فزعُ وقلقُ وأسفُ» كانت تلك أقوى ردود الأفعال العربية ضد قرارات «دونالد ترامب» بمنع مواطني سبع دول عربية من دخول الولايات المتحدة، تحت بند «حماية الأمة من دخول إرهابيين أجانب إلى الولايات المتحدة».
أما الحال في العالم وأمريكا – التي أصدر رئيسها القرار – كان أكثر قوة ورفضًا، فأعداد المتظاهرين بالآلاف، والهجوم الإعلامي يتزايد، والحشد ودعوات لجمع التوقيعات للرفض تتصاعد، ولم يتوقف الأمر على التحركات الشعبية، بل وصلت أيضًا لقرارات قضائية برفض توصيات الرئيس الأمريكي الجديد، وكانت الدولة الوحيدة التي اتخذت موقفًا حادًا من القرارات التي استهدفت مواطنيها في العامل الإسلامي »إيران«، التي أعلنت المعاملة بالمثل للمواطنين الأمريكيين، ومنع دخولهم، أما العرب، فكان الصمت والهدوء والبيانات المستأنسة هي سمت إداراتهم الأساسي، في حين رحبت بعض الشخصيات العامة العربية بالقرار.
الرفض الأمريكي
900 توقيعًا من دبلوماسي معارض لقرار الرئيس دونالد ترامب، كان حصيلة توقيعات احتجاجية تسلمتها وزارة الخارجية الأميركية لرفض قرارات دونالد ترامب، وقال «شون سبايسر»، المتحدث باسم البيت الأبيض، ينبغي على الموظفين تأدية مهامهم في البرنامج أو الرحيل.
وقانونيًا، في البداية أعلن المدعي العام لولاية واشنطن رفع دعوى قضائية ضد تنفيذ قرار ترامب؛ ليعلن بعدها المدعيان العامان لكل من ولاية نيويورك وفرجينيا الانضمام للدعوة القضائية أمام المحاكم الاتحادية، وتلحق بهم ولايات ماساتشوسيتس، في المعركة القانونية الرافضة لموقف ترامب من رعايا الدولة الإسلامية، ونقلت قناة الحرة الأمريكية عن المدعية العامة لولاية ماساتشوسيتس، «مورا هيلي»، قولها: إن »الحظر غير دستوري«، كما رفع عدد من المواطنين الأجانب أيضًا دعاوى قضائية ضد الحظر.
وفي 30 يناير (كانون الثاني) أعلن نحو 16 وزير للعدل – من الحزب الديمقراطي – في ولايات أمريكية مختلفة رفضهم لقرارات ترامب، و أعلنوا في بيان مشترك رفضهم للقرارات واعتبروها غير شرعية، كما اعترض معظم الأعضاء الديمقراطيين، وانضم إليهم خمسة نواب عن الحزب الجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب ضد قرار ترامب.
وتعهد نائبان من الحزب الديمقراطي بمواجهة القرارات في المحاكم والشوارع الأمريكية.
ترامب أيضًا لم يصمت وفي رد فعل غاضب منه أعلن في 31 يناير (كانون الثاني) إقالة وزير العدل بالوكالة، لرفضها تطبيق قراره بشأن حظر السفر، وذلك نقلًا عما أعلنه البيت الأبيض، كما كتب ترامب على موقع «تويتر» مهاجمًا زعيمة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، كما رفض تحمل مسؤولية فوضى المطارات، وأرجع السبب للمتظاهرين ضد قراراته، ولتعطل أجهزة كمبيوتر شركة دلتا للطيران.
الرفض على المستوى الشعبي والشركات
وعلى المستوى الشعبي شهدت المطارات الأمريكية والمدن الرئيسة احتجاجات ضخمة رفضًا لقرار ترامب، وأمام صالات المطارات بعدد من المطارات الرئيسة – خاصة التي شهدت توقيف أشخاص منعوا من دخول الولايات المتحدة- حيث تجمع العشرات من الأمريكيين للترحيب باللاجئين والمهاجرين الذين استطاعوا الدخول بوثائق وتأشيرات رسمية.
https://www.youtube.com/watch?v=2Kdx87VTh-A
فيما تصاعدت المظاهرات في الشوارع الأمريكية وأمام البيت الأبيض، وكذلك الحال في نيويورك وسياتل، وبالرغم من الرفض الظاهر في المظاهرات والوقفات، إلا أن استطلاعًا للرأي أجرته »رويترز- أيبسوس« أظهر حالة انقسام كبير في الشارع، حيث يعتقد ثلث الأمريكيين أن حظر السفر سيجعل بلدهم أكثر أمنًا، أي أن 31 بالمائة من المشاركين يرون أن القرار يجعلهم أكثر أمنًا، فيما يرى 26% أنه سيجعلها أقل أمنًا، بينما رأى 33 بالمائة أن القرار لن يكون له تأثير، ولم يعبر نحو 10 بالمائة عن رأيهم.
وعلى مستوي الشركات الكبرى تحدت الشركة المالكة لسلسة مقاهي ستاربكس قرارات ترامب، وأعلنت عزمها توظيف عشرة آلاف لاجئ خلال الخمسة سنوات القادمة، وأعلنت شركة «إيرناب» المتخصصة في الاستثمار الفندقي والعقاري استعدادها لتأجير الغرف وتقديم خدماتها مجانًا لكل من يشمله قرار ترامب بالمنع، كما أعلنت شركت «جوجل» عن دعم اللاجئين، وقالت «إن القرار سيؤثر على نحو 100 من موظفي الشركة، وأعلنت عن فتح صندوق لتمويل منظمات المجتمع المدني المدافعة عن الحقوق المدنية بنحو أربعة ملايين دولار».
وأيدت شركات «أمازون» و«مايكروسوفت» و«أكسبيديا» الدعوى القضائية التي رُفعت ضد قيود السفر التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشمل الرفض أيضًا شركة «أبل»، وكان مؤسس موقع «فيسبوك» »مارك زوكربرج« أحد رافضي القرار، وقال »الولايات المتحدة أمة من المهاجرين، وهذا الأمر فخر لنا أن نكون أمة متعدد الأصول المختلفة«، مطالبًا بالإبقاء على الأبواب مفتوحة أمام اللاجئين وطالبي العون، فيم اعتبر موقع «تويتر» أن المهاجرين هم من بنوا الشبكة، متعهدة بالوقوف معهم دومًا.
الرفض العالمي شعبيًا ورسميًا
الرفض العالمي، وخاصة الغربي، للقرارات الجديدة للرئيس الجديد كان ملاحظًا في أوروبا وكندا، وكذلك بعض المنظمات الدولية.
وصفت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» القرارات بغير المبررة، واعتبرت القرار يستهدف المسلمين بشكل خاص، وقالت أمام صحافيين »إن مكافحة الإرهاب الضرورية والحازمة لا تبرر إطلاقًا تعميم التشكيك بالأشخاص من ديانة معينة«، فيما انتقدت تيريزا ماي – رئيسة الوزراء البريطانية – قرار ترامب بشأن اللاجئين، وقال المتحدث الرسمي باسم ماي »رئيسة الوزراء لا توافق على قرار ترامب، وستتحدى الحكومة الأمريكية إذا شكل ذلك تأثيرًا سلبيًا على مواطنين بريطانيين – أصحاب الجنسيات المزدوجة«.
وانتقدت فرنسا القرار أيضًا، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك »قرارات الرئيس الأمريكي، وخصوصًا فرضه قيود على دخول اللاجئين للولايات المتحدة تثير القلق«. رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، أعلن تضامنه، وقال »إلى الذين يهربون من الاضطهاد والرعب والحرب، عليكم أن تعرفوا أن كندا ستستقبلكم بغض النظر عن معتقداتكم«.
فيما اعتبرت الأمم المتحدة مرسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تعليق استقبال اللاجئين وحظر دخول الأشخاص من بعض الدول إلى الأراضي الأمريكية غير قانوني، ورأى مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين أن مرسوم ترامب »سيئ النية« ومنافيًا لحقوق الإنسان، وقالت منظمة «آباء بلا حدود» «إن قرار الرئيس الأمريكي سيعرض أرواح اللاجئين السوريين للخطر، وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية مارغاريتيس شيناس خلال مؤتمر صحفي إن الاتحاد والمفوضية لا يميزان بين الأشخاص، سواء على مستوى الجنسية أو العرق أو الدين، واعتبرت منظمة التعاون الإسلامي مرسوم ترامب سيساهم بتعزيز موقف »دعاة العنف والإرهاب«.
شعبيًا، في بريطانيا وقع أكثر من مليون شخص علي عريضة تطالب بإلغاء الزيارة الرسمية لـ»ترامب« إلى بريطانيا المقررة خلال العام الجاري رفضًا للقرار الخاص بالدول الإسلامية، وفي 31 يناير (كانون الثاني) الماضي تظاهر الآلاف في لندن وبعض المناطق الأخرى في بريطانيا رفضًا لقرار ترامب، وجرت احتجاجات أمام مقر رئيس الوزراء البريطانية، وهاجمها المتظاهرون بشدة.
بعض الشركات العالمية اتخذت موقفًا رافضًا للقرارات، وأعلنت شركة أكسا الفرنسية للتأمين عن تعهدها بتغطية التأمين على السفر كل من شملهم حظر دخول الولايات المتحدة، وشركة «راكوتن» اليابانية أعلنت توفيرها خدمة المكالمات الدولية مجانًا لمواطني الدول السبع المتضررة من قرار الحظر.
مظاهرات في لندن ضد ترامب وتهاجم رئيس الوزراء البريطانية
مصر والسعودية لا تعليق رسمي
الدول العربية التي لم يشمل مواطنوها قرار المنع من دخول الولايات المتحدة لم تهتم كثيرًا بإعلان موقفها من القرار، بل على العكس، كانت مصر أولى الدول حول العالم التي تطبق القرار في مطاراتها، ومنعت خمسة عراقيين من ركوب طائرة تابعة لمصر للطيران – الشركة الرسمية للطيران – كانت متجهة من القاهرة إلى نيويورك، فيما لم تعلن الرياض موقفها من الأمر، بل لم يتطرق البيان الصادر للدوائر الإعلامية في المملكة عن أي حديث حول القرارات خلال الاتصال الذي جري لمدة ساعة بين ترامب والملك سلمان.
وحاولت إذاعة «صوت أمريكا» تحليل سبب الصمت المصري والسعودي في الأزمة، باعتبارهم الدول العربية الكبرى، وقالت الإذاعة: إن الحكومة المصرية، تعد أحد حلفاء الولايات المتحدة، ومقر المؤسسة الدينية الكبرى »الأزهر«، وبالرغم من ذلك فضلت الصمت؛ بسبب الرغبة في عدم استعداء إدارة ترامب، بغرض تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، متمنية اتخاذ ترامب قرار بوضع جماعة «الإخوان» على قوائم المنظمات الإرهابية، أما فيما يخص الموقف السعودي، فأشارت الإذاعة إلى أن المملكة ودول الخليج ترحب بـ»ترامب« لمواقفة المتشددة ضد إيران.
وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية –بيروت، في تصريحات للإذاعة «الصمت يخدم مصالح الدولتين، مصر والسعودية«، معتبرًا ان عدم وجود رد فعل عربي فراغ ممكن أن يشغله المتطرفون.
وتساءل الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال له عن من المفترض أن يدافع عن العرب »هل الملك سلمان أم أردوغان أو ميركل؟« وأشار إلى أن الغضب ضد القرارات الصادرة عن ترامب، ليست متمثله في الجاليات المسلمة فقط، والمهمشين داخل الولايات المتحدة، ولكن أيضًا عبر عنها مجموعات من السياسيين والحقوقيين والفنانين والشخصيات نافذة، ونقل هيرست الصمت الذي تعامل به الملك سلمان وأشار إلى أنه لم يتحدث خلال اتصاله مع ترامب حول أزمة الدول المسلمة ولعله يخشي رد فعل ترامب، وفقًا لهيرست.
الصمت العربي
قد يكون موقف مصر والسعودية بعيدًا عن الدول التي أعلنت الحظر، ولكن مع الكشف عن موقف تلك الدول تجد الهدوء هو السائد، وقبل التطرق لموقف تلك الدول يمكن أن تعقد مقارنة بين موقف مشابه لطرف في أزمة أخرى أبطالها ترامب من ناحية، والرئيس المكسيكي من ناحية أخرى، والتي كانت بسبب قرار لترامب وقعه في 26 يناير (كانون الثاني) حول بدء بناء جدار فاصل على الحدود المكسيكية الأمريكية، وأعلن أن من سيتحمل ثمن الجدار المكسيك نفسها .
اقرأ أيضًا: أمريكا ستخسر أيضًا من معاداة المكسيك «الصغيرة».. 3 أسئلة تشرح لك
وهو ما رفضة الرئيس المكسيكي حيث أكد على عدم دفع ثمن الجدار الفاصل على الحدود، ليأخذ الرئيس الأمريكي رد فعل حاد، ويكتب على صفحته الشخصية »إذا كانت المكسيك لا ترغب في دفع تكلفة الجدار اللازم بشدة، فمن الأفضل أن تلغي الاجتماع المقبل«؛ ليقرر إنريكي بينا نيتو الرئيس المكسيكي إلغاء زيارته للولايات المتحدة التي كان مقررًا لها بداية فبراير (شباط) الجاري.
وعلى العكس من موقف المكسيك، فهناك موقف الدول التي شمل مواطنيها قرار المنع الذي يمكن توصيفه برد الفعل بـ »الرفض المستأنس«، فلم تتخذ أية دولة خطوة مباشرة لسحب سفيرها من الولايات المتحدة أو المعاملة بالمثل، كما أعلنت إيران ـ على سبيل المثال ـ وبقي الموقف العربي هادئًا ودبلوماسيًا للغاية.
جامعة الدول العربية أعربت 29 يناير(كانون الثاني) عن قلقها من القيود الأمريكية، ووجه الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، مطالبات للإدارة الأمريكية بضرورة مراجعة موقفها من القرارات التي اعتبرها سلبية.
الدول الممنوع مواطنوها أعلنت رفض القرارات بصيغ مطاطيه. اليمن «فزعت» وذلك وفقًا لمسؤول يمني رفض ذكر اسمه في تصريحات لـ«رويترز» فيما أعلنت الخارجية اليمنية، عن استيائها من القرار، وكالفزع اليمني كان «الأسف» السوداني من القرار، وقال الناطق باسم الخارجية السودانية «أسف السودان للقرار الأمريكي»، وكان الوضع في العراق أغرب في نظر البعض، فحتي يوم 30 يناير (كانون الثاني) الماضي، وبعد القرار الأمريكي بـ48 ساعة تقريبًا، كان وزير الخارجية العراقي يستعد للتعبير عن استياء بغداد من حظر ترامب، وعلى العكس من موقف الحكومة العراقية جاء الرفض للقرار من «الميلشيات» المسلحة، وعلى رأسها «الحشد الشعبي»، والذي طالب بمنع دخول المواطنين الأمريكيين للأراضي العراقية.
أما السلطات السورية، فلم تتعامل مع الموضوع من قريب أو بعيد، إلا بتصريحات لوزير الخارجية السورية إبراهيم المعلم، طالب فيها المواطنين السوريين بالعودة لبلادهم.
عدد من الشخصيات العامة العربية رفضت القرار، وكان أبرزهم الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية المصرية الأسبق، والرئيس الأسبق لوكالة الطاقة النووية، والذي يعد من أبرز الشخصيات العربية التي أعلنت رفضها للقرارات الصادرة من ترامب، ووجه انتقادات شديدة، حتى إنه قال في تدوينات على صفحته الشخصية على تويتر »العالم مع ترامب سيكون أكثر خطورة»، متسائلًا »هل يفهم ترامب الفارق بين المسلمين والمتطرفين، أو الأسباب الجذرية للإرهاب؟ هل يفهم أن تهديد الأمم المتحدة لا يعكس نضجًا؟« وأنهى البرادعي الكتابة حول ترامب بقوله »على ترامب أن يتعلم الكثير«.
علي الجانب المقابل أبدى المسؤول الأمني السابق في شرطة دبي «ضاحي خلفان» موافقته على قرارات الرئيس الأمريكي بشأن منع رعايا بعض الدول العربية من الدخول للولايات المتحدة، وكتب على صفحته الشخصية على تويتر «يحق لأية دولة أن تتخذ التدابير الاحترازية بما يؤمن سلامة أراضيها. قرار ترامب اتخذ لأن التقارير الأمنية للأمن القومي الأمريكي، تقول إن هذا التدفق إلى أمريكا من دول فاشلة خطير».
ولم يكتف خلفان بذلك، ولكنه هاجم الدول التي منع مواطنوها من دخول الولايات المتحدة قائلًا: إنها »دول متخلفة وشعوب ميتة وجماعات غير منتجة«، واعتبر خلفان ترامب أول رئيس أمريكي يعمل لصالح أمريكا بحق، بحسب تعبيره.
لينكات من تويتر