ßÊÇÈ مبادىء الشريعة الاسلامية السبع وكيفية تطبيقها
الخاتمة

في الإثنين ٢٥ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

  خاتمة كتاب :( مبادىء الشريعة الاسلامية وكيفية تطبيقها )

أولا :

1 ـ فى أوائل العصر العثمانى كان الشيخ الشعرانى إمام التصوف السنى فى مصر وخارجها ، يستخدم السّنة فى خدمة التصوف ، وترك مؤلفات غزيرة ، كان أهمها ( لطائف المنن الكبرى ) الذى يفتخر فيه بكراماته وكيف أنه يطير فى السماء ويطوف بالعالم ، ويسمع تسبيح السمك ويتخاطب مع الجن ..الخ ..وكانت ثقافة العصر تصدق خرافاته ، هذا بينما كانت أوربا تسير فى الأرض تكتشف العالم الجديد وتستعمره .

2 ـ ثم جاءت حملة نابليون الى مصر ، فأحدثت هزّة أسهمت فى إيقاظ المصريين ، وبدأت أولى الصحوة ، واستغلها ( محمد على ) الضابط الطموح فى الجيش العثمانى بعد رحيل الفرنسيين فى الوصول الى حكم مصر ، ثم خطا بمصر عسكريا وصناعيا وتعليميا ، فاسقط الدولة السعودية الوهابية الأولى عام 1818 واستولى على الشام ووصل نفوذه للخليج مهددا طريق انجلترة نحو الهند ، ووصلت جيوشه الى داخل الأناضول تهدد باسقاط الدولة العثمانية، فتآمرت انجلترة وفرنسا حتى أوقفت طموح محمد على  . بعد فترة جمود فى عصرعباس الأول جاء اسماعيل ليجدد تطور مصر حضاريا وسياسيا ، فتآمرت عليه انجلترة وفرنسا وتم عزله ، ثم احتلت انجلترة مصر .

3 ـ هذا التطور المذهل الذى حدث فى حوالى نصف قرن بعد خروج الحملة الفرنسية نتج عنه تطور مصرى هائل سياسيا ( أول مجلس نيابى فى عصر اسماعيل ) وحضاريا ( تحويل القاهرة من القرون الوسطى لتصبح مزدهرة كأى مدينة أوربية فيها اوبرا وضواحى حديثة وعمائر وقصور هائلة لا تزال تزدان بها القاهرة والاسكندرية ، وانشاء مدن جديدة : بورسعيد ، بور فؤاد بور توفيق .) وأقليميا بضم السودان والوصول الى الصومال ، والتوسع فى التعليم الحديث وارسال البعثات لأوربا ،  والانفتاح على العالم .

4 ـ والأهم من ذلك وصول أصداء هذا التطور أخيرا الى اصلاح الأزهر الذى بدأ به الامام محمد عبده ، ولكن توقف بسبب خيانة تلميذه رشيد رضا أكبر عميل لعبد العزيزآل سعود فى مصر ، وقد استطاع رشيد رضا وحامد الفقى والسبكى ومحب الدين الخطيب نشر الفكر الوهابى فى مصر تحت اسم السلفية والسّنة ، وتتوج هذا بإقامة تنظيم الاخوان المسلمين ليعمل على الوثوب للحكم فى مصر وخارجها وإنشاء دول وهابية .

5 ـ عرفت مصر خلال الاحتلال البريطانى ليبرالية إزدهرت فى حياة حزبية ودستور رائع هو دستور 1923 وملكية دستورية ، ولكن هذه الديمقراطية الليبرالية إفتقرت الى العدالة الاجتماعية ، مما أسهم فى حرمان جيل الشباب المتعلم من أن يجد مكانا تحت الشمس ، فتحول الشباب الى السخط ، وظهرت الجمعيات السرية كمصر الفتاة و حدتو الشيوعية ولكن المستفيد الأكبر من السخط العام كان الاخوان ، فإزدادوا إنتشارا وتأثيرا . ووصلت أصداء هذا الغضب الى الجيش فقام الضباط الأحرار بانقلابهم العسكرى متمتعا بتأييد الاخوان المسلمين .

6 ـ انتهت الفترة الليبرالية الديمقراطية الدستورية بالمشروع الناصرى العروبى ، واستبدل عبد الناصر الديمقراطية الدستورية بالعدالة الاجتماعية والدور المصرى الرائد عربيا وإفريقيا ودوليا ، وسقط هذا كله بنكسة 67 ، ومن وقتها وبعد الصلح بين ناصر والسعودية ومؤتمر الخرطوم بدأت مصر تتقزّم لصالح السعودية ، ثم ضغط السعوديون فجعلوا عميلهم السادات نائبا لعبد الناصر ثم بعدها تم إغتيال عبد الناصر فى ضجيج مؤتمر القمة الذى عقده عبد الناصر لانقاذ منظمة التحرير من جيش الملك حسين ، وتولى السادات الذى دخل بمصر عصر التبعية للسعودية ، وحين بدأ يتمرد عليها عاجله الاغتيال ، وتولى مبارك الذى وعى الدرس جيدا فكان عبدا مخلصا للسعودية ، ونشر دينها الوهابى فى مصر ، فتغيرت ثقافة المصريين المُسالمة لتتشابه مع أعراب نجد فى العدوان والتزمت والنفاق الدينى والتدين السطحى . قام مبارك باضطهاد أهل القرآن وتيارهم الاصلاحى الذى يبنى على مدرسة الامام محمد عبده ، فانفردت الوهابية بالساحة المصرية بدون إزعاج . ثم فى نهاية عصر مبارك إنحصر الخيار بين التمديد لمبارك بعد الثمانين أو توريث ابنه الفاسد فقام الشباب المصرى بثورة 25 يناير2011 فأسقط مبارك ، وقام الاخوان بإختطاف الثورة كما إختطفوا الاسلام ، ثم قام المصريون بثورتهم الشعبية التالية 30 يونية 2013 ، فخلعوا الرئيس الاخوانى ، ومع الاتفاق على فشل الرئيس الاخوانى وإعتباره عارا إلا إن الاخوان يهددون مصر بالتدمير إن لم يعد .

ثانيا

1 ـ ثورة 30 يونية 2013 الحالية تعطى مصر الفرصة لكى تضع نفسها على الطريق الصحيح بعد فشل خيار القومية العربية وخيار الدولة الدينية . الخيار الصحيح هو الدولة الديمقراطية المدنية الحقوقية العلمانية الحديثة على مثال النظم السياسية فى الغرب وفى اليابان ، وهى فى نظرى كمفكر اسلامى أقرب ما يكون لنموذج الدولة الاسلامية . ومن هنا يأتى تحديد مبادىء الشريعة الاسلامية الست طالما يريدون النّص على مادة الشريعة الاسلامية . وكنت ـ ولا أزال  ـ أرى أنه ينبغى النّص على المواثيق الدولة لحقوق الانسان مصدرا للتشريع ، فهى أقرب الكتابات البشرية لشريعة الاسلام . ولكن لا بأس طالما يتم تحديد مبادىء الشريعة الاسلامية الستة ، منعا لأى لبس ، وتوضيحا للمفهوم حتى لا يتم استغلاله والوثوب عليه.

2 ـ بيد أنّ خيار الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية الحقوقية  يستلزم إصلاحا تشريعيا وتعليميا وإقتصاديا وسياسيا . وقبل ذلك إصلاحا دينيا يركز على الأزهر والمساجد ليؤكد فصل الدين عن العمل السياسى مع التأكيد على حرية الدين وحرية الفكر والاعلام والابداع للجميع .

3 ـ البديل لهذا الاصلاح هو المزيد من التدهور الذى يدفع باتجاه الافلاس الاقتصادى والجوع والحرب الأهلية .. ليس لدى مصر الآن ترف التأجيل والتمهل والتردد ..فطالما يتحدد الطريق فلا بد من المُضى فيه سريعا ، وبحزم .. إن الاخوان والسلفيين يعيشون على نكبات هذا الوطن ، والاصلاح الحقيقى هو الكفيل بالقضاء سلميا علي خطرهم .. ومهما كانت قسوة الكلمة فهى لا تجرح ولا تُسيل دما . أما بقاء الوهابية بلا مناقشة من داخل الاسلام فهو الكفيل بدخول مصر الى حمامات دم يهون الى جانبها ما يحدث فى سوريا .

أخيرا

1 ـ العادة أن تكون الخاتمة هى آخر ما يكتبه الباحث ، ولكننى أكتب هذه الخاتمة قبل الانتهاء من مقالات هذا الكتاب ، أكتبه اليوم (الاثنين 29 يولية 2013  )، ولا أدرى متى يحين نشرها ، ومتى أنتهى من فصول هذا الكتاب .

2 ـ أبدأ بالخاتمة لأسجل أننى أعرف مقدما أم مقترحاتى بالإصلاح لن تجدى صدى ، ولن تجد التنفيذ ربما خلال ما تبقى لى من حياة . السبب أن الأغلبية العظمى الساحقة من المسلمين المصريين وهابيون وصوفية وشيعة وبهائيون وعلمانيون ، وهم جميعا ضدّ ما نقوله نحن أهل القرآن. العلمانيون المصريون المسلمون صنفان : صنف يكره الاسلام ، ويكره أننا نقوم بتبرئة الاسلام من شرور الوهابية ، وصنف معتدل فى علمانيته ، ولكنه يؤمن فى داخله بالسّنة أو التصوف أو التشيع ، وبالتالى فهو ضد جهادنا الفكرى فى تأكيد التناقض بين الاسلام وأديان المسلمين الأرضية من سنة وتشيع وتصوف . وأكثر منهم خصومة لنا هم المتدينون من السنة والشيعة والصوفية . وهم جميعا يرفضون شهادة الاسلام التوحيدية الواحدة ( لا اله ألا الله ) ويصممون على جعل النبى محمد شريكا لرب العزة فى الشهادة ، وفى الأذان وفى الصلاة وفى الحج لقبره ، ويجعلونه متحكما فى يوم الدين ومتمعا بالحياة الأبدية فى القبر حيث تُعرض عليه الأعمال فيراجع فيها رب العزة ..الخ هذه الخرافات التى تشكّل عقائدهم جميعا بلا خلاف حقيقى بينهم ، ولكن يختلفون فى إضافة ألهة أخرى بجانب النبى محمد ، من الصحابة والأولياء الصوفية وآل البيت ، والأئمة السنيين والشيعة والصوفية ، بحيث تتسع دائرة التأليه والتقديس للبشر ولا يبقى لرب العزة مجال بعد ان سلبوا منه جل وعلا التقديس الذى يجب ان يكون له وحده ، باعتبار أنه وحده الخالق مالك يوم الدين والذى لا معقب فى حكمه والذى لا يُشرك فى حكمه أحدا . وإذا كان هذا حال المعتدلين من السنيين والشيعة والصوفية فإن الوهابيين الأكثر تشددا هم خصومنا الأعنف ، وثقافتهم تتخلل الصفوة والقادة فى مصر بدرجات مختلفة ، وهم مع الآخرين يرفضون أى إصلاح دينى أو تعليمى أو تشريعى . يبقى الأقباط ، وهم أيضا نوعان : نوع متطرف يبغض جهادنا ضد الوهابية ، ولا يهتم بدفاعنا عنهم لأنّ جريمتنا من وجهة نظرهم أننا نبرىء الاسلام من شرور الوهابية ، وهم سعداء بما تفعله الوهابية بالاسلام ، ويريدون أن يظل الاسلام متهما بالارهاب . وهناك من متديّنى الأقباط من يكره عملنا خوفا من أن ينعكس على دينهم ، فنحن نقول بعلمانية الدين الاسلامى حيث لا واسطة ولا تأليه للبشر ، وهم يريدون أن تظل للكنيسة سطوتها وسيطرتها على الأقباط ، وأن يظل الأقباط أسرى لخرافات المعجزات أسوة بالمسلمين الصوفية .

3 ـ هؤلاء جميعا يتمسكون بالثقافة المجتمعية ، وهم يريدون أن يعبّر عنها الدستور بالتوافق بينهم . وهذا خلاف أساس بيننا وبينهم . نحن نرى أن الدستور يجب أن يمثّل القيم العليا ، التى ينبغى أن يصل اليها المجتمع . أما هم فهم يريدون للدستور أن يعكس حال المجتمع وما يسوده من قيم ، أى أن ينحطّ الدستور ليتوافق مع قيم المجتمع . وليست كل قيم المجتمع تنتمى للقيم العليا ، فهناك فى الصعيد قيمة الأخذ بالثأر ، والمجتمع المصرى لا يزال يحتفظ بقيمة النظرة الدونية للمرأة ، ولا تزال المرأة المصرية محرومة من أخذ نصيبها كاملا فى الميراث . وهناك جملة من الأعراف المصرية التى تخالف العدل والحرية ، ومفروض أن يتم علاجها بالدستور ، لا أن تكون مصدرا للدستور ومعلمنا من معالمه . ثم أن القيم المجتمعية تتغير ، بل وتغيرت بسرعة خلال نصف القرن الماضى ، فالمصريون اليوم هم غير المصريين فى الخمسينيات ، وبالتالى فهذا التغير إن كان إيجابيا أو سلبيا يؤكد أنه لا بد للدستور أن يعلو على القيم الاجتماعية ، وأن يكون منارة إصلاح لها ، بأن تكون مرجعيته القيم الانسانية العليا ، والتى تعبر عنها مبادىء الشريعة الاسلامية المنصوص عليها فى هذه الدراسة .  

4 ـ إذن هناك إتفاق بين عقائد أتباع الديانات الأرضية المسلمين وهناك هذا التأثر بالوهابية بدرجات مختلفة وهناك هذا الرفض لما ينادى به أهل القرآن . المعضلة الوحيدة هى فى السياسة ، والتى تعنى الصراع على السلطة والثروة . ومن هنا نفهم تناقض المواقف السياسية محليا وإقليميا وعالميا ، فأمريكا تحارب الوهابية العسكرية فى القاعدة التى يتزعمها أيمن الظواهرى ، ولكنها  تؤيد الاخوان فى مصر ، ومن ضمنهم محمد الظواهرى شقيق ايمن الظواهرى . والسعودية تعادى الاخوان فى مصر ولكن تساعد الاخوان فى سوريا والعراق . الصراع قائم فى مصر بين العمامة الاخوانية والكاب العسكرى ليس حول الاعتقادات الدينية لأنه معروف تأثر العسكر بالفكر الوهابى بدرجات مختلفة. هو صراع سياسى  على السلطة والثروة يجعل مستحيلا تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية وما يتطلبه هذا التطبيق من إصلاح .

5 ـ يبقى السؤال : لماذ أكتب بينما أنا مقتنع باستحالة تطبيق ما أدعو اليه ؟ الجواب : أكتب إبراءا للذمة ، وخوفا من عذاب الرحمن ، لأن من يكتم الحق القرآنى ملعون ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) ( البقرة )  . أكتب أملا أن تنفع هذه الكتابات جيلا قادما فى مصر وغيرها ، أكتب أملا أن أكون يوم القيامة ضمن الأشهاد على أقوامهم ، أشهد على قومى بما فعلت وبما عانيت فى سبيل توضيح بيان القرآن : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90 )( النحل ). فإذا ضاع جهدى وجهادى فى هذه الدنيا فإننى أرجو الجزاء من رب العزة الذى لا يضيع أجر من احسن عملا .

آخر سطر :

أصدق الحديث:( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)(هود).