الولايات المتحدة الأمريكية تجربة السنوات الأولى – 3

فوزى فراج في الأربعاء ٠٣ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الولايات المتحدة الأمريكية

تجربة السنوات الأولى – 3

 

قال لى ما ملخصه ان لا أقلق من عدم الحصول على وظيفة فى اقرب فرصة, وأنه من المتوقع ان لا احصل  على وظيفة مناسبة او فى مجال تخصصى إلا بعد ما لا يقل عن ثلاثة شهور وربما أضعاف ذلك , وعلى ان أبدأ فى تهيئة نفسى نفسيا لذلك, وعلى ان أبدأ فى التعرف على المجتمع الأمريكى, وكيف يمكن ان تتعرف على المجتمع الأمريكى إلا بالإندماج معه, هى كلمات بسيطة غير ان تطبيقها ليس بهذه البساطه. فكيف تندمج فى المجتمع الأمريكى, وما معنى الإندماج فى هذا المجتمع؟  أتذكر اننى عشت طوال حياتى فى الإسكندرية , وتخرجت من جامعتها, وعندما صدر قرار بتعيينى فى وزارة الصحة , كان خطاب التعيين فى معهد بحوث التغذية فى القاهرة, وكان على ان ( أهاجر هجرة صغرى ) الى القاهرة وهى مدينة زرتها مرات كثيرة من قبل ولم اكن من محبيها او المعجبين بها مطلقا, بل لم أكن اذهب اليها الا على مضض او دون أن يكون لى الخيار فى الأمر, لم اكن احب زحامها ولم اكن أحب طقسها ولم أكن أحب جوها المترب او اى شيئ فيها اوعنها, ولعل ذلك كان لتعصبى لكل ما هو سكندرى فى ذلك الوقت, وقد بذلت جهدا ووقتا طويلا كى أتأقلم على الحياة فى القاهرة, فما باللك بالتأقلم والإندماج فى مجتمع اخر مثل المجتمع الأمريكى.  

لكى تعرف المجتمع الذى تعيش فيه يجب ان تتفاعل معه, ولكى تتفاعل معه يجب ان تنشئ علاقات مع أفراده, ولكى تنشئ تلك  العلاقات يجب ان يكون لديك المقدرة على ان تتحدث معهم بحيث ليس فقط ان تفهم ما يقال ولكن ان يفهموا هم ما تقوله أنت, ومقدرتك على ان تفهم ما يقال ليست من الصعوبة مطلقا بالمقارنه بمقدرتك على ان تجعلهم يفهمون ما تقول وهذا مايسمى (Communications ). ورغم اننى كنت كما ذكرت من قبل, على درجة طيبة من القدرة على التحدث وعلى فهم اللكنه الأمريكيه, غير ان المرة الأولى التى تجد بها نفسك فى موقف يتطلب ان تتفاهم فى حوار مع شخص اخر لها وقع لا ينسى, كما سيتضح فيما بعد.

صباح اليوم التالى الإثنين, عندما إستيقظت من النوم, كان صديقى قد غادر المكان الى  عمله حوالى السابعة صباحا, كنت قد تصفحت جريدة الأحد مساء الليلة السابقة, وكنت قد رأيت عدة وظائف مما اعتبرته مناسبا لخبرتى ودرجتى العلمية التى كانت قد ترجمت فى مصر وإعتمدت من السفارة الأمريكية, كما كنت قد أحضرت عددا من شهادات الخبرة من مصر أيضا مترجمة الى الإنجليزية ومصدقا عليها من السفارة الأمريكية. جلست الى المائدة وأستخرجت جميع اوراقى, ثم بدأت فى كتابة ال ( Resume ) المطلوب , طبقا وتبعا لنسخة تركها لى صديقى كمثال لطريقة كتابته, وبعد ان انقضى اكثر من نصف النهار فى عدد من المحاولات, انتهيت من كتابته ووضعته جانبا لكى اعرضه على صديقى للمراجعة والتصحيح.  جلست لمشاهدة التليفزيون, وإحقاقا للحق, لم استطع ان افهم نسبة كبيرة جدا مما كان يعرض, بدا الحوار لى لأول وهلة وكأنه لغة مختلفة تماما عما أعرفه, استطيع أن اقول اننى فهمت حوالى  25% على اكثر تقدير من الحوار, وحاولت ان استنتج الباقى بصعوبة.  نفذت سجائرى, فنزلت الى الشارع لكى اشترى بعض السجائر, كنت فى مصر أدخن الى جانب السجائر المصرية مثل كليوباترا (وكانوا ينطقونها هناك  كلوباطره) عددا اخر من السجائر المستوردة على سبيل المثال لا الحصر ( Camel, L&M , Lucky Strike,..... ), ولكنى كنت أفضل سيجارة من نوع أسمه (Peter Stuyvesant ), والحقيقة أننى لم أكن اعرف مكان تصنيعها, وكنت اعتقد انها أمريكية مثل الأصناف الأخرى, ودخلت الى محل صغير قريبا من المنزل, وطلبت من البائع علبة سجائر من الصنف الذى كنت أفضله, بيتر ستوفيسانت, ونظر الى البائع نظرة إستغراب, وسألنى مرة أخرى بأدب عن إسم الصنف, فكررت له الإسم مرة أخرى, ولاحظت انه لم يفهم ما قلت, وهز رأسه مكررا ان اعيد إسم الصنف, وهنا أدركت تماما اننى ربما لم انطق الكلمة بالطريقة الصحيحة  التى يفهمها الأمريكان, فنطقت الإسم مرة ثالثة بمنتهى البطء والتأنى, بينما فى نفس الوقت شعرت بالخجل واعتقد ان وجهى بدأ فى الإحمرار, فقال انه لازال لا يفهم ما أقول ,وسألنى هل اريد علبة سجائر وكأنه يبدأ الحوار من جدبد, فقلت نعم, فقال ما هو الصنف وكان خلفه عددا لابأس به من أصناف السجائر الأمريكيه, فقلت له بيتر ثم أشرت الى الشارع الذى كان به المحل, وكان إسمه ستوفيسانت , وقلت له ما إسم هذا الشارع, فقال ( Stuyvesant Avenue ), فقلت بيتر وأضف له إسم الشارع هذا هو إسم الصنف , فقال انه لم يسمع عن هذا الصنف من السجائر. وكنت فى تلك اللحظه اود ان أغادر المكان بأقصى سرعة من شدة الحرج, فأشرت الى أحد الأصناف بطريقة عشوائية, وكان مارلبورو, ودفعت الثمن, وغادرت المكان , ولم اعد الى ذلك المكان بعد ذلك مطلقا, واعجبنى ذلك الصنف المارلبورو جدا فلم اغيرة حتى توقفت عن التدخين نهائيا فى عام 1978. بالطبع عرفت فيما بعد ان بيتر ستوفيسانت  لم تكن سيجارة أمريكية الصنع بل كانت بريطانية الصنع ولذلك لم تكن متوافرة أو معروفة فى المحلات الأمريكية التى تعرض عشرات من الأصناف المصنعه فى امريكا, كما عرفت أيضا اننى مقبل على تحدى كبير فى كيفية ان أجعل ما أقوله مفهوما للشخص الأخر.

على مقربة من البلدة التى كنت بها ( Irvington) هناك مدينة كبيرة تعد من أكبر مدن نيوجرسى إن لم تكن أكبرها على الإطلاق, وإسمها ) Newark ) , وعندما أقول على مقربة, لا أعنى مسافة قصيرة تستطيع ان تمشيها على الأقدام, فقد كان من الضرورى بالنسبة لمن لا يملك سيارة أن يركب الأتوبيس,  وذهبت الى محطة الأتوبيس, وفى الولايات المتحدة وسائل المواصلات العامة ليست كمصر مثلا التى تتعدد فيها وسائل المواصلات ما بين القطار والأتوبيس والترام والتروللى .......الخ, ولكنها قليلة جدا خاصة خارج المدن الكبرى مثل نيويورك, فلا تجد سوى تاكسى او أتوبيس ولا يأتى الأتوبيس كل عدة دقائق ولكن ربما كل نصف ساعة يعتمد ذلك على خط السير وعلى حجم البلدة , وذلك بالطبع لأن السواد الأعظم من الناس يمتلك سيارة, وعندما جاء الأتوبيس سألت شخصا واقفا معى على المحطة إن كان ذلك الأتوبيس فى طريقة الى تلك المدينه المذكورة أعلاه فقال نعم, فركبت .     دعنى أن اتوقف هنا لأشرح ما حدث, إسم المدينه هو كما قلت أعلاه ( Newark) , وبالنظر الى الإسم نجد انه مركب من إسمين او هكذا ما كنت أظن, ( New    Ark) وبالطبع اعتقدت انه إسم مثل نيويورك ( New  York), وسألت ذلك الشخص ان كان الأتوبيس متوجها الى نيو - أرك, وبعد ركوبى الأتوبيس , وبعد ان دفعت الرسوم وهو يحصل عند الركوب بمعرفة السائق, يعنى ليس هناك ( محصل او كمسارى ), بعدها بفترة قصيرة أدركت ان الأتوبيس ليس فى طريقة الى نيو – أرك  كما سميتها او كما نطقتها, ولكن فى طريقة الى نيويورك, أدركت ذلك عندما رأيت أحدى علامات الطريق التى تشير الى نيويورك, والتى تبعها السائق وسألت راكبا اخر ان كان فى طريقة الى نيو – أرك, وبعد ان نطقتها له اكثر من مرة افادنى انى فى طريقى الى نيويورك, وطلبت من السائق ان ينزلنى بعد ان شرحت له ( بلغتى ) الأقل من المتواضعه كما احسست أنذاك الخطأ فأبتسم, وتوقف, بل أعاد الى ما دفعته  وأخبرنى بكيفية الذهاب الى نيو – أرك من ذلك المكان, عرفت بعد ذلك ان إسم المدينه لا ينطق نيو – أرك, بل ينطقونه (نو- وارك بدون الوقفة فى وسط الكلمة), كما ينطقون إسم نيويورك,( نو- يورك), ومن ثم عندما سألت فى المرة الأولى عن نيو –أرك, كانت قريبة جدا من نو –يورك, وكان ذلك هو الدرس الثانى بعد درس علبة السجائر فى اليوم السابق فى انه من الأفضل ان أركز على نطق اللغه, اللغه, اللغه!!!

عندما عاد صديقى من عمله ذلك اليوم, وعرضت عليه ما كتبت, وراجعه واقترح عددا من التغييرات , كما غير عددا من الجمل المكتوبة لكى تتفق مع المفهوم الأمريكى , وأعطانى عنوان المطبعة التى يجب ان أذهب اليها فى المدينة المجاورة (نو- وارك) , وما ذكرت أعلاه كان فى اليوم التالى اى الثلاثاء وكنت بالطبع فى طريقى الى تلك المطبعه, ذكر لى أيضا ان هناك مكاتب للتشغيل وتسمى ( Employment Agencies ) وهى مكاتب لمساعدة طالب الوظيفة ان يجد وظيفة مناسبة, وبالطبع لا يفعلون ذلك لوجه الله, ولكنهم يتقاضون رسوما على ذلك تختلف بإختلاف الوظيفة وبإختلاف المكتب , فبعضهم يطلب نسبة معينة من مرتبك السنوى وبعضهم يطلب مبلغا محددا, وميزة تلك المكاتب انها لديها معلومات عن وظائف لا تنشر فى الجرائد, ولهم إتصالاتهم الشخصية بالكثير من جهات العمل, بل إن بعض المكاتب تتخصص فى أعمال معينه, ومجالات معينه, فقررت فى طريقى الى (نو – وارك) بينما أنا هناك ان اجد وأتعرف على مكان بعض تلك المكاتب فربما قد أحتاج اليه , من يدرى. 

بعد وصولى هناك فى وسط المدينه ,  كان صديقى قد وصف لى اين تلك المطبعة, وكتبت كل شيئ فى روقة حملتها معى, ولم اجد صعوبة فى الوصول الى تلك المطبعة, وكانت فى إستقبالى سيدة لدى دخولى وسألتنى ان كان من الممكن ان تساعدنى وهى الجملة التقليدية ( May I help you), واعطيتها الورقة المكتوبة فقامت بمراجعتها معى , ثم قامت أيضا بتصليح بعض الأخطاء التى فاتت على صديقى, بل إقترحت بعض الإضافات التى قالت يكون عادة لها وقع طيب على من يقرأ ذلك ولنطلق عليه ( الملخص الحيوى عن طالب الوظيفة) , وطلبت خمسون نسخة على ما أذكر, ودفعت لها الثمن, وقالت انها ستكون جاهزة فى اليوم التالى, وأنها سوف تخطرنى تليفونيا حتى لا احضر بلا طائل إن لم تكن جاهزة بعد, ومن الطبيعى ان يكون لذلك تأثيرا إيجابيا فى طريقة المعاملة التى رأيتها والأدب والإستعداد لمساعدة الزبون حتى دون أن يطلب المساعدة, شيئ لم نكن تعودنا عليه فى مصر.

خرجت لأنظر من حولى , وأنا أتساءل , لم يكن هناك مشكلة فى الحديث مع تلك السيدة, بل لم تطلب منى إعادة ما قلته سوى مرتين , وشعرت ببعض الثقة , وقررت ان اقضى بعض الوقت فى تلك المدينه, ذهبت لكى اتعرف على مكان مكتب التشغيل الذى لم يكن بعيدا عن المطبعة, ثم مشيت فى الشارع, ولا أقول الشوارع, وهو شارع عريض مزدحم , وبه ألاف المحلات والمعروضات, ورغم ذلك الإزدحام, والاف السيارات والاتوبيسات المارة, لم أسمع بوق سيارة واحد, مجرد بوق سيارة واحد, قارن ذلك بمصر, فالسيارات هناك يبدو انها لا تسير بالضغط على مفتاح السرعة فقط, إذ لا بد ان تضغط أيضا على بوق السيارة وإلا فسوف تتوقف سيارتك, رأيت معنى كلمة ( نظام ) فى الشارع, كيف يتحرك المارة, وكيف يعبر المارة الشارع, لم أرى ( عسكرى مرور ) واحد ومع ذلك فحركة السيارات تسير بطريقة إنسيابة منظمة, ويحترم الجميع إشارات المرورعند تقاطع الشوارع. اما الحركة على الرصيف, فلا تختلف عنها فى وسط الشارع, هذا هو الغرب, هذا هو المجتمع الغربى, هؤلاء هم الكفرة منعدمى الأخلاق كما كان يقال عنهم فى تلك الأيام وكما يقال الأن عنهم أيضا .  لم أرى شابا واحدا يعاكس او يشاكس السيدات والنساء فى الشوارع او يتعرض لهن, رغم ما يبدو عليهن من تحرر وما يبدو من لباسهن وثيابهن التى قد تثير بعضها مظاهرة فى شوارع القاهرة او الإسكندرية, تذكر اننى اتحدث عن عام 1971 , وفى ذلك الوقت فى مصر كانت ملابس النساء تختلف كثيرا عنها اليوم, لم يكن ما يسمى ( الحجاب) من الأشياء التى تراها فى الشارع بل لا أذكر رؤيتى لحجاب فى الإسكندرية مطلقا, بل كانت النساء ترتدى ملابسا عادية دون نقاب او حجاب او هباب, كانت النساء الكبيرات فى السن مثل والدتى رحمها الله او أقاربى من النساء يرتدين ملابسا جميلة ذات طابع مميز ولم تكن من القرن التاسع عشرولكن كانوا يغطون رؤسهن بطرحة او إيشارب لاغير, ومع ذلك لم نسمع او نقرأ مطقا عن حوادث إغتصاب فى وسط الشارع او خطف النساء والفتيات فى عمليات اغتصاب جماعية رغم كل نراه الأن من مظاهر, وأعنى مظاهر, التحجب والتدين فى شوارع القاهرة او الإسكندرية, ولم نسمع مطلقا كلمات مثل السعار الجنسى الذى نسمعه رغم كل ما يتظاهر المجتمع المصرى به من التدين والرجوع الى الإسلام والأسلام هو الحل , ولم يكن فى ذلك الوقت هناك من وعاظ التليقزيون ما هو متوافر الأن فى مصر,لم يكن هناك تطرف دينى وفتاوى بالألاف, كانت الشوارع أمنة فى القاهرة او الإستكندرية للنساء ان يسرن بها فى اى وقت , ولم نسمع عن إنتشار الزواج العرفى او عن الإبناء الغير شرعيين الذين يلقونهم امام الملاجئ او المستشفيات, ولم نكن نسمع عن زواج المتعه او زواج المسيار او زواج اللى مش عارف أيه فأنواع الزواج صارت لا تحصى, لم نكن نسمع مطلقا ان ميكروباس تحول عن طريقة لكى يغتصب السائق وأصدقاؤه احدى الراكبات, ولم نكن نسمع مطلقا أن الأسلحة البيضاء صارت وسيلة لكى يشبع رجلا غريزته الجنسية ولكنها كانت وسيلة للإرهاب والإعتداء على الأخرين فقط .

فى طريق عودتى الى المنزل, لم يكن هناك اى مشكلة, وكان الأتوبيس فى طريق العودة مثلة تماما فى طريق الذهاب, يكاد يكون خاليا ألا من عدد قليل من الركاب, وتذكرت اتوبيسات القاهرة, وما يحدث بها من مهازل, ومن زحام ومن احتكاك ومعاكسات وتحرش بالنساء والفتيات, ومن خناقات وصراخ وسب.........., وعدت الى المسكن, بعد الظهر بقليل, وجلست أشاهد التليفزيون مرة أخرى وأنا مصمم ان افتح أذنى وان أسمع جيدا ما يقال, ليس من أجل مشاهدة برنامج ولكن من أجل ان أتعلم كيفية النطق, وأن اقارن طريقة نطقى للكلمات المعروفة لدى بطريقه نطقهم لنفس الكلمات, وكان تركيزى على إصلاح طريقة نطقى التى وجدت رغم كل ما ذكرت انها تحتاج الى الكثير من الإصلاح .  وكما ان هناك فى مصر- رغم صغرها قياسا بأمريكا – هناك لهجات مختلفة مثلا بين القاهرة والإسكندرية او بين الصعيد فى الجنوب والوجه البحرى فى الشمال, هناك أيضا لهجات مختلفة كثرة فى امريكا, بين الجنوب والشمال, وبين الشرق والغرب, فلهجة الناس فى نيوجرسى تختلف عنها كثيرا فى نورث كارولينا, كما تختلف فى تكساس عنها فى نورث داكوتا, بل ان لهجة مدينة نيويورك تختلف عن لهجة نيوجرسى, والإختلاف فى اللهجه قد يكون بينا او قد يكون بسيطا, ولكنه إختلاف على اى حال, وتلك الإختلافات رغم ما يبدو انها قد تشكل صعوبة بالنسبة للمهاجرين, إلا انها نعمة من الله  لهم , فقد تعود الناس هنا على أختلاف اللهجات, ولو كانت هناك لهجة واحدة لوضعت كل المهاجرين فى موقف صعب, ولذلك , فإن المجتمع الإمريكى متسامح جدا فى تقبل اللهجات المختلفه, غير ان تقبل اللهجات شيئ, والجهل باللغه او عدم إستخدام الكلمات المناسبة شيئ أخر.

هناك أيضا مصطلحات يستخدمها الناس لا تخضع للترجمة الحرفية ان حاولت ترجمتها , وليس هناك طريقة لمعرفة معناها سوى ان تسأل عنها, لأن ترجمتها حرفيا لا يخدم الغرض فى معرفة معناها او السبب فى إستخدامها. على سبيل المثال فقط, كلمة ( Back ) تعلمنا ان معناها " ظهر ", ولكن فى اللغة الإنجليزية لها معانى كثيرة تعتمد كثيرا على الجملة التى جاءت بها, او على ماقبلها وما بعدها من كلمات, كذلك بإضافة كلمة أخرى لها يتغير المعنى تماما, مثلا كلمات مثل ( back up  & back off & back out & back ways & back away & back down & back in …etc…..)  كل منها له معنى يختلف تماما عن الأخر ولا علاقة له بكلمة " ظهر" التى تعلمناها. وكما قلت ما لم تكن من طلاب التعليم والمدارس الأنجليزية فى مصر, فكثيرا من الإصطلاحات الإمريكية تعتبر شيئا جديدا بالنسبة لك. أضف الى ذلك ان هناك ما يسمى ( Idioms) وهى عبارات أمريكية لها معنى لا علاقة له بالكلمات المستعلمة فى الجملة نفسها, وهى كمثل ما يقال فى مصر ولا ترجمة له من مثل ( مشى حاللك )  او (معلهش ) او ( سيبك منه ) فحتى لو ترجمت تلك الكلمات فلن تفى بالمعنى المقصود. أهم من ذلك كله ان تفكر بلغة المجتمع الذى تعيش فيه, وليس أن تفكر بلغتك الأصلية ثم تقوم بترجمة أفكارك الى لغة المجتمع, لو فعلت ذلك, فلن تستطيع ان تتقدم مطلقا فى حياتك فى المجتمع الجديد, ربما فى اوئل حياتك هناك سوف تقوم بالترجمة الفورية لأفكارك, ولكن حتى تستطيع ان تغير من ذلك بحيث لا يحدث ترجمة فى رأسك, بحيث تفكر بلغتهم, فسوف لن تصل الى ما تود ان تصل اليه.      لقد أسترسلت كثيرا فى موضوع اللغه والتعامل والتفاهم مع الناس لأهميتة التى لا اعتقد ان هناك شيئا أخر أكثر أهمية منه, ليكون  فى ذلك درسا لمن يفكر فى ان يترك بلاده ومنشأه ومسقط راسه ليعيش فى مجتمع أخر.

فى اليوم التالى الأربعاء, حوالى الساعة الواحدة بعد الظهر, اتصلت تلك السيدة بى تليفونيا, وأفادتنى ان الطلب ( order) كان جاهزا, وأن احضر لإستلامة فى اى وقت. وصلت الى هناك حوالى الساعة الثانية تقريبا, وتسلمت ال ( Resume), وفكرت لدى خروجى ان اجرب مكتب التوظيف, فذهبت هناك, وفى قاعة الإستقبال كانت هناك فتاة جميلة مهذبه ترتدى ملابسا غاية فى الإناقة وسألتنى السؤال التقليدى, كيف يمكن ان أساعدك, فقلت انى ابحث عن عمل, وقدمت لها نسخة من الملخص الحيوى, فطلبت منى ان اجلس قليلا , وبعد ان تصفحت الورقة , أخذتها الى الداخل الذى كان مقسما الى عدد من المكاتب وسلمتها الى احد الموظفين, وبعدها بدقائق قليلة اتى الى ذلك الموظف , وكان يحاول ان ينطق أسمى بصعوبة, وفى نفس الوقت يطلب منى ان اصحح له طريقة النطق, ودعانى الى الذهاب الى مكتبة.  وفى مكتبه بدأت عملية ال( interview  ), وسألنى اول ما سألنى متى حضرت الى الولايات المتحدة, فقلت له يوم السبت الماضى, ولاحظت علية دهشة واضحة, وقال منذ ثلاثة او أربعة أيام, وتجلس امامى محاولا ان تحصل على عمل, انك لم تفيق بعد من ال ( jet lag) اى من تأثير الطائرة وتغيير الوقت...الخ,  كان يتحدث معى ببطء مدركا اننى جديد فى هذا المجتمع ولأنه بحكم مهنته  قد قابل  المئات من مختلف الجنسيات, ولابد ان ذلك قد اعطاه نوعا من الخبرة فى التعامل مع من هم مثلى, المهم , بعد المقابلة وبعد ان ذكرت له خبراتى وما أسعى اليه, شرح لى الخطوات المتبعه والرسوم التى سوف يكون على ان أدفعها, وأنه سوف يتصل بى تلفونيا عندما تكون هناك وظيفة مناسبة.   ثم طلب منى ان اوقع على بعض الأوراق التى تعتبر كعقد او إتفاق بينى وبين المكتب الذى بعمل به, فوقعت, ويمكن ان تقرأ هذه الكلمة إما بتسكين القاف او عدم تسكينها ,سواء !!

يتبع

اجمالي القراءات 26540