وليد فارس ودينا حبيب عصا ترامب في مواجهة الإسلاميين
بين فارس وباول تناقضات كبيرة في المنشأ، إذ يحمل فارس على كاهله ماضيا عاصفا، يتخلله عقد كامل من الصراعات العسكرية والأيديولوجية الطاحنة.
عرب يسكنون البيت الأبيض
لندن - بعد انتقاداته اللاذعة للمسلمين خصوصا طوال حملته الانتخابية، ينظر العرب إلى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بريبة كبيرة. وفوق ذلك تسبب عدم وضوح أبعاد سياسته المستقبلية في الشرق الأوسط بانتشار ضباب كثيف حول ما يحدث في واشنطن، لا يستطيع العرب اكتشاف ما وراءه.
لكن بعد فوزه في الانتخابات التي أجريت في نوفمبر الماضي، فاجأ ترامب العرب بتعيين اثنين من مساعديه من أصول عربية، سيكون لهما على ما يبدو دور أساسي في تحديد سياسة البيت الأبيض إزاء المنطقة.
وسيتولى وليد فارس، الأميركي من أصل لبناني، موقع مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط، بينما ستشغل دينا حبيب باول، الأميركية من أصول مصرية، منصب مستشارته للمبادرات الاقتصادية وتمكين المرأة.
ويقول باحثون أميركيون إن اختيار فارس وحبيب لشغل مناصب نافذة بالقرب من ترامب سيسهم في تليين مقاربته الحادة تجاه المنطقة. كما سيرسم صورة واضحة لرئيس لا يحظى بخبرة تذكر إزاء قضايا الشرق الأوسط.
القادمان من بعيد
بين فارس وباول تناقضات كبيرة في المنشأ، إذ يحمل فارس على كاهله ماضيا عاصفا، يتخلله عقد كامل من الصراعات العسكرية والأيديولوجية الطاحنة.
وقبل أن يتحول إلى أحد نشطاء اليمين الأميركي، كان فارس قد مر برحلة أكاديمية حافلة بدءا من بيروت، التي ولد فيها عام 1957، لعائلة مسيحية مارونية، ودرس علم الاجتماع وحصل على ليسانس في القانون والعلوم السياسية من جامعتها العربية، وحتى حصوله على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية من جامعة ميامي بالولايات المتحدة.
وإثر صعود نجمه كخبير في حركات الإسلام السياسي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، بدأت وسائل إعلام أميركية في البحث في ماضيه المليء بالصراعات. فخلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) كُلف فارس مع “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع، بمهمة التثقيف الأيديولوجي لمقاتلي الحزب ضمن مهام المكتب الخامس الذي كان مكلفا بالحرب النفسية.
وسرعان ما أصبح فارس من المقربين من جعجع، الذي كان يريد تحويل القوات اللبنانية من مجرد ميليشيا مقاتلة إلى جيش مسيحي، ووجد في فارس ضالته، لقدرته على غرس هذه الأفكار في عقول قيادات الحزب.
لكن أجواء نشأة باول، التي ولدت في القاهرة عام 1973، وانتقلت مع عائلتها القبطية للعيش في الولايات المتحدة بينما لم تتخط بعد عامها الرابع، كانت أكثر هدوءا وأقل مشقة.
صعود نجم فارس كخبير في حركات الإسلام السياسي بعد هجمات 11 سبتمبر دفع وسائل إعلام أميركية إلى البحث في ماضيه المليء بالصراعات. فخلال الحرب الأهلية اللبنانية، كان قد كلف مع (القوات اللبنانية) بقيادة سمير جعجع، بمهمة التثقيف الأيديولوجي لمقاتلي الحزب
فوالدها، الذي كان ضابطا في الجيش المصري، اضطر فور وصوله إلى ولاية تكساس للعمل كسائق سيارة أجرة، قبل أن يدير متجرا صغيرا.
وبعد تخرجها من أكاديمية “يورسولين” المرموقة، التحقت باول بجامعة تكساس، حيث حصلت على أول عمل سياسي لها في المجلس التشريعي الخاص بالولاية، وكانت أول علاقة عمل لها مع سيناتور تكساس في ذلك الوقت الجمهوري بيالي هوتشسون، الذي قال عنها إنها غير عادية، وتقدمت بشكل كبير بعد أول تدريب لها.
ومثل صديقتها إيفانكا ترامب، بدأت باول في تولي مناصب قيادية، وهي في سن صغيرة، فعندما بلغت الـ29 عاما، أصبحت أصغر مساعدة للرئيس لشؤون الرئاسة، ليصبح لها تأثير مباشر في كل قرارات التعيين في البيت الأبيض في عهد جورج بوش الابن.
وعملت باول مع مارغريت سبيلنغز، التي كانت تشغل مستشارة الرئيس للسياسة الداخلية، وأصبحت فيما بعد وزيرة للتعليم.
صعود سريع وآخر بطيء
تقول سبلينغز إن باول “واحدة من هؤلاء الذين ترغب في العمل معهم”، إذ كانتا تجلسان على نفس طاولة الاجتماعات يوميا في الساعة السابعة صباحا.
وأضافت سبلينغز “إنها مرحة وجادة ومفكرة كبيرة ومتحمسة، وتبث الحماس في زملائها، وهي ليست مجرد مفكرة كبيرة، ولكنها مفكرة تستطيع أن يكون لها دور في الإدارة، وهو مزيج نادر”.
عملت باول في الخارجية الأميركية كمساعدة مسؤولة عن شؤون التعليم والثقافة، ونائب مساعد الوزير لشؤون الدبلوماسية العامة عام 2005. وجعل هذا الدور لباول صوتا رئيسيا في إدارة بوش في الشرق الأوسط، في وقت كانت الإدارة تشعر فيه بالقلق بشأن كيفية التواصل مع الجمهور خارج الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تلعب باول دوراً كبيرا خلال إدارة ترامب الرئاسية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا النسائية بشكل عام. وهي مهمة لها أهمية خاصة بعد حملته الانتخابية التي شهدت صداما مع النساء، فقد قال ترامب ذات مرة إنه يعتقد أن النساء اللاتي يسعين للإجهاض يجب أن يواجهن عقوبة رادعة، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات ضده.
دينا حبيب باول، الأميركية من أصول مصرية، ستشغل منصب مستشارته للمبادرات الاقتصادية وتمكين المرأة
وأثناء تسجيل مقابلة، بينما كان الميكرفون مفتوحا بالصدفة، كان ترامب يباهي بالحديث عن التحرش الجنسي وكأنه أمر عادي من حقّ الرجل ذي السلطة ممارسته دون عقاب، وهو ما أثار غضب الآلاف من النساء وقتها.
ووصفت ليز تشيني، عضو الكونغرس عن ولاية وايومنغ وابنة نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني، باول بأنها “قوام أساسي في الإدارة الأميركية، لأنها تتحدث اللغة العربية وامرأة عربية يمكن أن تكون نموذجا يحتذى في معالجة بعض المفاهيم الخاطئة”. وقالت لشبكة سي إن إن “إن باول يمكنها أن تحدد ماهية سياساتنا وتدافع عنها”.
في هذا الوقت كان فارس يجوب الولايات المتحدة طولا وعرضا للتعريف بالخطر الذي يشكله الإسلاميون على المصالح الأميركية في الداخل والخارج. وعلى عكس باول، لم يتول فارس أيّ مناصب حكومية، رغم ترشيحه كي يصبح مستشار المرشح السابق في الرئاسة الأميركية ميت رومني عام 2012. لكن هزيمة رومني أمام أوباما أجّلت قليلا تحقيق تطلعات فارس.
ترجم فارس تطلعاته مرارا في محاضرات ألقاها في الكونغرس الأميركي ووزارة الخارجيـة والبرلمـان الأوروبي ومجلـس الأمـن، وفي أبحاث نشرتها مراكز أبحاث وصحف معتبرة.
كما طرح عام 2005 كتابا بعنوان “الجهاد المستقبلي: الاستراتيجيات الإرهابية ضد الولايات المتحدة”. وبعد عامين نشر كتابا آخر بعنوان “حرب الأفكار: الفكر الجهادي ضد الديمقراطية”.
وجعلت هذه المقاربة، التي تحولت مع الوقت إلى جزء من شخصية فارس، منه خصما لدودا لحركات الإسلام السياسي، خصوصا جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله الشيعي اللبناني.
الحرب على السني والشيعي معا
في الوقت الذي كانت فيه باول تركز كل جهدها على مناصرة المرأة خصوصا في العالم العربي ضد محاولات حركات الإسلام السياسي “تعليب” فكرة عدم جواز عمل المرأة وتفرغها لتربية أولادها، كان فارس قد كسب سمعة واسعة باعتباره أكثر أعضاء الحزب الجمهوري استشرافا للخطر الجهادي على المصالح الأميركية في المستقبل.
وشكلت جهودهما معا (باول داخل السلطة وفارس خارجها) رأس حربة سياسيا واجتماعيا لمواجهة ما سيصبح لاحقا أكبر خطر إسلاموي يهدد منطقة الشرق الأوسط في العصر الحديث.
وفي مرحلة بحثه عن مرشح مناسب لشغل منصب مستشاره للشرق الأوسط، وضع ترامب مؤشرا وحيدا للاختيار على أساسه هو الحرب على تنظيمات الإسلام السياسي السني والشيعي على حد سواء.
ويقول أحد مساعدي ترامب “وليد فارس بالنسبة إلينا هو اللاعب المحوري الذي يرسم المدرب خطة اللعب عليه”.
وصل عداء فارس للإسلاميين إلى نقطة التقاء جوهرية مع رؤى ترامب. وخلال محاضرة ألقاها يوم 28 ديسمبر عام 2015، كشف فارس عن أن “شبكة من الإسلاميين والمتعاطفين معهم تمكنت من اختراق المجتمع والحكومة الأميركيين بعمق”.
وأضاف حينها “الإسلاميون استطاعوا اختراق مجتمع الأكاديميين الذي يحظى بنفوذ واسع واتصالات مستمرة مع الحكومة. داخل الجامعة عادة ما يكون لديك فصول دراسية تروّج لأفكار أساسية يتبناها الإسلاميون، وتنتج خريجين يؤمنون بها”.
وجعلت هذه اللهجة فارس هدفا سهلا أمام اليساريين الديمقراطيين في مؤسسات الإدارة الأميركية في واشنطن، كما حولته إلى أيقونة مواجهة الإسلاميين في نظر اليمين الجمهوري.
وتقول سارة ستيرن، رئيسة مؤسسة “الحقيقة” لدعم الشرق الأوسط “وليد فارس هو محرك أساسي وحده في مواجهة الإسلاميين”. وأضافت “لقد أدرك صعود الإسلاميين في الشرق الأوسط، وفهم مبكرا جدا طبيعة تنظيم داعش كونه تهديدا خطيرا”. وقالت “طبعا هو أحد الداعمين الأقوياء لإسرائيل”.
وليد فارس، الأميركي من أصل لبناني، سيتولى موقع مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط
العودة إلى البيت الأبيض
كان دعم إدارة بوش الابن المطلق لإسرائيل وغزو العراق عام 2003 سببا رئيسيا للاستعانة بدينا حبيب باول، التي كانت واجهة يمكن للإدارة الجمهورية وقتها الحديث من خلالها إلى العالم العربي.
استغلت باول منصبها لقيادة مبادرات لتشجيع دور المرأة بدأتها عام 2005 من القاهرة، ثم ا"> يعتقد الكثيرون في الولايات المتحدة أن فارس هو من يقف وراء اللهجة العنيفة للإدارة الجديدة تجاه جماعة الإخوان المسلمين خصوصا. وفي وقت سابق من شهر يناير الحالي قال ريكس تيليرسون، المرشح لشغل منصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة إن “الولايات المتحدة ستقضي على تنظيم داعش أولا، وستركز على التنظيمات الأخرى كالقاعدة والإخوان المسلمين ومنظمات معينة داخل إيران”، في إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني. وسيكون على العالم العربي الانتظار للإطلاع على نوع الدور الذي سيلعبه “عمودا المكون العربي” داخل إدارة أميركية لم تقدم شيئا بعد سوى الغموض وعدم اليقين.