بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد : هذا كتاب الحب . إن لفظ الحب لفظ متداول كثيرا فى الحياة اليومية ومع كثرة تداوله فإن الكثير من الناس يرددونه دون أن يكونوا عارفين معانيه الحقيقية ويستعمل الناس هذا اللفظ فى العلاقة بين الرجل والمرأة أكثر من أى علاقة أخرى مع أنه يوجد فى الكثير من العلاقات الموجودة فى هذا الكون . حب المسلم لله : إن حب الإنسان لله ليس له سوى معنى واحد هو إتباع رسول الله (ص)والمراد إتباع وحى الله المنزل &Ua على النبى (ص)أى طاعة حكم الله الموحى للنبى (ص)وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله "أى قل إن كنتم تتبعون حكم الله فأطيعونى ينصركم الله دنيا وأخرة . حب الله للمسلم : إن الله يبادل المسلم حبا بحب والمعنى إن الله ينصر المسلم فى الدنيا والأخرة كما أن المسلم ينصر الله فى الدنيا بطاعة حكم الله ومعنى نصر الله رحمته أى إثابة المسلم وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله "وقال الله فى تبادل الحب بينه وبين المسلمين بسورة المائدة "فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه "وفى حب الله للمسلمين أى المتقين أى المطهرين أى المقسطين000 إلخ قال بسورة التوبة "إن الله يحب المتقين "و"إن الله يحب المطهرين "وقال بسورة الحجرات "إن الله يحب المقسطين ". حب الكفار لله : إن حب الكفار لله حب يساوون فيه بين الله والآلهة المزعومة فهم يدعون أنهم يحبون أى يطيعون الله ويحبون أى يطيعون الآلهة المزعومة فى نفس الوقت وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله "وطبعا هذا الحب ليس هو ما يريده الله فالله يريد الحب وهو الطاعة له وحده لا يشاركه فيه سواه. المقارنة بين حب المسلمين والكفار لله : إن حب الكفار لله هو حب يساوون فيه الله بالأنداد وهم الآلهة المزعومة وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله "وأما المسلمين فهم أشد حبا لله أى أعظم طاعة لحكم الله والمراد أنهم يخصون الله وحده بالحب فلا يجعلون له أى شريك فى هذا الحب وفى هذا قال تعالى بنفس الآية "والذين أمنوا أشد حبا لله ". حب المسلمين للكفار : إن الكثير من المسلمين يحبون الكفار والمراد أنهم يريدون نفعهم قولا وفعلا ولكن الكفار لا يحبونهم أى لا ينفعون المسلمين وقد لام الله المسلمين على هذا فقال بسورة آل عمران "ها أنتم تحبونهم ولا يحبونكم "والسبب فى اللوم هو أن الحب علاقة تبادلية ولكن هنا ليس هناك تبادل للحب من جانب الكفار ومن أجل هذا فالواجب علينا هو ألا نحب الكفار وهو معاملة بالمثل ., حب الرجل والمرأة : إن اللحظة التى يبدأ فيها حب الرجل للمرأة والعكس هى لحظة قد تلتقى فيها العيون لأول مرة أو تسمع الآذان صوت الأخر ينساب كالموسيقى أو يتلامس فيها جلد اليدين أو يشم فيه الأنف رائحة الأخر، إن هذه اللحظة نادرا ما يتذكرها المحبان لأن المهم هو الحب نفسه وليس بدايته الوقتية ،إن تلك النظرة أو السماع أو اللمسة أو الشمة هى بداية الشغف وهو الانشغال فى التفكير فى الحبيب وعندما تنشغل النفس بالحبيب فإنها تنسى كل أمر أخر سواه لأنها تتخيل فى تلك اللحظات الحياة السعيدة بينهما فى المستقبل القادم ولعل من طرائف بدايات الحب ما يقال – والله أعلم بحدوثه من عدمه –ما حدث من شتم بين بثينة وجميل كما قال جميل : وأول ما قاد المودة بيننا بواد بغيض يا بثين سباب أشكال الحب بين الرجل والمرأة : يتخذ الحب فى الإسلام بين الرجل والمرأة شكلين : 1- الحب قبل الزواج ومعناه تفكير كل طرف فى الأخر وتخيله لحياته معه فى المستقبل ولمقابلاته معه وتذكره لما حدث بينهما سواء كان حوادث سارة أو محزنة وهذا يعرفنا أنه تواصل نفسى يحدث معظمه داخل نفس المحب وأما أقله فهو التواصل الكلامى مع الحبيب . 2- الحب بعد الزواج ومعناه التعامل المستمر بالرحمة بين الزوجين وهذا التعامل يشمل النفس والجسد معا وفيه قال تعالى بسورة الروم "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " الشغف بالحبيب إن الشغف بالحبيب هو الانشغال التام به فالمحب يتناسى كل شى حوله ويستغرق فى التفكير فى الحبيب استغراقا كاملا حتى يتحول التفكير إلى جهالة وإثم فى نفس المحب وهذا ما حدث لامرأة العزيز عندما شغفها حب يوسف(ص )والمراد :عندما شغلها الاستحواذ على يوسف (ص) فجعلها تخطط لكى يزنى بها فمكرت مكرها بقفل الأبواب والتزين له والعمل على الحديث الصريح معه عن الزنى بالألفاظ المحببة فيه ومن أجل هذا وصفتها النسوة بأنها فى ضلال مبين والمراد فى جهل عظيم وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها فى ضلال مبين "ومن ثم فالإنسان العاقل عليه ألا يشغله الحب عن طاعة الله . الحب يعمى ويصم : من الأقوال الشهيرة "حبك الشىء يعمى ويصم "والمراد أن المحب يعمى عن عيوب الحبيب بعينيه كما أنه لا يسمع كلام الأخرين عن عيوب الحبيب حتى ولو كانت العيوب حقيقية وهذا النوع من الحب هو حب محرم لأنه يجعل الإنسان مجنون وليس عاقلا وعلى كل محب أن يفكر فى حبيبه تفكيرا سليما فيقبله على عيوبه إذا كانت عيوبا مقبولة وليست عيوبا مؤدية بصاحبها ومن يحبه إلى الكفر والعيوب الغير مقبولة ليس منها العاهات والأمراض الجسمية حتى ولو كانت عرج أو كتع أو عمى أو غير هذا من أنواع العاهات أو الأمراض . الحب المزدوج : هو أن يحب الإنسان امرأتين أو المرأة رجلين وهو حب موجود وإن كان كم الحب يختلف بين الاثنين فهناك أفضلية فالأول قد يكون أفضل من الثانى والثانى قد يكون أفضل من الأول وهذا النوع من الحب حسب العدد قد يتسبب فى أحيان كثيرة فى القلق والصراع عندما يريد المفاضلة بينهما أيهما يتزوج . أسباب الحب : إن الرجل يحب المرأة أو العكس لأسباب عدة هى : - المنظر فالبعض يحب الأخر بسبب جمال منظره أو بسبب إعجابه بالمنظر . - الصوت فالبعض يحب الأخر بسبب سماع صوته الذى ينال استحسانه وإعجابه . - الخلق فالبعض يحب الأخر بسبب إعجابه بأخلاقه سواء كانت حسنة أو سيئة وهو ما يسمى تشابه الأخلاق أى تشاكلها وهذا تطبيق للمثل "الطيور على أشكالها تقع "أى الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف . الزواج والحب : إن الزواج لا يقوم فى كل الحالات على الحب بين الزوجين فالحالات التى يتزوج المحبان فيها حالات قليلة وهذا يرجع للتقاليد الخاطئة التى تعشش فى نفوس الناس مثل الحسب والنسب ومقدار المال والفقر والمرض والأمية لذا فإن الزواج يكون فى حالات قائم على الحب وفى حالات قائم على الكراهية مصداق لقوله تعالى بسورة النساء "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"وفى حالات أخرى قائم على حالة حيادية فلا حب ولا كره وفى بعض الحالات الحيادية والحبية والكراهية يحدث فمثلا الحيادى قد يحب أو يكره والمحب قد يكره والكاره قد يحب فالحب ينشىء من المعاملة الطيبة الحسنة أو من الأفكار المسبقة من الأخرين والكراهية تنشىء من الأخطاء وتعددها فى حق الأخر والأفكار المسبقة دون تعامل ومن ثم فالعامل الأساسى فى التحول هو نوع المعاملة التى يتعامل بها الزوجان. مقابلات الأحباء قبل الزواج : إن تقابل المرأة مع الرجل قد يقع فى السر أو فى العلن إذا كانا يحبان بعضهما والمقابلة بينهما أباحها الله بشروط هى أن يكون القول وهو الكلام بينهما معروفا أى حسنا أى حقا ليس فيه كلام باطل مثل طلب الزنى أو غيره من المحرمات وألا يعزم الرجل والمرأة الزواج قبل مضى عدة المرأة الأرملة فى حالة كون المرأة أرملة وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ولكن ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن يقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله "وهذه المقابلات حبذا لو كانت علنا حتى يعلم الناس بنية الرجل والمرأة فى الزواج ولكن النفس الإنسانية كما أخبرنا الله تواقة فى علاقة الحب للسرية وما ينطبق على علاقة الأرملة ينطبق على علاقة غير المتزوجين فى المقابلات فى الشروط وأما المطلقة فلا يحل لها ذلك لأنها فى عدة الطلاق تكون فى بيت الزوجية ويحق لزوجها إعادتها فى العدة إذا رضت بهذه العودة . رسائل الحب قبل الزواج : إن المحبين قد يتبادلون رسائل الحب قبل الزواج لأن المقابلات بينهما قد تكون مستحيلة بسبب رقابة الأهل أو بسبب الحياء من الناس أو بسبب الخوف من الشبهات أو غير هذا من الأسباب التى تكون فى نفس المحبين وتبادل الرسائل مباح للتالى : -إذا كان أطراف الحب ليسوا متزوجين لأن الزواج يحرم علاقة الحب بين المرأة وغير زوجها تحريما ظهوريا بمعنى أن حب المرأة يكون فى نفسها ولا تظهره بأى صورة من الصور لزوجها أو غيره من الناس بتبادل الرسائل أو بالمقابلات أو بغير هذا . -أن الكلام الموجود فى الرسائل يكون معروفا أى حقا والمراد ليس باطلا فيه ما يغضب الله . -أن الكلام أفضل من المقابلة فى العرف حيث المقابلة تتيح ارتكاب الزنى وأما الكلام فى الرسائل فلا يتيح ارتكاب الزنى . الحب والزواج : إن الحب فى معظم الأحوال لا يؤدى لزواج المحب لمن يحب لأسباب عدة منها : -أن المحبوب قد يحب غير من يحبه وهذا الغير قد يحب غير المحبوب من الأخر وهكذا وقد عبر الأعشى عن هذا بقوله : علقتها عرضا وعلقت رجلا غيرى وعلق أخرى غيرها الرجل وعلقته فتاة ما يحاولها من أهلها ميت يهذى بها وهل وعلقتنى أخيرى ما تلائمنى فاجتمع الحب حبا كله تبل -الظروف المالية فهذه ظروف الفقر تدفع المحب إلى أن يتخلى عن الزواج كرها وظروف الغنى تدفعه للزواج بمن يحب . -أحكام المجتمع فهناك أحكام باطلة تفرق بين المحبين مثل ما يسمى الحسب والنسب فقد لا تقبل عائلة زواج ابنها أو ابنتها من ابن أو بنت عائلة أخرى ومثل ما يسمى زواج الأقارب فهناك بعض العائلات أو القبائل تزوج بناتها لأولادها فقط ومثل فقر أحد المحبين وغنى الأخر . - الزواج فالمتزوجة إن أحبت لا تتزوج من تحب لأنها مقيدة برباط شرعى مالم تطلب الفدية وهى الخلع . نتيجة الحب : إن المحب أو المحبة نتيجة الحب تحدث فيهما تغيرات فكل واحد منهما يحاول أن يغير من نفسه فإذا كان قذرا تنظف وإذا كان لصا تاب وإذا كان طماعا حاول أن يكون قنوعا وإذا كان جبانا تشجع وهكذا ،هذه النتيجة قد تكون هى الحادث إذا كان المحبان على خلق حسن وأما إذا كان المحبان على خلق سيىء فإنهما يحاولان تبديل الحسن فيهما إلى سيىء حتى ينال إعجاب الأخر فإذا كان الرجل حييا أصبح ماجنا وإذا كان صدوقا كذب الكذب المحرم وإذا كان أمينا خان . هل يجوز حب المرأة المتزوجة ؟ إن حب الرجل المسلم لزوجة غيره المسلمة مباح وجائز ما دام هو حب قلبى بمعنى أنه لا يتعدى الانشغال النفسى للعمل على التفريق بينها وبين زوجها المسلم بأى وسيلة من الوسائل وقد بين الله لنا مثلا على هذا هو أن النبى (ص)أحب ابنة عمته رغم أنها كانت زوجة أحد المسلمين وهو زيد وقد أوحى الله لنبيه (ص)أنه سيتزوجها بعد طلاق زيد لها وأخفى النبى (ص)فى نفسه الأمر الذى سيظهره الله على لسانه فى صورة وحى خوفا من حديث الناس أنه سيتزوج زوجة من كان تبناه فى الجاهلية وفى هذا قال تعالى بسورة الأحزاب "وتخفى فى نفسك ما الله مبديه "إذا يجوز للمسلم أن يحب زوجة غيره المسلمة ما دام لا يعمل على التفريق بينهما وما دام لا يعلنه للغير .