مسلمون جمع مسلم).وهو عام لأنه قد يشمل مفرده المؤنث مع مفرده المذكر مثل الجمع (مسلمون) الذي يشمل جمع المفرد (مسلمة) مع المفرد (مسلم) ويطلق على المسلمين والمسلمات في جمعهم في مجموعة واحدة. ومثال آخر هو الجمع (عاقلون) الذي يشمل العاقلين والعاقلات إذا كانوا في مجموعة واحدة إلا إذا أردنا التخصيص في موقف معين. وفيه أيضاً قد يشترك المفرد بينه وبين الجمع التصريفي مثل ميِّتون وأموات جمعاً للمفرد ميِّت.
الجمع التصريفي: هذا جمع تتغيَّر فيه صيغة اللفظ المفرد من الداخل (تغيير البنية الداخلية) بإضافة أو حذف الصوامت (Consonants) و/أو تغيير الصوائت (Vowels) ولهذا الجمع صيغ وأوزان كثيرة آن الآوان أن نجتهد في حصرها ودراستها ومعرفة قياسيتها بدلاً من الاستسلام إلى الفكرة الضعيفة التي تقول أن الجموع سماعية وليست قياسية مما جعلنا نطلق عليه جمع التكسير. وقد نشر مجمع اللغة العربية في القاهرة ملاحظات يمكن أن نعتبرها بداية مشروع في هذا الإتجاه وقام الدكتور شوقي ضيف عليه رحمة الله بالتعليق على ملاحظات المجمع في كتابه (تيسيرات لغوية) وعدَّل فيها بعض الصيغ حسب استقرائه.
والمقال الحالي ليس من همِّه تصنيف أنواع الجمع التصريفي مثل:
ــ متى تُجمع صيغة فَعْل على فُعُول أو فِعال مثل كَسْب/كُسُوب وعَبْد/عِباد؟
ــ ومتى تُجمع صيغة فَعَل على أفْعال مثل سبب/أسباب وقدم/أقدام؟
ــ ومتى تُجمع صيغة فعيل (العاقل الذي وقع منه الفعل) على فُعَلاء مثل سفيه/سفهاء؟
ــ ومتى تجمع صيغة فعيل (العاقل الذي وقع عليه الفعل) على فَعْلى مثل قتيل/قتلى؟
ــ ومتى تجمع صيغة فعيل السابقة أيضاً على فَعْلى وفُعالى مثل أسير على أسرى/أسارى؟
كل ذلك قد يقيض الله له باحثين جادين أرجو أن أكون منهم ولكن أودُّ هنا أن أنبِّه فقط إلى إختلاف المعنى بين الجمعين أو الجموع المختلفة للمفرد الواحد حتى لا نقع في ما وقعت فيه المعاجم العربية التي ديدنها ذكر عبارة (وكلها بمعنى واحد) بعد رصِّ الجموع المختلفة للمفرد الواحد. والحمد لله فقد بدأ لسان العرب المعاصر يلاحظ أحياناً الفرق الدلالي بين جمعين لمفردٍ واحد مثل أن يجمع بيت على بيوت إن أراد بيوت السكن وأبيات إن أراد أبيات الشعر.
الجموع عامةً في اللسان العربي المبين: مقدمة
إذا نظرنا إلى الجمع ومفرده في اللسان العربي المبين فسوف نجد هذه الملاحظات:
1.هناك مفردات ذكرها هذا اللسان ولم يذكر لها جمعاً مثل (الدين) أو يمكن أن نمثل لها من باب الحاء بالمفردات حجاب وحاجز وحريق وحساب والحق وتحتاج هذه المفردات إلى دراسة تُجَلِّيها في لسان القرءان وتبحث في عدم ذكر جمعٍ لها رغم أن لها جموع في لسان العرب مثل (الأديان) و(الحقوق).
2.وهناك جموع ذكرها لسان القرءان ولم يذكر لها مفرداً مثل (غُزَّى) ويمكن أن نمثل لها من باب الحاء بالجموع حدود وحدائق والحجرات وحفدة وحقب/أحقاب وأحقاف وأحبار وهذه الجموع تحتاج إلى معرفة مفردها بالنظر إلى ما يشبهها في الصيغة والميزان الصرفي.
3.وهناك جموع ذُكرت في لسان القرءان مع مفرداتها وذلك بطريقتين:
أ. إما أن يذكر لنا لسان القرءان الجمع ومفرده في آية واحدة وهنا بعض الأمثلة:
ــ رسل/رسول في عشر آيات هي البقرة (87 <وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكم رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلونَ > و285) وآل عمران (144) والنساء (136 و171) والمائدة (19 و70 و75) والرعد (38) وعافر (78)؛ ومثل عبد/عباد في الكهف 65 <فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا > والتحريم 10؛
ــ سبيل/سبل في الأنعام 153 <وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ >؛
ــ شهيد/شهداء في البقرة 143 <وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا >.
ب. أو أن يذكر الجمع في آية ومفرده في آية أخرى وهذه كثيرة في لسان القرءان مثل محراب في مريم 11 <فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا > ومحاريب في سبأ 13 <يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ >.
وبطريقة أخرى فإن الجموع بالنظر إلى أقسامها وبغض النظر عن ذكر أو عدم ذكر مفردها في لسان القرءان فيمكن حصرها في هذه المجموعات:
1.مجموعة الجموع التركيبية التي لم يُذكر لها جمع تصريفي مثل العابدون والمؤمنات.
2.مجموعة الجموع التصريفية المتعددة للمفرد الواحد مثل نفوس/أنفس وحمير/حُمُر.
3.مجموعة الجمع التصريفي والجمع التركيبي للمفرد الواحد مثل غرفات/غرف وميِّتون/أموات.
الجموع المتعددة للمفرد في اللسان العربي المبين: تصنيف
يمكن تقسيم الجموع المختلفة للمفرد الواحد في لسان القرءان العظيم بالنسبة للنظرية المعاصرة إلى مجموعتين على النحو التالي:
1.المجموعة الأولى وتشمل جمعين أو أكثر من الجمع التصريفي لمفرد واحد وتحتاج هذه الجموع إلى تصنيف حسب الصيغة والميزان الصرفي حتى نعرف قوانين الجمع التصريفي وهنا بعض الأمثلة لهذه المجموعة:
أ. إخوة وإخوان جمع أخ
ب. شهور وأشهر جمع شهر
ت. أبحر وبحار جمع بحر
ث. أسرى وأسارى جمع أسير
2.المجموعة الثانية وتشمل جمعاً تركيبياً وجمعاً تصريفياً لمفرد واحد مثل:
أ. غرفات وغرف جمع غرفة
ب. نبيون وأنبياء جمع نبي
ت. ميِّتون وأموات جمع ميِّت
وعلينا أن نمتليء باليقظة التصريفية حتى لا نخلط بين جمعٍ ومفرد ليس له وإن توحَّد الجذر اللساني بينهما ويمكن أن نمثل بالجموع والمفردات التالية:
1.ميِّتون وأموات هما جمعان تركيبي وتصريفي للمفرد ميِّت (بتشديد الياء المكسورة) بينما الجمع موتى مفرده ميْت (بسكون الياء).
2. كافرون جمع تركيبي للمفرد كافر وكُفَّار جمع تصريفي للمفرد كَفَّار وكَفَرة جمع تصريفي للمفرد كفور.
3.عالمون جمع تركيبي للمفرد عالم وعلماء جمع تصريفي للمفرد عليم.
4.حاكمون جمع تركيبي للمفرد حاكم وحُكَّام جمع تصريفي للمفرد حَكَّام.
5.وإذا كان الجمع شاهدون مفرده شاهد فهل الجموع (شهداء وشهود وأشهاد) كلها جموع تصريفية للمفرد شهيد أم أن شهداء جمع شهيد وشهود جمع شَهْد وأشهاد جمع شَهَد؟ لست أدري على وجه اليقين فالبحث ما زال مستمراً.
الجموع في اللسان العربي المبين: دلالة وتداول
كل ما سبق من تنظير في الجموع وتصنيفها هدفه الوصول إلى المشاركة في البحث عن دلالة اللفظ القرءاني. والبحث في دلالة اللفظ القرءاني عملية مركبة تبدأ من التصويت (دلالة الحرف صوتاً وحركةً) وتمر بالتصريف (صيغة اللفظ ومنها صيغة الجمع) والتركيب في علاقاته وإقتراناته المختلفة. والجمع في فلسفته يدل على المجموعة فالجمع (المؤمنون) يدل على مجموعة المؤمنين وهي مجموعة خاصة قائمة بذاتها وإن كانت مجموعة جزئية من مجموعة (الذين آمنوا) وفي ذات الوقت فهي مجموعة شاملة لمجموعة (المؤمنون المفلحون)، والجمع (آباء) يدل على مجموعة الآباء من الذكور البالغين الذين يؤبُّون (يربون) أبناءهم و/أوتلاميذهم. والجمع يمكن أن يكون لفظاً واحداً سواء كان تركيبياً أو تصريفياً ويمكن أن يكون أيضاً مركباً مثل (الذين كفروا) جمعاً للتركيب (الذي كفر) وهو بهذه الصيغة (الذين فعلوا) أو (الذين يفعلون) ينتمي للجمع التركيبي وليس الجمع التصريفي. وما يهمنا هنا ليس مطلق الجمع وإنما التفريق الدلالي بين جمعين أو أكثر لمفرد واحد. وفي هذا الأمر فهناك نظريتان في دلالة الجموع المختلفة للمفرد الواحد في لسان القرءان العظيم هما:
1. النظرية الأولى التقليدية وهي نظرية اللسانيات العربية التقليدية ومفادها الَّا فرق بين الجموع المختلفة للمفرد الواحد وهذه النظرية مبسوطة في المعاجم العربية وبالأخص في كتب التفسير.
2. والنظرية الثانية المعاصرة التي تبلورت معالمها حديثاً وإن لم تنضج وترى هذه النظرية أن هناك فروقاً في المعنى بين الجموع المختلفة للمفرد الواحد. وما يمكن استخلاصه من البحوث القليلة المنشورة ضمن هذه النظرية أن هناك ملاحظات فردية حول بعض الفروق الدلالية مثل ملاحظة أن لسان القرءان يستخدم الجمع عيون إذا أراد عيون الماء والجمع أعين إذا أراد أعين العاقلين. وقد كتب الدكتور أحمد مختار عمر بحثاً في مجلة الدراسات القرءانية التي تصدر في لندن حاول فيه التفريق بين بعض الجموع للمفرد الواحد ولكن بحثه لم يبتعد كثيراً عن النظرية التقليدية. وكتب غيره بحوثاً أوكتباً لم يتيسر لي النظر فيها مثل (صيغ الجموع في القرءان الكريم) لأم أوس وسمية عبد المحسن و(أسماء الجموع في القرءان الكريم) لمحمد إبراهيم عبادة.
وكاد عالم سبيط النيلي أن ينفرد بنظرية ثالثة أشار إليها في كتابه اللغة الموحدة قائلاً أن (لكل جمعٍ معيَّنٍ مفردٌ معيَّنٌ)، أي أنه لا يوجد تعدد في جمع المفرد الواحد وإنما لكل مفرد جمع خاص به، إلا أن الناظر في كتابه النظام القرءاني يتبين له أنه ما زال ضمن النظرية المعاصرة القائلة أنه من الممكن وجود جمعين أو أكثر لمفرد واحد ولكن بدلالات مختلفة وقد فرَّق في المعنى بين جمعي عباد وعبيد ذاكراً أن لهما مفرد واحد هو عبد؛ وبين إخوة وإخوان جمعاً للمفرد أخ.
وهنا أمثلة للفروق الدلالية للجموع المختلفة للمفرد الواحد ولكنها لا تصف الفرق الدلالي كاملاً ومن أراد أن يتوسع في الفروق الدلالية فعليه دراسة الجموع المختلفة للمفرد الواحد في سياقاتها المتنوعة ضمن الآيات العديدة التي ذَكَرَتْها.
ــ الجمع إخوة يشير إلى أُخُوَّة الدم مثل إخوة يوسف <وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ > والجمع إخوان يشير إلى أُخُوَّة العلاقة <وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ >. و(إٍنَّمَا المُؤْمٍنُونُ إِخْوَة) إشارة إلى أُخوتهم المتينة التي تشابه أُخوة الدم.
ــ الجمع شهور يشير إلى عدة الشهور كاملة <إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ > بينما الجمع أشهر يشير إلى أشهرٍ (من 3 إلى 10) ضمن الشهور <الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ > ومثلها الجمع نفوس الذي يشير إلى كل النفوس <وإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت> بينما الجمع أنفس يشير إلى أي مجموعة من الأنفس <وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ >.
ــ الجمع عيون يدل على عيون الماء <وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ > والجمع أعين يدل على أعين العاقلين <قَالَ أَلْقُواْ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاؤُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ >.
ــ الجمع عباد جمع عبد في الدنيا <وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ > وعبيد جمع عبد في الآخرة <ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ >.
ــ الشهداء يكونون في الدنيا كما في آية البقرة 143 <وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً> والأشهاد يكونون في الآخرة كما في آية هود 18 <وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ >.
ــ الحمير جمع يدل على كينونة هذه الحيوانات في زمان وجودها بصفتها حيواناً يعيش حياته والمد بالياء يدل على الزمان <وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ > أما الحُمُر فهو جمع يركِّز على المكان بدلالة الضمتين وعلى سرعة الحركة بدلالة تتابع حركات الضمة المتشابهة وقصر الصيغة الصرفية <فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ. فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ>.
والله أعلم.