مغارة على بابا . لماذا يرفض النظام ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة؟

في السبت ٠٧ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الة شديدة من التعجب والاستنكار، عقب تعليق وزير المالية بنظام العسكر، عمرو الجرحى، الذى قال فيه أن الصناديق الخاصة لن تفيد فى حل أزمة ارتفاع الأسعار، حتى وإن تم ضمها إلى الموازنة العامة للدولة.

فالعجيب والمعروف للجميع، أن تلك الصناديق بها مليارات الجنيهات التى قد تسد جزء كبير من عجز الموازنة، لكن النظام فضل العكس، فلماذا يرفض ضمها للموازنة؟.

فبحسب المراقبين، فإن بعض الجهات "السيادية" ترفض ضم هذه الصناديق للموازنة العامة للدولة؛ باعتبارها بابا خلفيا لكبار الجنرالات والقيادات الأمنية والقضائية لتوزيع غنائم هذه الصناديق، والتي تقدر بعشرات المليارات على المحاسيب والمقربين.

فالصناديق الخاصة أوعية موازية في الوزارات والهيئات العامة، وتنشأ بقرارات جمهورية، لتستقبل حصيلة الخدمات والغرامات، وغيرها من الموارد، ولا تدخل إلى خزينة الدولة، أو تخضع لموازنتها العامة، أو لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ومجلس النواب؛ الأمر الذي يفضح موقف وزير المالية، باعتباره دعما للفساد وحماية للنهب المنظم لأموال الدولة، والتي تقدر بعشرات أو مئات المليارات.

ونشأت فكرة الصناديق الخاصة أول ما نشأت بعد نكسة 1967 كمحاولة من الحكومة لتخفيف العبء؛ نتيجة عدم القدرة على سد بعض الاحتياجات في الموازنة العامة للدولة. إذ كانت أول سابقة في هذا المجال هي إصدار القانون رقم (38) لعام 1967، الذي أقر إنشاء صندوق للنظافة في المحليات تم تمويله من خلال فرض رسوم نظافة محلية.

لكن النشأة الرسمية لـ"الصناديق الخاصة" أو "الحسابات الخاصة" كانت في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، من خلال القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة. فقد أباح هذا القانون إنشاء "صناديق خاصة" و"وحدات ذات طابع خاص" في المادة (20) منه، التي تقضي بأنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص لها موارد "معينة" لاستخدامات "محددة"، ويعد للصندوق موازنة خاصة خارج الموازنة العامة للدولة، وتتبع الجهات الإدارية كالجهاز الإداري، والإدارة المحلية، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.

أما في عهد مبارك، فقد تشعبت تلك الصناديق وانتشرت في كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة. ففي هذه المرحلة صدرت سلسلة من القوانين تعطي الحق للعديد من الجهات في إنشاء صناديق خاصة، مثل قانون التعليم رقم (139) لسنة 1981، وقانون الجامعات رقم (49) لسنة 1992.
لكن عناصر مطلعة تؤكد أن هذه الحسابات دائمًا ما يتم فيها إخفاء أموال الدولة المسروقة التي لا يتم تحويلها إلى خزينة وميزانية الدولة، لكنها في المقابل كانت بمثابة حصالات بنكية للجنرالات والمسئولين الكبار في أجهزة الدولة البيروقراطية، هذا سمح لهم تجميع مكافآت بعيدًا عن أعين المراقبين والأجهزة التنظيمية، فيما يعرف باسم "الصناديق الخاصة".

واعترف الجارحي أمام اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، الأربعاء الماضى، أن عدد الصناديق والحسابات الخاصة بلغ 7062 في الدولة بالعملتين المحلية والأجنبية، ووصلت أرصدتها حتى 31 أغسطس الماضي (قبل تحرير سعر الصرف) نحو 52.7 مليار جنيه.

واعترف كذلك بوجود تجاوزات وفساد في عدد من الصناديق، إلا أنه لا يجب تعميمها، بحد زعمه.

ولكن نائب وزير المالية، محمد مُعيط، شكك في هذه الأرقام، لافتا إلى أن حجم الصناديق الخاصة الحقيقي يحتاج إلى بحث دقيق، وأن الأرقام السابقة هي التي استطاعت الوزارة حصرها"، محذرا من تحويل أجور ورواتب العاملين بالدولة من الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة؛ لتداعيات ذلك على زيادة أعبائها.

وأعلن رئيس اللجنة البرلمانية، علي المصيلحي، عن تشكيل 4 مجموعات عمل من أعضاء اللجنة، لحصر الصناديق والحسابات الخاصة بالوزارات والجهات الحكومية، وعرضها على النواب لاتخاذ اللازم حيالها، بعد دراسة دقيقة ومستفيضة.

من جهته، أوضح محمد عبد الفتاح، رئيس قطاع الموازنة العامة بوزارة المالية، أن الموارد المقدرة للصناديق الخاصة بموازنة السنة المالية الجارية بلغت 23.1 مليار جنيه، بخلاف 61 مليارا مخصصة لصالح صندوق الإسكان الاجتماعي، منوها إلى أن الصناديق التي رصدتها الوزارة قاصرة على 10 وزارات و25 محافظة و8 جامعات و15 هيئة فقط.

وأوضح عبد الفتاح أنه بدراسة طبيعة هذه الأرصدة تبين أن عدد الصناديق الخاصة داخل إطارها الصحيح بلغ نحو 3699 حسابا، بإجمالي رصيد يناهز 22.2 مليار جنيه، وأن عدد الحسابات التي تخرج عن مفهوم الحسابات والصناديق الخاصة، والتي شُكلت على أساسه، بلغت 3363 حسابا بواقع 30.5 مليارا.

ولفت إلى تخصيص متوسط رواتب بإجمالي 6.5 مليارات جنيه لهؤلاء العمال، حيث تتراوح رواتبهم ما بين 1200 إلى 5 آلاف جنيه، ورأى أن الدولة ستكون، في حال ضم الصناديق للموازنة، مُلزمة بدفع رواتبهم الشهرية، مع احتمال تقاعس القائمين على الصناديق في تحصيل إيراداتها، ما يرهق كاهل الموازنة بأعباء مالية إضافية.

(1) بلغت حصيلة الصناديق الخاصة 14.1 مليار دولار في بداية السنة المالية 2010/2011 بنهاية عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.

(2) بلغت هذه الحصيلة 9.4 مليارات دولار في بداية العام المالي 2012/2013، وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للمحاسبات مع نهاية فترة حكم المجلس العسكري، بما يعني أن 4.7 مليارات دولار من حصيلة هذه الصناديق قد تم فقدها.

(3) في أغسطس 2014، ادعى وزير المالية وقتها، هاني قدري دميان، أن الحجم الكلي لأموال الصناديق الخاصة لم يزد عن 3.8 مليارات دولار، لكنه فشل في توضيح حقيقة الـ5.6 مليارات دولار التي فقدت من إجمالي حجم أموال الصناديق الخاصة للسنة المالية 2012/2013 (المقدر بـ9.4 مليارات دولار).

(4) وصف هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، شبكة الأموال الهائلة بـ"الباب الخلفي للفساد، التي من خلالها يتم تبذير أموال الدولة بأسوأ طريقة"، هذه الأموال الممتدة بين وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، والتي كان يرأسها السيسي قبل سطوه على الرئاسة، ويقول جنينة إنه تعرض لتهديد لفظي من قبل اللواء خالد ثروت، الرئيس السابق لقطاع الأمن الوطني.

(5) وفقًا لتحقيق موقع "أنجازا"، فإن بعض العناصر داخل وزارة الداخلية أبلغتهم بحصول كبار الضباط على جزء من الأموال المسروقة، قادمة من سلسلة من حسابات بنكية سرية تستخدم في إخفاء الأموال التي يتم جمعها بواسطة الوزارة، مقابل خدمات مثل المخالفات المرورية ومبيعات لوحات أرقام السيارات… إلخ، هذه الأموال التي يتم جمعها تستخدم في تغطية نفقات الوزارة بما فيها شراء الملابس الرسمية والطعام والمعدات.

ووفقًا لعناصر داخل الوزارة، فإن أكبر سبعة مسئولين في الداخلية قد سرقوا من الأموال المخصصة للمعاشات التي تستقطع من رواتب الضباط الصغار الهزيلة، وقال أحد عناصر الداخلية لـ"أنجازا"، إن هذه الحسابات تدار داخليا بواسطة موظفين قليلي الخبرة، موثوق فيهم، والذين تم ترقيتهم لهذه المناصب بالمحسوبية، ليقوموا بإخفاء بعض الأرقام.

اجمالي القراءات 2667