حسين القاضى يكتب: ممثل الأزهر يسرق بحثاً لـ«البوطى» وينشره باسمه فى مجلة «المشيخة
فى جريمة متكاملة تتنافى مع أخلاقيات البحث ومكانة الأزهر وعلمائه ومجلته، قام الدكتور عبدالفتاح العوارى بسرقة بحث كامل من العالم السورى الدكتور محمد رمضان البوطى من كتابه (الإسلام والغرب) من: ص 181 إلى 187، وكان «البوطى» قد ألقاه فى محاضرة منذ أكثر من 16 عاماً، فقام «العوارى» بالسطو عليه ونشره كاملاً فى مجلة الأزهر عدد ربيع الأول، جزء 3، السنة 90 من: ص 569 إلى 573، وتزيد الجريمة بشاعة بالنظر إلى السارق، والمسروق منه، ومكان السرقة، ودفاع المجلة عن السرقة.
أما السارق فهو ليس شخصاً عادياً يتحمل مسئولية نفسه، وإلا لكان الأمر هيناً، ولكنه الدكتور عبدالفتاح العوارى، أحد أعمدة إدارة شيخ الأزهر للمشيخة، ومرشح مشيخة الأزهر للانضمام لهيئة كبار العلماء، وهو الذى أرسلت المشيخة اسمه لرئاسة الجمهورية لتعيينه رئيساً لجامعة الأزهر، كما أرسلت المشيخة اسمه للرئاسة ليكون عضواً بالاختيار بمجلس النواب، لكن الرئاسة رفضته، كما أنه عضو مجلس تحرير مجلة الأزهر، وكل هذه المزايا لأنه الذراع اليمنى للشاب محمد عبدالسلام، المتحكم فى المشيخة، والأهم من كل ذلك أنه ممثل الأزهر الشريف ويعتبره شيخ الأزهر مندوباً عنه فى المؤتمرات الرسمية، وآخرها مؤتمر «الأبعاد الأخلاقية فى الرسالة المحمدية» المنعقد فى موريتانيا بداية ديسمبر الماضى، حيث تحدث «العوارى» بالنيابة عن الأزهر وشيخه، ونقل تحيات الإمام الأكبر لشعب موريتانيا، أضف إلى ما مضى أنه يجلس حالياً على كرسى عمادة كلية أصول الدين، وهو الكرسى الذى جلس عليه أكابر علماء الإسلام أمثال الشيخ عبدالحليم محمود.
البحث يدعو للعنف.. «البوطى» كتبه وقت الحرب.. و«العوارى» نشره وقت السلم
أما المسروق فهو شهيد المحراب الشيخ «البوطى»، أحد أعلام الإسلام فى العصر الحديث، وواحد من أهم العلماء الذين واجهوا تيارات التطرف كالإخوان والسلفيين، فكان واجب المشيخة نحوه تكريمه بنشر مؤلفاته، وليس سرقتها، ونسبة إنتاجه إليهم.
وأما بالنسبة لمكان السرقة فهى مجلة الأزهر، ذات التاريخ العريق، التى أضاءت صفحاتها بكتابات القامات العلمية والفكرية فى تاريخنا المعاصر أمثال: «دراز وشلتوت والزيات والعقاد والدجوى والجبالى والبهى وجاد الحق».
وبالنسبة لموضوع السرقة فإنه محاضرة قديمة ألقاها «البوطى» قبل نحو 16 عاماً، وأعادها ضمن كتابه: (الإسلام والغرب)، فنقل «العوارى» البحث كاملاً، ووضع عليه اسمه، ثم قام بثلاث خطوات داخل المقال حتى لا يكتشف أحد جريمة السطو:
الخطوة الأولى: أنه دلس على القارئ فكتب فى الهامش: (يراجع كتاب الإسلام والغرب للبوطى)، وهذه يُفهم منها أن مراجعة «البوطى» تكون فى الفقرة المذيلة برقم الهامش، وليس بكل المكتوب، وهذا عين التدليس، وإلا لو لم يكن هذا غشاً وتدليساً لسهل لأى واحد أن يأخذ بحثاً من غيره، ويكتفى بذكره عبارة: يراجع فلان.
الخطوة الثانية: أن «العوارى» سطا على بحث «البوطى» المكون من 7 صفحات كاملة، لكنه دعَّمه بأربعة سطور من كلامه بدأها بقوله: «وإن رمت دليلاً على ما قلناه..» وفى هذا تدليس وغش جديد، حتى لا يظهر أنه سطا على البحث كله، وإلا من السهل لأى واحد أن يسرق بحثاً من غيره ويطعمه بسطور من عنده.
الطلاب السوريون غضبوا من جريمة السطو فقررت المشيخة نسبة الجريمة إلى خطأ فنى من المحرر
الخطوة الثالثة: أنه دعَّم سطوه بنقل عدة سطور من كتاب: «حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة للشيخ محمد الغزالى»، والغريب أنه لم ينقل من «الغزالى» أى كلام ذى بال، بل نقل عنه خطبتين مشهورتين لأبى بكر وعمر -رضى الله عنهما، والطالب المبتدئ يعرف أن النقل فى هذه الحالة لا يكون مصدره «الغزالى»، بل مصدره المراجع الأولية التى نقل عنها «الغزالى»، ومعنى ذلك أن النقل من «الغزالى» هنا ليس له قيمة، ليظهر له أن المقال له عدة مصادر، وليس مصدره كتاب «البوطى» فقط.
موقف طلاب سوريا ونسبة الخطأ للمحرر الفنى
وصل المقال للطلاب السوريين بالقاهرة فغضبوا غضباً شديداً، وذهبوا لشيخ الأزهر، ومعهم نص «البوطى» والنص الذى نشره «العوارى»، فوقعت المشيخة فى مأزق، فالسطو ثابت، والجريمة قائمة، فما كان من المشيخة إلا أن خرجت من هذا المأزق بأن نسبت فى العدد الجديد ص 825 ما حدث بأنه سهو وقع فيه المشرف الفنى للمجلة، حيث سها فوضع اسم «العوارى» مكان «البوطى»، والمجلة بما فعلته بنسبة الخطأ للمحرر شريكة فى الجريمة؛ لأنها ضحت بتاريخ مجلة الأزهر فى سبيل إنقاذ الذراع اليمنى لمحمد عبدالسلام.
وهذه ثمانية أدلة تؤكد أن ما حدث ليس سهواً من المشرف الفنى -كما زعمت المجلة-.
الأول: إذا كانت المشكلة فى سهو المحرر بوضع اسم مكان اسم فكيف لـ«البوطى» أن يقول عن نفسه داخل المقال (يراجع الشيخ «البوطى»)؟
الثانى: إذا كانت المشكلة سهواً فى وضع اسم مكان اسم فكيف نفسر تدعيم المقال المسروق بأربعة أسطر ليست من كلام «البوطى»؟
الثالث: إذا كانت المشكلة فى سهو المحرر بوضع اسم مكان اسم فكيف نفسر ختم المقال بآيتين من القرآن لم يذكرهما الشيخ «البوطى»؟
الرابع: كيف يكون سهواً من المحرر مع أن «العوارى» دعَّم سطوه على بحث «البوطى» بنقل عدة أسطر من كتاب: «حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة» للشيخ محمد الغزالى؟
الخامس: عنوان «البوطى»: «ليس فى الإسلام أقلية وأكثرية»، وعنوان المجلة: (من مقاصد الشريعة الإسلامية.. ليس فى الإسلام أقلية وأكثرية)، فكيف سها بإضافة عنوان قبل العنوان؟
السادس: المجلة قالت: إن مقال «العوارى» تم استبداله سهواً بمقال «البوطى»، وإن مقال «البوطى» جاء بمناسبة ما أكد عليه الإمام الأكبر فى مؤتمر الفتوى، فكيف يتم استبداله سهواً وفى نفس الوقت تقول إن مقال «البوطى» جاء بمناسبة ما أكد عليه الإمام الأكبر فى مؤتمر الفتوى؟ فهل نشر مقال «البوطى» جاء سهواً أم بمناسبة معينة؟ ثم أين هو مقال «العوارى» الذى سهت المجلة ونشرت غيره؟ لماذا لم ينشر فى العدد التالى، خاصة أن المجلة تقول إن «العوارى» له مقال ثابت؟
السابع: ورد فى كلام «البوطى» كلمة (يوتغ) وفسرها فى الهامش بأن معناها (يهلك)، لكن «العوارى» أضاف فى الهامش تأصيلاً لغوياً لها من كتاب «لسان العرب»، فهل إضافة هذا التأصيل كان سهواً من المحرر؟
الثامن: إذا كان ما حدث سهواً من المحرر فهل سها المحرر أيضاً حين وضع اسم «العوارى» على غلاف المجلة، ووضعه فى فهرس المجلة، ووضعه داخل المقال، هل سها ثلاث مرات؟ إن ما فعلته المجلة زاد من بشاعة الجريمة.
إن مقال «البوطى» لو كان مسروقاً بنصه من غير تصرف بتطعيمه من كتاب لـ«الغزالى»، أو بآيات قرآنية، أو بسطور من كلام «العوارى» لقلنا إن ما حدث خطأ فنى، وكل ذلك لم يكن.
ولو أن المجلة كتبت اسم «البوطى» على المقال لارتكبت بذلك جريمة كبيرة، إذ كيف لها أن تنشر مقالاً لـ«البوطى» ثم تضع بداخله عبارات لـ«الغزالى» و«العوارى» وتنهيه بآيات قرآنية؟ أليس فى ذلك تزوير فى حق «البوطى» بإضافة ما لم يقله إلى كلامه؟!
الجريمة هى الثانية فى تاريخ سرقة المقالات بالمجلة والأولى كانت عام 1963م
ما الذى حمل «العوارى» على سرقة المقال وهو فى غنى عن هذا؟
القصة أن شيخ الأزهر سبق أن رفض فى مؤتمر الفتوى مصطلح «الأقليات الإسلامية»، قوبل رفضه بالاعتراض، حتى وجد «العوارى» مقالاً لـ«البوطى» يرفض فيه استخدام المصطلح، فسطا عليه، حتى يُثبت لشيخ الأزهر، مجاملة، أن كلامه صحيح، وبدلاً من أن يذهب «العوارى» للشيخ الأكبر ويخبره بأن كلامه له ما يعضده من كلام «البوطى»، سطا على المقال ليظهر أن الذى عضد شيخ الأزهر هو «العوارى»، فتزيد أسهمه لدى المشيخة وعند «عبدالسلام» ولو عن طريق هتك حرمة العلم، علماً بأن مرصد الأزهر، التابع للمشيخة، يستخدم مصطلح أقليات مسلمة.
المقال فيه دعوة صريحة للتحريض على العنف؟
كتب «البوطى» بحثه فى أجواء الدماء وأصوات القنابل سنوات الحرب الأمريكية على العراق، لذلك كانت طبيعة الأحداث يومها تقتضى القول بأن الغرب يجرب اليوم أعتى الأسلحة الفتاكة لحرب معلنة على الإسلام، وأن الطاغية (الرئيس) الأمريكى وصف الإسلام بأنه دين الإرهاب، أما أن نعيد اليوم هذه الجمل وفى ذكرى المولد النبوى، ففى ذلك تحريض على العنف، وإنزالٌ للكلام فى غير موضعه، فالرئيس الأمريكى اليوم لم يتسلم منصبه بعد حتى نصفه بالطاغية، كما أنه لم يصف الإسلام بأنه دين الإرهاب، كما أن المقال المسروق جاء وقت خطاب للرئيس ولشيخ الأزهر فى المولد النبوى دعوا فيه للتقارب لا للتصادم، وبالتالى يسير المقال فى اتجاه معارض لكلمتى الرئيس وشيخ الأزهر فى نفس الشهر، ومِنْ مَنْ؟ من «العوارى» ذراع المشيخة.
تاريخ السرقات فى مجلة الأزهر:
ظلت مجلة الأزهر تنير العقل المسلم بما تقدمه من مقالات وفتاوى وأبحاث منذ نشأتها، ولم يسبق -فيما وصل إليه علمى- أن دنَّس أحد صفحاتها بسرقة علمية إلا مرتين؛ المرة الأولى كانت عام 1963م، حيث كتب العالم الأزهرى الشيخ إبراهيم الجبالى بحثاً فى الجزء الثانى، المجلد الثالث، شهر صفر 1351هـ/1932م فى 10 صفحات، من 122 إلى 132، بعنوان (النسخ، معناه، جوازه ووقوعه، وأقسامه وحكمته)، فجاء الكاتب عباس طه عام 1963م وسرق البحث كاملاً دون أى إضافة فى مقالين متتابعين بعنوان: (النسخ فى تقدير علماء الأصول) نشره فى شوال 1382هـ/ مارس 1963م، السنة 34، الجزء الأول، من ص 997 إلى ص 100، والثانى نشره فى عدد ذى القعدة سنة 1382هـ/ أبريل 1963م، السنة 34، من ص 1137 إلى ص 1140.
المرة الثانية: كانت على يد «العوارى» حيث سطا على «البوطى»، الفرق هنا أن «العوارى» يمثل الأزهر رسمياً، ويمثل أكبر وأقدم كلية فى تاريخ الأزهر، ويمثل مجلة الأزهر، ولكن عباس طه كان كاتباً مغموراً لا يمثل إلا نفسه، ومن الطريف أن بحث «الجبالى» وكتاب «البوطى» المسروق منهما فيهما تحذير عام من السرقات وعدم رعاية الحقوق، يقول «الجبالى»: «ومما يشرح الفرق بين الإجرام والفحش أنك تستبيح لنفسك التحدث بأخبار السرقات»، ويقول الشيخ «البوطى» ص 16 من كتابه: «إن أخلاق الشارع الإسلامى لم تعد فى مجملها أخلاقاً إسلامية، لا سيما فى مجال التعامل ورعاية الحقوق».
إننى أقدم حادثة السطو لعدة جهات لاتخاذ الإجراءات الآتية:
لرئيس الجمهورية: لعدم التصديق على تعيين «العوارى» رئيساً للجامعة، أو عضواً فى هيئة كبار العلماء.
ولشيخ الأزهر: لرفع اسم «العوارى» من مجلس تحرير مجلة الأزهر، وعدم التحدث بالنيابة عن المشيخة فى المناسبات الرسمية.
للرقابة الإدارية: لسحب المكافأة التى حصل عليها «العوارى» مقابل بحث مسروق، وهو أمر معنوى.
للنيابة العامة: للتحقيق مع إدارة مجلة الأزهر، حيث رضوا بأن يكونوا كبش فداء للذراع اليمنى لمحمد عبدالسلام، ولو على حساب تاريخ مجلة الأزهر.